انسحبت الولايات المتحدة، الثلاثاء، من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة (اليونسكو)، قائلة إن الانخراط في المنظمة “لم يعد يخدم المصلحة الوطنية الأميركية”، فيما أعربت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، عن أسفها لقرار الرئيس دونالد ترمب.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، في بيان: “تسعى اليونسكو إلى الترويج لقضايا اجتماعية وثقافية مثيرة للانقسام، كما تواصل تركيزها المبالغ فيه على أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وهي أجندة عالمية وأيديولوجية للتنمية الدولية تتعارض مع سياسة (أميركا أولاً) في السياسة الخارجية”.
وكان البيت الأبيض، قال الثلاثاء، إن الولايات المتحدة ستنسحب من (اليونسكو)، وذلك في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس دونالد ترمب سحب بلاده من مؤسسات دولية ينتقدها منذ فترة طويلة.
وذكرت نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض، آنا كيلي: “الرئيس ترمب قرر سحب الولايات المتحدة من اليونسكو، وهي منظمة تدعم قضايا ثقافية واجتماعية منقسمة، لا تتماشى إطلاقاً مع السياسات الواقعية التي صوّت لها الأميركيون في نوفمبر الماضي”، حسبما نقلت صحيفة “نيويورك بوست”.
في المقابل، أعربت المديرة العامة لليونسيكو أودري أزولاي، في بيان عن أسف المنظمة العميق لقرار ترمب بانسحاب الولايات المتحدة مجدداً من اليونسكو، وهو قرار سيدخل حيز التنفيذ في نهاية ديسمبر 2026 .
سلسلة انسحابات
وهذه ليست المرة الأولى التي ينسحب فيها ترمب من اليونسكو، إذ سبق أن سحب الولايات المتحدة منها خلال ولايته الأولى، قبل أن يعيدها خلفه، الرئيس السابق جو بايدن، في إطار جهد لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي داخل المنظمة.
وسيكون لهذه الخطوة تأثير على المنظمة التي مقرها باريس، والتي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية لتعزيز السلام من خلال التعاون الدولي في مجالات التعليم والعلوم والثقافة.
ونقلت “نيويورك بوست” عن مصدر مطلع أن ترمب قرر الانسحاب من (اليونسكو)، مشيراً إلى ما اعتبره ميولاً “معادية لأميركا وإسرائيل”، فضلاً عن تبنّي المنظمة لأجندة “مستيقظة” (woke)، “الأجندة المستيقظة” هي مصطلح يُستخدم لوصف حركة اجتماعية وسياسية تركز على الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية، خاصة تلك المتعلقة بالظلم والتمييز.
واتخذ ترمب خطوات مماثلة خلال فترة رئاسته الأولى، إذ انسحب من منظمة الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واتفاق باريس المناخي والاتفاق النووي الإيراني.
لكن الرئيس الأميريكي السابق جو بايدن ألغى هذه القرارات بعد تولّيه المنصب في 2021 لتعود الولايات المتحدة إلى اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية واتفاقية المناخ.
وبدأت الولايات المتحدة مرة أخرى الانسحاب من هذه الهيئات العالمية بعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض. وقرر بالفعل سحب واشنطن من منظمة الصحة العالمية ووقف التمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ضمن مراجعة لانضمام الولايات المتحدة إلى منظمات تابعة للأمم المتحدة، والتي من المقرر أن تنتهي في أغسطس.
واشتهرت اليونسكو بتصنيف مواقع التراث العالمي مثل جراند كانيون في الولايات المتحدة، ومدينة تدمر الأثرية في سوريا.
وانضمت الولايات المتحدة إلى المنظمة عند تأسيسها في 1945، لكنها انسحبت للمرة الأولى في 1984 احتجاجاً على ما قالت إنه سوء إدارة مالية وانحياز ضدها ثم عادت للانضمام إليها بعد ما يقرب من 20 عاماً في 2003 في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذي قال آنذاك إن المنظمة أجرت الإصلاحات اللازمة.
وتساهم الولايات المتحدة حالياً بنحو 8% من إجمالي ميزانية اليونسكو، انخفاضاً من 20% تقريباً عندما أعلن ترمب انسحاب واشنطن خلال فترة رئاسته الأولى.
مراجعات
كان ترمب أمر في فبراير الماضي بإجراء مراجعة لمدة 90 يوماً لوجود الولايات المتحدة في اليونسكو، مع تركيز خاص على فحص أي “معاداة للسامية أو تحيّز ضد إسرائيل داخل المنظمة”.
وبعد الانتهاء من المراجعة، أبدى مسؤولون في الإدارة اعتراضهم على سياسات اليونسكو المتعلقة بالتنوّع والمساواة والشمول (DEI)، إلى جانب ما وصفوه بـ”انحياز لصالح الفلسطينيين والصين”، وفق مسؤول في البيت الأبيض تحدَّث للصحيفة.
ومن بين الأسباب التي استند إليها القرار، إصدار اليونسكو لما يُعرف بـ”عدة مكافحة العنصرية” في عام 2023، والتي دعت الدول الأعضاء إلى اعتماد سياسات مناهضة للعنصرية والمنافسة في “سباق نحو القمة” لتصبح الدول الأكثر التزاماً بالعدالة الاجتماعية، من خلال تقييم تاريخها العنصري والعمل على تحقيق الإنصاف.
كما انتقدت الإدارة الأميركية مبادرة “تغيير العقليات الذكورية” (Transforming MEN’talities) التي أطلقتها اليونسكو في عام 2024، والتي تضمنت تقريراً يبرز أنشطة المنظمة في الهند لإعادة تشكيل نظرة الرجال إلى قضايا النوع الاجتماعي، وخاصة “الأنماط الذكورية الضارة”.
وأضاف المسؤول أن “الحزب الشيوعي الصيني استغل نفوذه في اليونسكو لدفع معايير عالمية تخدم مصالح بكين”، لافتاً إلى الانتقادات الموجهة للصين بسبب استخدامها هذا النفوذ لتقليل أهمية دور الأقليات، مثل المسلمين الإيجور، في التاريخ الصيني.