تمكنت قوات الدعم السريع في السودان من فرض سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، إلا أن ذلك جاء بعد اتهامات من الجيش السوداني بتدخل فصائل مسلحة ليبية بالمنطقة، رغم رفض الاتهامات من الجيش الليبي والحديث عن محاولة السلطات السودانية تصدير أزمتهم للخارج، فما الذي جرى في هذه المنطقة الحسّاسة؟
الجيش الليبي يرد
رفض الجيش الليبي، اتهاماتِ القواتِ المسلحة السودانية له بالتدخّل في مناطقَ حدوديةٍ داخل الأراضي السودانية، واعتبر الجيش الوطني أن ما تروج له السلطة في السودان بشأن الاستيلاء على أراضٍ سودانية، أو الانحياز لأحِد أطراف النزاع، يهدف إلى تصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي.
من جهتها، أكدت وزارة الخارجية الليبية عدمَ انخراطِها بأي شكلٍ من الأشكال في الصراع الدائر في السودان.
وتقع المنطقة قرب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي إحدى جبهات القتال الرئيسية في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
من هاجم المنطقة الحدودية؟
وفي حديث مع وكالة ستيب نيوز، يشير الباحث السوداني، الدكتور محمد تورشين، إلى أن هذه المنطقة شديدة الحساسية، ويوضح أن هناك فصائل مسلحة ليبية دخلت عمق الأراضي السودانية.
ويقول: ” رغم نفي الحكومة الليبية في الشرق، بقيادة المشير خليفة حفتر، أي صلة لها بالحادث، إلا أن كل المؤشرات تُظهر عكس ذلك، فالفصائل المسلحة خرجت من مناطق شرق ليبيا”.
وبذات الوقت يرى “تورشين” أن هناك فصائل مسلحة ليبية لها مصالح مشتركة مع جهات سودانية، وربما عملت على نقل إمدادات وسلاح لها.
موقع جغرافي مهم
يعد الموقع الجغرافي الذي شهد هذه العملية ذو بعد جيواستراتيجي، حيث يشرف على المثلث الحدودي مع مصر وليبيا، إضافة لقربه من مدينة الفاشر التي تشهد معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
ويقول “تورشين”: ” الهجوم، في رأيي، يستهدف السيطرة على موقع جغرافي مهم، لأن منطقة المثلث الحدودي في “جبل العوينات” تُعد ذات أهمية استراتيجية. وإذا تم تأمينها بالطائرات المسيرة والتشويش الإلكتروني، فإن ذلك قد يقطع خطوط الإمداد ويشلّ حركة الجيش السوداني والقوات المشتركة”.
ويشدد على أن ليبيا لم تنفِ ولم تؤكد مسؤوليتها، لكنها ترفض اتهامها بدعم أي طرف، وتزعم أنها لا تسيطر على تلك المناطق عسكريًا، ولا توجد قوات تتبع لها هناك.
وهذا السيناريو يفتح الباب أمام وجود فصائل ربما خارج سيطرة السلطات الليبية عملت على تقديم دعم عسكري إلى جهة سودانية.
ويؤكد أن ما جرى في منطقة “البدو” على الحدود الثلاثية (السودان، مصر، ليبيا) يعكس تعقيدات إقليمية خطيرة.
ويقع جبل عوينات الذي شهد الحادثة في المنطقة الحدودية التي تربط السودان ومصر وليبيا، ويبلغ ارتفاع أعلى قممه 1900 متر، ويقع الجزء الأكبر منه داخل الحدود الليبية.
وإلى جانب أهميته الجغرافية، فهو يحتوي جداريات أثرية ترجع لعصور ما قبل التاريخ، وفي الآونة الأخيرة شهد عمليات تجارة بينية، ولتجارة الذهب المنتج في الصحاري المشتركة، إلى جانب كونه منطقة تهريب للمهاجرين غير الشرعيين.
وقبل اندلاع الحرب كانت قوات الدعم السريع تقوم بتأمين المنطقة ضد الهجرة غير الشرعية بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، ضمن ما عرفت بـ”عملية الخرطوم”، لكنه انسحب من المنطقة بعد اندلاع الحرب، وسيطرت عليه القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلح، (حليفة للقوات المسلحة السودانية) مع وحدة صغيرة تابعة للجيش.
تراجع الجيش السوداني
بعد هذه الحادثة تراجع الجيش السوداني وتقدمت قوات الدعم السريع وسيطرت على المنطقة، ولم تبدي مصر أي رد فعل على الأمر بالوقت الذي تؤكد ليبيا عدم تدخلها.
ويقول تورشين: “انسحاب الجيش السوداني يأتي في إطار “حرب الاستنزاف” التي بدأتها قوات الدعم السريع ضد الجيش السوداني منذ بداية الصراع” لكنه يشير إلى احتمال آخر وهو محاولة لتوريط الدعم السريع وتحميله مسؤولية الحادثة أمام المجتمع الدولي.
وكانت تقارير أشارت إلى أن هناك علاقة بين الجيش السوداني مع الجماعة الإسلامية الليبية، وتساءل محللون “كيف يدعم الجيش الليبي، قوات الدعم السريع بالسلاح، بينما تسيطر الفصائل المسلحة الموالية للجيش السوداني على المنطقة الحدودية؟”، وهي فرضية تدعم السيناريو الثاني الذي قدمه “تورشين”.
الحرب طويلة ومستمرة
ومع استعار القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لا يبدو أن هناك حلول تلوح بالأفق مع استمرار الجمود السياسي وتعنّت الطرفين بشروطهم، وهو ما قد يفتح الباب مستقبلاً لتدخل جهات إقليمية أو دولية لوضع حد لهذه الكارثة.
ويقول محمد تورشين: ” من المتوقع أن تستمر هذه الحرب لفترة طويلة، وستتخذ شكل حرب استنزاف قاسية. ولا أعتقد أن الأطراف الخارجية ستنخرط مباشرة في القتال، بل سيكون تدخلها في شكل دعم عسكري محدود، وهو ما يُبقي هذا النزاع مستمرًا، دون حل قريب في الأفق”.
يذكر أن الحرب في السودان اندلعت في 15 أبريل 2023 بين طرفين رئيسيين في السلطة، هما الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع.
وتبقى الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع ليست مجرد صراع عسكري، بل تعبير عن أزمة أعمق تتعلق بهوية الدولة السودانية، وتوزيع السلطة، ومستقبل الحكم المدني، وبينما لا يُظهر أي من الطرفين استعدادًا حقيقيًا لتقديم تنازلات، يبقى المدنيون هم الضحايا الرئيسيون لهذا الصراع الدموي.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية