– أمير حقوق
في ظل حراك سياسي حول ملف الاتفاق السوري- الإسرائيلي، وسط مساعٍ معلنة، عادت التصريحات الإسرائيلية لتفتح باب التساؤلات بشأن طبيعة التفاهمات الأمنية المطروحة بين دمشق وتل أبيب، وحدود الدور الأمريكي في هذا المسار.
فبين تأكيدات إسرائيلية بعدم وجود “أطماع إقليمية” في سوريا، وإشارات سابقة تتحدث عن تعثر المفاوضات واتساع فجوة الخلافات، تتقاطع المواقف مع زيارة لافتة إلى إسرائيل قام بها المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، والتقى خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤشر على إعادة ترتيب الأولويات والرسائل الإقليمية المرتبطة بالساحة السورية.
الطرفان بحاجة الاتفاق
في خطاب يقدمه على أنه محاولة لطمأنة دمشق والمجتمع الدولي، بحسب ما يرى محللون سياسيون، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، سعي حكومته للتوصل إلى اتفاق أمني مع سوريا، مؤكدًا عدم وجود أي نيات توسعية داخل الأراضي السورية، في موقف يعيد طرح الرواية الإسرائيلية التقليدية بشأن حدود تدخلها في الشأن السوري.
يرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أن إسرائيل، تمامًا كما سوريا، باتت بحاجة إلى اتفاق أمني، مشيرًا إلى أن التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي تتحدث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق، لا يمكن فصلها عن الضغوط التي تمارسها واشنطن على تل أبيب، ما يدفع إسرائيل إلى إظهار قدر من الانفتاح السياسي على مسار تفاوضي محتمل.
غير أن علوش لفت إلى وجود فجوة واضحة بين الخطاب السياسي الإسرائيلي والممارسات الفعلية على الأرض، إذ لا تظهر إسرائيل حتى الآن أي استعداد حقيقي للدخول في اتفاق، بل تواصل اعتماد سياسة الضغط على الرئيس الشرع في محاولة لفرض اتفاق يتماشى مع شروطها الخاصة.
خطوة تهدئة
يأتي التأكيد الإسرائيلي على عدم وجود مطامع كخطوة تهدئة مدروسة، عقب تصاعد التوتر السياسي الناتج عن تصريحات ساعر نفسها قبل أيام، حين تحدث عن “اتساع فجوة غير مسبوقة” مع دمشق، بسبب ما وصفه بـ”مطالب سورية جديدة”، وفق ما قاله الباحث في الشؤون العربية علي فوزي.
ويرى فوزي، في حديث إلى، أن هذا التباين في الخطاب لا يشير إلى تحول جوهري في السياسة الإسرائيلية، بقدر ما يعكس إعادة صياغة سياسية تهدف إلى تخفيف الضغوط الأمريكية، وتهيئة المناخ لاستئناف المسار التفاوضي الأمني.
فالولايات المتحدة، التي تضطلع بدور الوسيط، تسعى إلى منع أي تصعيد قد يقوض فرص الاستقرار في سوريا ما بعد سقوط نظام الأسد، وهو ما يفسر الضغوط التي مورست على تل أبيب لتليين خطابها دون التخلي عن ثوابتها الأمنية، بحسب فوزي.
أما الكاتب السياسي درويش خليفة، فيعتقد أن تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، تندرج في إطار مقاربة نفعية لإدارة التهديدات المحتملة، ولا تعكس، سواء صدرت عن المؤسسة الدبلوماسية أو المنظومة الأمنية، أي تحول جوهري في طبيعة الأولويات الإسرائيلية.
فهذه الأولويات، بحسب خليفة، لا تزال تتمحور حول إنشاء حزام أمني في محيطها “الشامي”، يمتد عبر جنوبي سوريا ولبنان وغزة.
تناقض التصريحات
تتناقض التصريحات الإسرائيلية من وقت لآخر، بين تصعيد وتهدئة، ويرى الباحث علي فوزي، أن التناقض بين تصريحات ساعر الأخيرة وتصريحاته السابقة لا يعكس ازدواجية بقدر ما يكشف عن مناورة سياسية، فإسرائيل في الجوهر، لا تزال متمسكة بهدفها الأساسي، وهو منع أي تهديد أمني قادم من الأراضي السورية.
أما “المطالب السورية الجديدة” التي تقول إسرائيل إنها عاقت المحادثات، فتتمثل في رفض دمشق فتح ممر إنساني تشرف عليه إسرائيل باتجاه السويداء، والمطالبة بانسحاب إسرائيلي كامل من المنطقة العازلة جنوبي سوريا، وهي مطالب ترى تل أبيب أنها تمس جوهر ترتيباتها الأمنية، وفق ما ذكره فوزي.
الباحث محمود علوش، يفسر التناقضات التي برزت في تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، بوجود الحراك الأمريكي الجديد.
وقبيل اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب، تحاول إسرائيل إرسال إشارات إلى البيت الأبيض تفيد باستعدادها المبدئي للعودة إلى مسار تفاوضي قد يفضي إلى اتفاق بين الجانبين، بحسب علوش.
وأكد أن إسرائيل، رغم محاولتها فرض شروطها في أي اتفاق أمني، تدرك في نهاية المطاف أنه لا مفر من هذا الاتفاق، لما ينطوي عليه من مخاطر كبيرة، أبرزها احتمال توتر العلاقة مع إدارة ترامب، لا سيما في ظل توجهه نحو احتضان “سوريا الجديدة”.
