أثار هجوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الاتحاد الأوروبي انقساماً داخل الذراع التنفيذية للتكتل ووضع قادة الدول الأعضاء في مواجهة بعضهم البعض، مهدداً بشل استجابة أوروبا في ظل مخاوف من أن يؤدي التصدي لواشنطن إلى الإضرار بأوكرانيا، وسط مفاوضات إنهاء الحرب، وفق “فاينانشيال تايمز”.

وهاجم ترمب قادة الاتحاد الأوروبي واصفاً إياهم بـ”الضعفاء”، وأصدر استراتيجية جديدة للأمن القومي دعت إلى “تعزيز المقاومة” داخل القارة، وهو ما اعتبرته الصحيفة البريطانية “تعبيراً عن ازدراء” للمؤسسات الأوروبية التي يرى مسؤولوه أنها “معاكسة” للمصالح الأميركية ومنخرطة في “انتحار حضاري”.

وأثار الهجوم الأميركي “المنسق” على الاتحاد الأوروبي هذا الشهر، والذي استند أيضاً إلى انتقادات قديمة للتشريعات الرقمية الأوروبية وقوانين الاستدامة والنهج المتبع تجاه الهجرة، صدمة واسعة داخل المفوضية الأوروبية وخلافاً بشأن كيفية الرد، بحسب مسؤولين.

وحض أشخاص مطلعون رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على عدم الرد دفاعاً عن أوروبا، في محاولة لاحتواء الخلاف والحفاظ على انخراط الولايات المتحدة في مسار السلام في أوكرانيا.

وأعرب مسؤولون أوروبيون كبار آخرون عن استيائهم من أن وابل انتقادات إدارة ترمب قوبل بالصمت، بحسب “فاينانشيال تايمز”.

“رد أوروبي ضعيف”

ودفع هذا الرد الضعيف بعض قادة الدول إلى اقتراح تجاوز بروكسل كـ”قناة للتواصل” مع ترمب، في تحد للنهج الموحد السابق الذي تفاوض فيه الاتحاد مع واشنطن بوصفه كتلة من 27 دولة.

وقال المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الخميس، إنه إذا كان ترمب “غير قادر على التعامل” مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، فإن “هناك على الأقل دولاً أعضاء منفردة، بينها ألمانيا في المقام الأول بطبيعة الحال، يمكن أن يستمر معها مثل هذا التعاون”.

وقال رئيس إحدى دول الاتحاد لـ”فاينانشيال تايمز” إن مسؤولي دول أخرى يناقشون أيضاً كيفية تجاوز المفوضية والتحدث مباشرة إلى الرئيس الأميركي بشأن القضايا الأوروبية.

وعقدت محادثات السلام الجارية في أوكرانيا الرد الأوروبي، على الرغم من حدة انتقادات ترمب، إذ يعتمد مصير كييف إلى حد كبير على الحفاظ على علاقة عمل مع الولايات المتحدة. وأجبر ذلك الاتحاد الأوروبي على الاعتقاد بضرورة امتصاص الانتقادات بدلاً من الرد، مراعاة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وقال أحد المطلعين: “لا يمكننا أن نقول لزيلينسكي: انظر، دعمناك طوال هذه الفترة، لكن لدينا الآن أموراً أكثر أهمية نركز عليها، مثل قواعد الاستدامة وغرامات وسائل التواصل الاجتماعي”.

عدم الرد على ترمب

وطلب زيلينسكي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الأسبوع الماضي، من فون دير لاين عدم انتقاد ترمب رداً على هجماته، وفق شخصين مطلعين على محادثاتهما. 

وقال رئيس الدولة الأوروبية: “قلنا لأنفسنا في الصيف إننا نتفاوض على ثلاث صفقات مختلفة مع الولايات المتحدة”، في إشارة إلى اتفاق تجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتعهد جديد بزيادة إنفاق “الناتو”، وخط إمداد عسكري لأوكرانيا.

وأضاف: “لكننا كنا نخدع أنفسنا. لقد كان هناك تفاوض واحد فقط دائماً: إبقاء الولايات المتحدة في أوروبا”. وتابع: “الآن بات ذلك واضحاً تماماً، وكذلك غياب رد واضح”.

وتعارض إدارة ترمب أيضاً مقترحاً لاستخدام الأصول السيادية الروسية المجمدة لتمويل قرض لأوكرانيا، ما عقد مساعي الاتحاد الأوروبي للتوافق على المقترح.

وأعلن قادة المجر وسلوفاكيا والتشيك المؤيدون لترمب معارضتهم للقرض، بينما انضمت إيطاليا وبلغاريا ومالطا إلى بلجيكا في الدعوة إلى أن تجد المفوضية “خيارات بديلة”.

وقالت ناتالي توتشي، مديرة “معهد الشؤون الدولية” في روما، إن التحفظات الإيطالية الظاهرة على استخدام الأصول المجمدة تعكس قلق رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني من استفزاز ترمب، الذي أوضح أن لديه أفكاراً أخرى لكيفية استخدام هذه الأموال.

وأضافت: “يريدون توجيه إشارة دعم لترمب وخطته، التي أشارت بوضوح شديد إلى استخدام بديل لتلك الأصول”. وتساءلت: “هل يجعل دعم إيطاليا لبلجيكا موقف بلجيكا أكثر تصلباً أم لا؟”. 

وشبه بعض المسؤولين نهج الاتحاد باستراتيجيته في مفاوضات التجارة مع إدارة ترمب هذا الصيف. فبعدما فُرض ترمب تعريفات جمركية كبيرة ولوح بالمزيد، اختار التكتل عدم الرد، ووافق بدلاً من ذلك على اتفاق فرض رسوماً بنسبة 15% على وارداته، واعتبره خبراء على نطاق واسع استرضاءً للولايات المتحدة.

وقال أنتوني جاردنر، السفير الأميركي السابق لدى الاتحاد الأوروبي إن “النص المتعلق بأوروبا في استراتيجية الأمن القومي فضيحة. إنه يقوض 80 عاماً من السياسة التي يتفق عليها الحزبين”.

وأضاف: “أعلنت إدارة ترمب الحرب على الاتحاد الأوروبي. كان ذلك واضحاً منذ فترة، لكنه أصبح الآن سياسة رسمية. أصدقاؤنا أصبحوا أعداءنا”.

شاركها.