أعلنت مصر اليوم الخميس، بدء الإنتاج من البئر التنموي “سيينا دي إي” بمنطقة غرب دلتا النيل البحرية العميقة (WDDM)، من تحقيق معدل إنتاج أولي بلغ 40 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا من البئر الجديد، الذي يُعد الأول ضمن المرحلة الحادية عشرة من تطوير الحقل. وجاءت نتائج الاختبارات متطابقة تمامًا مع التوقعات الفنية المسبقة.

وتستهدف خطة التطوير الجارية حفر بئرين إضافيين في إطار هذه المرحلة، من المتوقع أن تسهم مجتمعة في رفع إنتاج المنطقة بمقدار 130 مليون قدم مكعب يوميا، ويأتي هذا التوسع في وقت حرج يتزامن مع موسم الصيف وذروة الطلب على الغاز الطبيعي.

ويدعو هذا الإنتاج الضخم من الغاز إلى التساؤل حول استيراد مصر للغاز من إسرائيل هل سيتوقف أو سيتأثر أم أنه سيبقى كما هو.

جهود مصر للاستغناء عن الغاز الإسرائيلي: استراتيجيات متعددة المسارات

1. التنويع الجغرافي للموردين:  

    قطر: تتفاوض القاهرة على عقود طويلة الأجل لاستيراد الغاز القطري، مدعومةً بتحسن العلاقات السياسية واستثمارات “قطر للطاقة” في حقول الغاز المصرية .  

    قبرص: وُقِّعت اتفاقيات لضخ الغاز من حقلَي “كرونوس” و”أفروديت” عبر أنابيب مباشرة إلى مصر .  

    السوق الفورية: طلبت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) 14 شحنة غاز مسال من الجزائر وقطر، لتجنب الاعتماد الأحادي على إسرائيل .  

 

2. تعزيز البنية التحتية للغاز المسال:  

    استأجرت مصر 4 وحدات عائمة لإعادة تغويز الغاز (FSRU)، مثل “هوج جاليون” و”إنرجوس إسكيمو”، بقدرة إجمالية تصل إلى 2.25 مليار قدم مكعب يوميا بحلول يوليو 2025. ورغم تأخر تشغيل بعض الوحدات بسبب مشاكل فنية، فإنها تمثل ركيزةً للطوارئ .  

3. زيادة الإنتاج المحلي:  

    حسَّنت الحكومة شروط التعاقد مع الشركات الأجنبية (مثل “شيفرون” و”إيني”) لرفع إنتاج الغاز، حيث ارتفع سعر الشراء للغاز الجديد من 2.65 إلى 4.25 دولار للمليون وحدة حرارية، ما شجَّع الشركات على زيادة الاستثمار .  

    حقق حقل “أباتشي” في الصحراء الغربية نموًّا ملحوظًا، مع توقعات برفع الإنتاج المحلي إلى 500 مليون قدم مكعب إضافية يوميا .  

 

أزمة الاعتماد على الغاز الإسرائيلي: ضغوط سياسية واقتصادية 

1. الانقطاع المتكرر والابتزاز السعري:  

    أوقفت إسرائيل 60% من إمدادات الغاز لمصر مرات متعددة منذ حرب غزة، آخرها في 13 يونيو 2025، بحجة “الصيانة” أو “التهديدات الأمنية”، ما عطَّل مصانع الأسمدة بنسبة 1520% .  

    تطلب إسرائيل رفع سعر الغاز بنسبة 25% (من 6.7 إلى 9.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية)، مخالفةً للعقد الثابت الموقع عام 2018، بينما تشهد الأسعار العالمية تراجعًا متواصلًا .  

 

2. الضغوط السياسية:  

    تُستخدم أزمة الغاز كورقة ضغط لإجبار مصر على تغيير مواقفها بشأن غزة، خاصةً رفضها تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وتقليل الوجود العسكري المصري هناك .  

 

 

التحديات التي تعوق الاستقلال الفوري 

1. الفجوة بين العرض والطلب:  

    يستهلك السوق المحلي 6 مليارات قدم مكعب يوميًا، بينما لا يتجاوز الإنتاج المحلي 4.3 مليار، ما يفرض استيراد 900 مليون قدم مكعب يوميًا من إسرائيل لتجنب انقطاع الكهرباء .  

    خلال الصيف 2024، عانت مصر من انقطاعات كهربائية وصلت إلى 10 ساعات يوميًا في بعض المناطق بسبب نقص الغاز .  

 

2. تكلفة البدائل:  

    استخدام المازوت أو السولار كبديل للغاز يرفع تكلفة إنتاج الكهرباء بنسبة 30% ويُنتج طاقة أقل كفاءة. كما أن مصر تنتج فقط 17 ألف طن من المازوت يوميًا، بينما تحتاج إلى 35 ألف طن لسد العجز .  

 

3. تعقيدات فنية:  

    تأخر تشغيل وحدات التغويز العائمة بسبب عدم جاهزية الأرصفة والمشاكل الفنية، مثل الحاجة إلى “تظبيط المواسير” التي ذكرها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي .  

 

المستقبل: هل تكفي الاكتشافات الجديدة لقطع العلاقة مع إسرائيل؟ 

الاكتشافات المحلية: رغم الإعلان عن كميات كبيرة من الغاز، فإن تنميتها يتطلب سنوات. فمشروعات مثل “شمال مراقيا” و”شمال الضبعة” (باستثمارات قطرية وأمريكية) ستُنتج غازًا بعد 2026 .  

الطاقة المتجددة: تهدف مصر إلى رفع مساهمة الطاقة المتجددة إلى 42% بحلول 2030، لكنها لا تمثل حلًّا فوريًا لأزمة الغاز الحالية .  

السيناريو المرجح: في المدى القصير، ستظل مصر تعتمد جزئيًا على الغاز الإسرائيلي، خاصة مع عودة ضخ “ليفياثان” في يونيو 2025 بعد توقف مؤقت. لكن العقود الطويلة الأجل مع قطر وزيادة الإنتاج المحلي قد تقلل هذه النسبة إلى 30% بحلول 2027 .  

 

 معادلة الطاقة بين السيادة والضرورة

 

تسير مصر على مسار طموح لتحقيق أمن طاقي مستقل، لكن الاكتشافات الجديدة للغاز لن تُغني عن الإمدادات الإسرائيلية قبل نهاية العقد الحالي. نجاح هذا المسار مرهون بـ:  

1. تسريع وتيرة إنتاج الحقول المحلية وتشغيل وحدات التغويز.  

2. تحويل المفاوضات مع قطر إلى عقود ملموسة.  

3. معالجة الثغرات الفنية في البنية التحتية.  

رغم ذلك، تُعد الأزمة الحالية فرصة تاريخية لمصر لمراجعة سياسات الطاقة، حيث يقول الخبير محمد عوض: “المشكلة ليست في الورقة الإسرائيلية فقط، بل في إدارة الموارد”.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.