حراك أمريكي يرسم هيكلية الاتفاق
يأتي تحول التصريحات الإسرائيلية حيال الاتفاق الأمني مع سوريا، بعد أيام قليلة من لقاء جمع المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في زيارة حملت دلالات سياسية لافتة.
وبحسب ما نقلته وسائل إعلام إسرائيلية، فإن اللقاء لم يكن “بروتوكوليًا” فحسب، بل أسفر عن تفاهمات واضحة بين واشنطن وتل أبيب، تتعلق باستمرار النشاط الإسرائيلي داخل سوريا تحت عنوان “مواجهة التهديدات”، بالتوازي مع إبقاء باب المفاوضات مفتوحًا أمام اتفاق أمني محتمل مع دمشق.
وفي سياق هذه التفاهمات، برز الحديث عن تحديد “الخطوط الحمراء” للنشاط الإسرائيلي في الساحة السورية، وهي نقاط محورية حملها المبعوث الأمريكي في رسائل مباشرة من الرئيس ترامب إلى نتنياهو.
الباحث في الشؤون العربية علي فوزي، يرجح أن اللقاء بين الطرفين جاء لوضع خطوط حمراء واضحة تتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية داخل سوريا، ومنع أي خطوات قد تعرقل المسار السياسي الذي تعمل واشنطن على بلورته.
التفاهمات بين واشنطن وتل أبيب تشكل عامل ضغط ودفع في آن واحد على مسار المفاوضات مع دمشق، بحسب ما قاله فوزي، موضحًا أن الإدارة الأمريكية شددت على ضرورة استثمار “الفرصة التاريخية” لفتح حوار جاد مع القيادة السورية الجديدة، مع التحذير من أن أي تصعيد إسرائيلي مفرط قد يقوض جهود رفع العقوبات ودعم إعادة الإعمار.
الكاتب السياسي درويش خليفة، قال إن الرؤية الأمريكية لإدارة المشهد الإقليمي لا تحظى بقدر كافٍ من القناعة لدى الائتلاف الحاكم في تل أبيب، إذ يجري التماهي مع مطالب واشنطن مرحليًا، قبل أن تعود إسرائيل إلى استراتيجيتها الأمنية التقليدية، متجاهلة في أحيان كثيرة مطالب المبعوث براك.
خشية نتائج عكسية
بالمقابل، يعتبر الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أن لقاء المبعوث براك مع نتنياهو يحمل أهمية خاصة، إذ جاء أساسًا لإبلاغ نتنياهو برغبة إدارة ترامب في التوصل إلى اتفاق، وكذلك لوضع خطوط حمراء أمام التحركات الإسرائيلية داخل سوريا. ويعود ذلك إلى خشية الولايات المتحدة من أن تؤدي النزعة العدوانية الإسرائيلية إلى نتائج عكسية، خصوصًا على مستوى استقرار الوضع السوري.
كما يشدد على أن التفاهمات الأمريكية- الإسرائيلية تظل عاملًا حاسمًا في تحديد مصير أي اتفاق محتمل بين سوريا وإسرائيل، باعتبار أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على ممارسة ضغط فعلي على نتنياهو للدفع باتجاه اتفاق، وهو ما يراهن عليه الرئيس أحمد الشرع في هذا المسار.
ضمانات لنجاح الاتفاق
الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل، لا يمكن فصله عن جملة من المتطلبات الإلزامية التي تفرضها طبيعة الصراع، وتعقيدات الواقع الإقليمي، والتحولات السياسية في كلا البلدين.
الباحث محمود علوش يرى أن أي اتفاق أمني حقيقي يتطلب، قبل كل شيء، توافقًا يحظى بقبول الطرفين، مؤكدًا أن الاتفاق لن يرى النور إذا سعى أي طرف إلى فرض شروطه بشكل كامل على الطرف الآخر، ومن هنا، فإن جوهر العملية التفاوضية بين سوريا وإسرائيل يكمن في تحقيق هذا التوافق، وهو ما يفتح، برأيه، الباب أمام فرص حقيقية لإحداث اختراق في هذا الملف خلال الفترة المقبلة.
من زاوية سورية، بحسب الباحث في الشؤون العربية علي فوزي، تبدو سوريا في مرحلة شديدة الخطورة، فالوصول إلى اتفاق أمني يتطلب خطوات متبادلة، و”التزامًا إسرائيليًا بانسحاب تدريجي وعدم التدخل في الشأن الداخلي، وضمانات سورية بمنع أي تهديد أمني عبر الحدود، مع إشراف أمريكي مباشر يمنح الاتفاق غطاء دوليًا وشرعية سياسية”.
بينما يرى الكاتب السياسي درويش خليفة، أن الوصول إلى اتفاق أمني قابل للحياة يتطلب قدرًا أكبر من المرونة الإسرائيلية، مقابل ضمانات سورية بعدم تكرار مشاهد من قبيل العروض العسكرية أو إطلاق هتافات تمجد غزة، وهي سلوكيات تُقرأ في تل أبيب على أنها رسائل موجهة إلى حركة “حماس”، كما أن نجاح أي اتفاق من هذا النوع يظل مشروطًا برعاية أمريكية مباشرة والإشراف على تنفيذه، بما يضمن فاعليته واستدامته.
وانتشرت فيديوهات لعرض عسكري أقيم في دمشق بمناسبة ذكرى التحرير وسقوط نظام الأسد، تضمنت هتافات لجنود الجيش السوري من أجل غزة، وهو ما أثار حفيظة إسرائيل، حيث بحث مسؤولون أمنيون إسرائيليون كيفية الرد على تلك الهتافات.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
