اخر الاخبار

هل إسرائيل فعلاً على شفى حرب أهلية؟

24 مارس 2025Last Update :

صدى الإعلام – الكاتب: باسم برهوم – تشهد إسرائيل انقساما عضويا عميقا، هناك صراع بين اتجاهين في المجتمع الإسرائيلي اتجاه ليبرالي متمسك بصيغة ما يسمى اعلان الاستقلال، وهو الاعلان الذي صدر بالتزامن مع الاعلان عن انشاء دولة إسرائيل ليلة الخامس عشر من أيار/ مايو 1948، وتحدد هذه الإعلانات هوية الدولة “بانها دولة يهودية ديمقراطية”، واتجاه يميني يحصر هوية الدولة بانها “دولة يهودية” دون الاكتراث ان كانت ديمقراطية من عدمه، اتجاه من داخل هذا اليمين يريد أن يفرض الشريعة اليهودية على الدولة والمجتمع، بأن تكون إسرائيل دولة دينية غير علمانية وغير ديمقراطية.

الانقسام بلغ ذروته مع تولي الحكومة السابعة والثلاثين، حكومة نتنياهو نهاية العام 2022، وهي الحكومة الاكثر يمينية وتطرفا، وهي ائتلاف بين حزب الليكود اليميني واحزاب الصهيونية الدينية، والاحزاب الدينية. نتنياهو، الذي حسم الأمر وضمن اكثرية مريحة ومتماسكة نسبيا في الكنيست، شعر ان الفرصة التي كان يسعى اليها منذ عقود قد جاءت للقيام بالانقلاب على الجهاز القضائي، كسلطة قضائية مستقلة.

إضعاف السلطة القضائية، ومحاولة السيطرة عليها، هو عمليا تصفية للهوية الديمقراطية للدولة، وبالتالي حصر هويتها بالدين اليهودي، من هنا انتفض الاتجاه الديمقراطي الليبرالي على إجراءات وقرارات نتنياهو طوال العام 2023 حتى جاء هجوم السابع من أكتوبر ليجمد الصراع لمصلحة الحرب. واليوم بعد ان حققت إسرائيل جزءا كبيرا من اهداف الحرب، وباتت تشعر بأنها تسيطر على الأوضاع عاد الانقسام للظهور بشكل اعمق، والخلاف هذه المرة حول رفض نتنياهو تحمل مسؤولية الاخفاق الذي حصل في السابع من أكتوبر، وبدا سلسلة إقالات لقادة الجيش والاجهزة الأمنية، وآخرها اقالة مدير جهاز الامن الداخلي “الشاباك” روتين بار، والتهديد باقالة المستشارة القانونية للحكومة، وهي أمور جاءت مجتمعة، مما دفع عشرات الالاف من الإسرائيليين للخروج والتظاهر في شوارع تل أبيب والقدس ومدن أخرى.

وعاد نتنياهو ليستمد القوة لاستكمال انقلابه من عودة بن غافير وحزبه المتطرف للايتلاف الحكومي، ومع وجود الرئيس الاميركي ترامب في البيت الأبيض، الذي يعتبره نتنياهو الحليف والداعم الأقوى له، توحش رئيس الحكومة الإسرائيلية وأصر على استكمال خطوات الانقلاب على الديمقراطية وسيادة القانون، وعاد الحديث عن احتمال حدوث حرب أهلية في إسرائيل، بين اليمين الفاشي، والاتجاه الذي يؤكد ان الديمقراطية مكون رئيس لهوية الدولة.

وهناك من يقول ان الحرب الأهلية بدأت فعلا، أو جاءت الشرارة لهذه الحرب المؤجلة، عندما قام اليميني المتطرف يغئال عمير باغتيال إسحاق رابين في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر 1995، والبعض يذهب إلى أبعد من ذلك إلى الاشتباكات المسلحة التي جرت في إسرائيل بعيد ما يسمى اعلان الاستقلال على خلفية رفض الارغون (الايتسل) اليمينية المتطرفة الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي الذي أعلن بن غوريون تأسيسه، وهو الجيش الذي كان عصبه الرئيس يتكون من منظمة الهاغاناة العسكرية الصهيونية، والاشتباكات المشار إليها انتهت سريعا برضوخ الارغون وانضمامها للجيش الإسرائيلي.


اقرأ\ي أيضاً| إسرائيل تتابع بقلق التقارب بين سوريا وتركيا.. اجتماع أمني برئاسة نتنياهو لمناقشة التطورات


الانقسام الداخلي في إسرائيل انتقل اليها من الانقسام القديم العميق داخل المنظمة الصهيونية منذ تأسيسها نهاية القرن التاسع عشر، اي تلك التي سبقت الدولة بين التيار العمالي الاشتراكي بقيادة بن غوريون من جهة، والصهيونية التصحيحية (التنقيحية) اليمينية بقيادة جابوتنسكي من جهة ثانية، وكان يقف في الوسط التيار الليبرالي بقيادة وايزمان.

ومنذ العام 2019 لم تعد الانقسامات قابلة للجسر، خاصة بعد ان تعذر الحسم في جولات الانتخابات إلى أن حسم اليمين الأمر لصالحه في العام 2022 وتشكل اكثر ائتلاف حكومي تطرفا في تاريخ إسرائيل وحصوله على نسبة مريحة من المقاعد في الكنيست (64) مقعدا، واليوم يملك هذا اليمين الأغلبية (67) بعد انضمام ساعر وحزبه الصغير إلى الائتلاف. وللتدليل عن عمق الازمة العضوية في إسرائيل عام 2022 بث البرنامج السياسي الكوميدي الشعبي “أرض رائعة” هذا الحوار: كل من لديه ذرة عقل يرى ان الانتخابات المتكررة لا تساعد، ولن تساعد، اذن ما هو الحل؟ الجواب: فقط حرب أهلية.. هذا الشعب ليس هناك ما يجمعه، ولا يوجد كيمياء بين مكوناته. يوجد اصناف، يمنيون، بولنديون، روس، بلغاريون، سوريون.. لا يوجد ما يجمعهم.

الازمة الداخلية في إسرائيل اعمق من ذلك، فهناك صراع بين المستعمرين القدامى بين الجيل القديم المؤسس الاشكنازي والجيل الجديد الذي تمثله الصهيونية الدينية، مأزق إسرائيل في صهيونيتها، في الفكرة الصهيونية الاستعمارية العنصرية وتجلياته، الاحتلال والاستيطان. فهوية الدولة الديمقراطية لا يمكن ان تتعايش مع الاحتلال والاستيطان. الحرب الأهلية قد تكون الان، اليوم، لكن، وعلى ما يبدو أن لا مفر منها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *