اخر الاخبار

هل ستصالحون إسرائيل بجد؟ –

خطيب بدلة

لا بد أنكم تتذكرون الحملة التي تعرضتُ لها، في آب 2024، إثر نشر زاويتي “لماذا لا نصالح إسرائيل؟” في صحيفة. لم يبقَ شبيح (نصير أو عضو عامل)، ولا ممانع، ولا مقاوم، ولا ضراب حَنَك خطابي، إلا وهاجمني، واتهمني بالتخاذل والانبطاح والتصهين.

لم أدعُ في تلك الزاوية، ولا في غيرها، إلى التنازل عن حقوق الشعب السوري، ولا بالخضوع لإسرائيل. ما أقوله، لأهلي السوريين، دائمًا، إن إسرائيل متفوقة علينا عسكريًا، فلماذا لا نفاوضها، ونوقع معها صلحًا، أو هدنة، أو تسوية؟ هل من اللائق أن نعيد التجربة ذاتها، ونتكبد الخسائر ذاتها، ثم نكررها وكأن شيئًا لم يكن؟

بعد فترة قصيرة من تلك الحملة (المباركة) علي، قتلت إسرائيل أكبر أعداء الشعب السوري، حسن نصر الله، فذهب الشباب الذين كانوا يهاجمونني، أنفسهم، إلى دكاكين الشعيبيات والهريسة والنمورة، اشتروا منها كميات كبيرة، ووزعوها، احتفالًا بهذا النصر العظيم.. واليوم، ولأن (قائدهم) أحمد الشرع مهادن لإسرائيل، ساكت عنها، ساعٍ لإرضائها، صارت مشاعرهم تجاهها حيادية، وصاروا يستخدمون العبارات التي هاجموني لأجلها، نفسها!

المشكلة التي تعاني منها الشعوب التي تحمل صفة “العربية” كلها، ومنها الشعب السوري، أنها لا تقرأ التاريخ، ولا تعرف السياسة، وتعالج قضاياها الكبرى بالخطابات، وبالمبدأ الشهير “سيروا على ما يسر الله”. فمثلًا، عندما صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في 29 من تشرين الثاني 1947، الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين، لم يفكروا بشيء غير الصياح والخطابات: لا نقبل، لا نقسم، سنحارب، سنحرر تراب فلسطين الغالي من شذاذ الآفاق، فلسطين عربية وستبقى عربية.. واليوم، مطلبهم الأساسي، أن تقبل إسرائيل بحل الدولتين! والمضحك المبكي في هذه القضية، أن إسرائيل لا توافق.

خذ مثالًا آخر. في 26 من تموز 1956، أعلن الرئيس جمال عبد الناصر، من ميدان المنشية بالإسكندرية، قرار تأميم شركة قناة السويس، فانطلقت الجماهير الطيبة، التي لا تعرف شيئًا عن تعقيدات السياسة العالمية، ولا عن خطورة هذا العمل، تصيح، وتهتف، وتعيّش ذلك القائد العربي الشجاع، وبعد ثلاثة أشهر، في 31 من تشرين الأول 1956، بدأ العدوان الثلاثي على مصر، إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، وكان هدف إسرائيل، يومئذ، ضم صحراء سيناء لأراضيها، وهدف بريطانيا إسقاط نظام عبد الناصر، واستعادة دورها الذي بدأت أمريكا تنافسها عليه، وهدف فرنسا تخفيف الضغط عن قواتها في الجزائر، ولم تكن أمريكا موافقة على الحرب، هدفها الحيلولة دون أن تستعيد بريطانيا دورها. وتدخل الاتحاد السوفييتي، وأبرق الرئيس الأمريكي أيزنهاور لرئيس وزراء إسرائيل بضرورة الامتثال لقرار الجمعية العامة. وبالنتيجة، كانت إسرائيل هي الرابحة، إذ صار بإمكانها العبور من خليج العقبة، بعدما كان عبورها منه ممنوعًا.

الأمثلة على خيباتنا، وهزائمنا، و”تخبيصنا” في اتخاذ القرارات المصيرية لا تحصى. ولعله من المفيد أن نتذكر حرب حزيران 1967، التي أشعلها عبد الناصر، بهدف تحرير فلسطين، وكانت النتيجة مطالبتنا بإعادة إسرائيل إلى حدود 4 من حزيران 1967… وهدف الفلسطينيين، اليوم، إعادة إسرائيل إلى حدود 6 أكتوبر/تشرين الأول 2023!

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *