“هجوم ترمب” عزز صعوده.. كارني يقود كندا وسط التحديات

قاد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، حزبه الليبرالي للفوز بولاية رابعة في الانتخابات العامة التي أجريت، الاثنين، وهي الولاية التي يُعتقد على نطاق واسع أنها ستتمحور بالأساس حول مواجهة سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي أعلن حرباً تجارية وهدد بضم كندا إلى الولايات المتحدة.
وقدم كارني، وهو أول شخص يتولى قيادة بنكين مركزيين في دول من مجموعة السبع (انجلترا وكندا)، نفسه على أنه صاحب خبرة وقدرة على قيادة جهود التصدي لسياسات الإدارة الأميركية الحمائية إلى حد كبير، حتى مع أقرب حلفائها، واكتسبت هذه التصورات بعداً دولياً بعدما رشح نفسه للعب دور قيادي عالمي كمناصر للتعددية.
ولعب ترمب دوراً مؤثراً في الحملة الانتخابية في كندا، إذ عززت تهديداته وتصريحاته مشاعر الوطنية لدى الكنديين، وهو ما استغله كارني، الذي ركز في دعايته الانتخابية على أن خبرته في التعامل مع القضايا الاقتصادية تجعل منه أفضل مرشح للتعامل مع الرئيس الأميركي.
ترمب يحاول تحطيم كندا.. والتصدي لسياساته أولوية
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني خلال خطاب الترشيح
كارني في مواجهة ترمب
كارني الذي يترشح لأول مرة للمنصب وصاحب تجربة متواضعة في السياسة، انتهج نبرةً عدائية تجاه الولايات المتحدة خلال خطاب قبوله ترشيح الحزب، في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، في فعاليةٍ للحزب في العاصمة أوتاوا.
وفي خطاب قبوله، أكد كارني أن أولويته ستكون مواصلة التصدي لسياسات ترمب.
وقال: “كما حذّرتُ منذ أشهر، أميركا تريد أرضنا، ومواردنا، ومياهنا، وبلدنا”. وأضاف: “يحاول الرئيس ترمب تحطيمنا ليستمتع بنا. هذا لن يحدث أبداً”.
كما حذّر الكنديين من أن مواجهة التهديد الأميركي ستكون صعبة وقد تتطلب تضحيات.
لكن رغم هذه الطموحات، ثمة حقائق اقتصادية قاسية. إذ تعتمد كندا بشكل كبير على السوق الأميركية في صادراتها، بينما تعتمد مصافي النفط في الغرب الأوسط الأميركي على كندا كأكبر مورد أجنبي للنفط للولايات المتحدة. ويُعدّ شحن النفط والموارد الأخرى إلى أماكن أخرى أكثر تكلفة بكثير.
لم يلتقِ كارني ترمب بشكل مباشر منذ توليه زعامة الحزب الليبرالي ورئاسة الوزراء، الشهر الماضي، لكنه جعل تصريحات ترمب بشأن جعل كندا الولاية رقم 51، والرسوم الجمركية التي فرضها على السلع الكندية محور حملته الانتخابية.
وأجرى كارني وترمب “اتصال هاتفي مهني” قبل الانتخابات، وصرّح كارني خلال الحملة الانتخابية أن ترمب أثار مسألة ضم كندا، خلال الاتصال.
وأكد أنه سيُبقي على الرسوم الجمركية الانتقامية الكندية ضد الولايات المتحدة، لكنه حذّر من أن توسيعها يضر بالكنديين أكثر مما يضغط على الأميركيين.
وتعهّد بتنويع تحالفات كندا وعلاقاتها التجارية، وتوجّه، الشهر الماضي، إلى أوروبا في زيارة قصيرة لكنها مهمة، للتأكيد على هذا النهج، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”.
كيف تفاعل الكنديون؟
فاز كارني في الانتخابات على خلفية استياء الكنديين من الرسوم الجمركية الأميركية، وتهديدات ترمب لسيادة بلادهم، وقال للناخبين إن العلاقة التجارية والأمنية التي استمرت عقوداً مع الولايات المتحدة “انتهت”.
وسيتعين على كارني الموازنة بين الغضب الشعبي، خاصة بعدما ألغى الكثيرون رحلاتهم إلى الولايات المتحدة وقاطعوا البضائع الأميركية، وحاجته لإقناع ترمب بالتوصل إلى اتفاق.
وفي مارس الماضي، انخفض عدد الكنديين الذين يعبرون الحدود البرية إلى الولايات المتحدة بنسبة 32%،مقارنةً بشهر مارس 2024، وفقاً لبيانات هيئة الإحصاء الكندية.
كما انخفض عدد المسافرين جواً من كندا إلى الولايات المتحدة في نفس الفترة بنسبة 13.5% مقارنةً بمارس 2024.
وبناءً على بيانات اتحاد السفر الأميركي، فإن انخفاض عدد الزوار الكنديين بأكثر من 30%، يعني خسائر للاقتصاد الأميركي تتجاوز 6 مليارات دولار، خلال العام الجاري.
وظهرت في كندا مجموعة من تطبيقات الهواتف الذكية تحمل أسماء مثل Buy Beaver، وMaple Scan، وIs This Canadian، والتي تتيح للمتسوقين مسح رموز QR للتعرف على مصدر المنتجات واستبعاد السلع الأميركية، بدءاً من المشروبات الكحولية ووصولاً إلى البيتزا.
وفي المحال التجارية، بدأت تظهر لافتات تحمل شعار ورقة القيقب، الرمز الوطني لكندا والمستخدم في علمها الوطني، إلى جانب بعض المنتجات، في إشارة إلى أن هذا المنتج أو ذاك مصنوع في كندا.
وبحسب استطلاع رأي نشرته الصحافة المحلية، فإن أكثر من 70% من الكنديين أصبحوا يتجنبون شراء المنتجات الغذائية الأميركية.
ولم تتوقف مظاهر المقاطعة عند السلع والسفر، بل امتدت إلى شركات التكنولوجيا، إذ أطلق الكنديون حملة مقاطعة للشركات الأميركية مثل أبل، وجوجل، وميتا، وشرعوا في استخدام بدائل أخرى مثل خدمة البريد الإلكتروني “نورث ميل” أو محرك البحث “سويتش”.
ووفقاً لمحللين في “جولدمان ساكس”، تُقدر خسائر مقاطعة مختلف المنتجات الأميركية على الاقتصاد هذا العام بنحو 83 مليار دولار.
ورغم كل هذا، لم يخفف ترمب من حدة تصريحاته، فمع بدء الاقتراع في الانتخابات الكندية، الاثنين، قال الرئيس الأميركي في منشور على موقع “تروث سوشيال” إن على الكنديين التصويت ليصبحوا الولاية الأميركية رقم 51.
تحديات داخلية
وإلى جانب معركته خارج الحدود مع الولايات المتحدة وإدارة ترمب، يتعين على كارني أيضاً إصدار عدد من القرارات السياسية الداخلية بسرعة، والتعامل مع الاقتصاد الكندي المتعثر.
ويواجه كارني في هذا الصدد مهمة شاقة، إذ أظهرت النتائج النهائية للأصوات، بعد ظهر الثلاثاء، فوزه بأكبر عدد من المقاعد، ما يتيح له تشكيل حكومة، لكنه يفتقد 3 مقاعد للحصول على أغلبية حكومية.
ويعني هذا أن كارني يحتاج للاعتماد على أحزابٍ أصغر لدعم أجندته التشريعية، على الأرجح مع الحزب الديمقراطي الجديد الذي كان يدعم إدارة رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو.
وتعرض الحزب الديمقراطي الجديد الذي ينتمي ليسار الوسط، لنكسة في الانتخابات، بعدما خسر زعيمه جاجميت سينج مقعده، لكنه لا يزال لديه 7 مقاعد في البرلمان، وهي كافية في حالة التحالف لتمرير التشريعات في البرلمان.
وعند اختياره وزراء حكومته، ربما يضطر كارني إلى خلق توليفة توازن بين مساعدي ترودو، مثل وزيرة الخارجية ميلاني جولي، ووزيرة التجارة دومينيك لوبلان، ومنافسته في الانتخابات كريستيا فريلاند، وهو ما قد يخلق بعض الحساسيات.
وعلى رئيس الوزراء الكندي أن يجد طريقة للتعامل مع المحافظين الذين حصلوا على أكبر حصة من الأصوات الشعبية منذ عام 1988، ومن المرجح أن يحصلوا على مقاعد أكثر مما فعلوا في الانتخابات الماضية.
وحقق حزب المحافظين أداءً أفضل من المتوقع، إذ حصل على 7.6% في التصويت الشعبي مقارنةً بأدائه في انتخابات 2021، على الرغم من أن زعيمه بيير بواليفير، خسر مقعده.
وفي بداية الحملة الانتخابية، أظهرت استطلاعات الرأي أن تقدم المحافظين الكبير ربما تبخر، وأن الليبراليين بقيادة كارني يتجهون نحو فوز حاسم، لكن خلال الأسبوع الأخير تقريباً من الحملة، ضاقت الفجوة بين الحزبين مع تحول اهتمام الناخبين بعيداً عن تهديدات ترمب لكندا، وعودة المخاوف بشأن تكلفة المعيشة.
وفي الشق الاقتصادي، سيواجه الزعيم الجديد سلسلة من المطالبات بالدعم من الصناعات المحلية، مثل صناعة السيارات والألمنيوم والصلب، التي تُهددها الرسوم الجمركية الأميركية بفقدان وظائف على نطاق واسع أو إغلاق شركات.
ويسعى قطاع النفط الكندي أيضاً إلى الاستفادة القصوى من الأزمة، من خلال إيجاد مشترين جدد للصادرات.
في تصريح لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، قالت ليزا بايتون، الرئيسة التنفيذية للجمعية الكندية لمنتجي النفط: “إن تطوير مواردنا من النفط والغاز الطبيعي إلى أقصى إمكاناتها من خلال زيادة صادراتنا إلى الأسواق العالمية سيعزز أمننا الطاقي وسيادتنا الاقتصادية”.
وربما يمثل هذا التوجه تحدياً آخر لكارني، الذي كان من أبرز دعاة “التحول الأخضر”.
هل تملك كندا مقومات القيادة؟
خلال أول خطاب له بعد الفوز في الانتخابات العامة، الثلاثاء، استعرض كارني خطة لتعزيز العلاقات مع “شركاء موثوقين في أوروبي وآسياً وبقية العالم”.
وقال: “إذا لم تعد الولايات المتحدة ترغب في أن تكون في طليعة الاقتصاد العالمي، فستفعل كندا ذلك. نحن أسيادٌ في وطننا. سنبني ملايين الوحدات السكنية. سنصبح قوةً عظمى في مجال الطاقة”.
وأضاف: “انتهى نظام التجارة العالمي المفتوح الذي رسخته الولايات المتحدة، وهو نظام اعتمدت عليه كندا منذ الحرب العالمية الثانية، نظام، وإن لم يكن مثالياً، ساهم في تحقيق الرخاء لبلدنا على مدى عقود”.
وتابع كارني: “إنها مآسي، لكنها واقعنا الجديد أيضاً”.
ويقول خبراء إن كارني يتمتع بالخبرة اللازمة لكسب مصداقية دولية فورية. وحظيت كلماته القاسية لترمب خلال الحملة الانتخابية بمتابعة دقيقة في أنحاء أخرى من العالم.
وسيستضيف كارني قريباً قادة مجموعة الدول الصناعية السبع. ومن المتوقع أن يحضر ترمب وقادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، القمة المقررة في كاناناسكيس، وهو منتجع جبلي في ألبرتا، في منتصف يونيو.
وعلى الرغم من وصفه بأنه “سياسي مبتدئ”، ولم يصبح عضواً في البرلمان إلا يوم الاثنين، إلا أن من يعرفون كارني يقولون إنه لا ينبغي الاستهانة به.
وقال محافظ البنك المركزي الهندي السابق، راجورام راجان، الذي يعرف الزعيم الكندي الجديد منذ عقدين لصحيفة “فاينانشيال تايمز” إن رئيس الوزراء الكندي: “يتمتع بقدرات فائقة، وذكاء، ودائماً ما يكون على أهبة الاستعداد”.
وقال نائب مدير برنامج الأميركتين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، كريس هيرنانديز روي، لوكالة “رويترز”، إن “تراجع مكانة كندا في العالم يمنعه من أن يكون قائداً حقيقياً للعالم الغربي”، مشيراً إلى نقص التمويل العسكري للبلاد وركود اقتصادها.