حذّر المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الجمعة، من أن أوروبا يجب أن تصبح أقوى لمواجهة ما وصفه بـ”محور دول ذات أنظمة استبدادية”، يستهدف “الديمقراطية الليبرالية”، “بشكل أكثر عدائية من أي وقت مضى” منذ الحرب الباردة، حسبما أوردت مجلة “بوليتيكو”.

وفي حديثه خلال فعالية أقيمت بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لإعادة توحيد ألمانيا إلى جانب نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حذر الزعيمان من أن أوروبا يجب أن تجهز نفسها لـ”تحمل تحولات سياسية واقتصادية هائلة” في جميع أنحاء العالم، داعين إلى تعزيز الاقتصاد الأوروبي في مواجهة هيمنة الولايات المتحدة والصين التجارية.

وأضاف ميرتس، أن “مراكز القوى في العالم تتغير إلى حد لم نشهده منذ نهاية الحرب الباردة”، لافتاً إلى أن “محوراً من الدول الاستبدادية التي تتحدى النظام الليبرالي في جميع أنحاء العالم تتحدى الديمقراطيات الغربية بشكل مباشر. ولهذا السبب يجب أن نستعيد القدرة على الدفاع عن حريتنا”.

وتابع: “بريق ما نسميه في الغرب بالديمقراطية الليبرالية يتضاءل بشكل ملحوظ”، مضيفاً: أنه “لم يعد من المسلّم به أن العالم سيتجه نحونا، وأنه سيتبع قيمنا للديمقراطية الليبرالية”.

وأردف: “تحالفات جديدة من الأنظمة الاستبدادية تتشكل ضدنا، وتهاجم الديمقراطية الليبرالية كأسلوب حياة”.

أزمات عالمية

وذكرت “بوليتيكو”، أن الاضطرابات العالمية في الآونة الأخيرة، أثرت على ألمانيا بشكل أقوى، حيث أجبر الغزو الروسي لأوكرانيا، وتآكل التحالف عبر الأطلسي (أوروبا والولايات المتحدة)، قادة البلاد على الاستثمار بشكل كبير في إعادة بناء الجيش الألماني الضعيف نسبياً. 

وأشارت إلى أن أزمة الطاقة التي اقترنت بالغزو الروسي، وحروب التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أثرت بشدة على الصناعة الألمانية.

لكن ماكرون أيضاً، الذي تحدث بعد ميرتس، كرر أجزاء من رسالة المستشارة الألماني، حيث قال إن أوروبا تشهد “تدهوراً للديمقراطية” بسبب هجمات على جبهات مختلفة، بما في ذلك من الداخل.

وأضاف الرئيس الفرنسي: “نحن مهددون أيضاً من الخارج. ولكن لا ينبغي أن نكون ساذجين. فنحن في الداخل ننقلب على أنفسنا، ونشك في ديمقراطيتنا. نرى في كل مكان أن شيئاً ما يحدث لنسيجنا الديمقراطي. النقاش الديمقراطي يتحول إلى نقاش كراهية”.

وأشار ماكرون إلى أن جزءاً كبيراً من هذا التدهور يُعزى إلى “الخطاب المتداول على الإنترنت على منصات تسيطر عليها شركات أميركية وصينية”.

وتابع: “لقد كنا مخطئين… بتسليم فضائنا الديمقراطي العام إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي يملكها رجال أعمال أميركيون كبار، وشركات صينية لا تهمها على الإطلاق بقاء ديمقراطيتنا وحسن سيرها”.

تعزيز القدرة الاقتصادية لأوروبا

كما شدد الزعيمان على ضرورة، أن تبني أوروبا قدرتها التنافسية الاقتصادية، لتكون لديها القوة لمواجهة تحديات عالم سريع التغير.

وقال ميرتس، إن “النظام الاقتصادي العالمي يُعاد صياغته من جديد، ويجري إعادة بنائه”، مضيفاً: “الأنانية أصبحت أكثر وضوحاً مرة أخرى. وربما هذا هو السبب في أننا أصبحنا أضعف اقتصادياً والسبب في أن الوعود الاجتماعية التي قطعناها لبعضنا أصبحت اليوم أصعب بكثير مما كانت عليه سابقاً”.

ودعا ميرتس أوروبا إلى “معارضة الموجة الجديدة من الحمائية في العالم”، من خلال المضي قدماً في وضع قواعد تجارية جديدة، والبحث عن أسواق جديدة، قائلاً: “يجب على أوروبا إعادة التركيز على قدرتها التنافسية الاقتصادية”.

وفي أغسطس الماضي، أظهرت استطلاعات رأي تصدر أحزاب اليمين المتطرف في أكبر ثلاث دول أوروبية، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، في مؤشر على تزايد استياء الناخبين في معظم أنحاء القارة العجوز، بعد سنوات من ارتفاع معدلات الهجرة والتضخم.

ودخلت أحزاب اليمين المتطرف والمناهضة للهجرة بالفعل، إلى الحكم في دول مثل إيطاليا وفنلندا وهولندا. لكن هذا العام يُمثل المرة الأولى التي تتقدم فيها هذه الأحزاب في أكبر اقتصادات أوروبا في الوقت نفسه، ما أثار مخاوف من فترة اضطرابات سياسية في الدول الثلاث.

ومثل الولايات المتحدة، شهدت أجزاء كبيرة من أوروبا ظاهرتين في نفس الوقت منذ جائحة فيروس كورونا، تتمثلان في مستويات قياسية من الهجرة تسببت في رد فعل عنيف من الناخبين، وارتفاع في التضخم الذي تراجع الآن ولكنه ترك أسعار العديد من السلع أعلى بكثير من ذي قبل، ما دفع العديد من الناخبين إلى الشعور بتراجع أوضاعهم. كما لعبت منصات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في استقطاب الآراء.

وبخلاف الولايات المتحدة، فإن معظم أوروبا لا تشهد أي نمو اقتصادي تقريباً، ما يغذي شعوراً واسع النطاق بأن القارة تواجه سنوات من التراجع، بالإضافة إلى الجمود السياسي.

شاركها.