اخر الاخبار

وزارة إعلام جديدة لهموم كبيرة وقديمة

علي عيد

أما وقد أصبح للسوريين حكومتهم الجديدة، وجاءت من ضمنها حقيبة للإعلام، بعد نقاشات وجدل حول الإبقاء على الوزارة أو تحويل صلاحيات القطاع إلى هيئة منفصلة، أو حتى ترك المسألة للتنظيم الذاتي، والترخيص للإعلام المستقل أو الخاص أو المشترك، يتبادر سؤال حول دور الوزارة، هل ستنجح في أداء مهامها، وما المهام أصلًا وما معايير النجاح فيها.

كان النقاش مفتوحًا بين زملاء المهنة على مدى الأشهر الأربعة الماضية حول الأسئلة المطروحة أعلاه، وحول هواجس ما سيؤول إليه واقع الإعلام، واحتمالات التضييق أو الانفتاح والتوقعات بشأنها، وكنت أحد مؤيدي الإبقاء على وزارة الإعلام في الحكومة إلى حين، كما أنني متردد حتى اللحظة حيال مستقبل هذا القطاع باعتباره يمسّ الحياة السياسية، وتحتاج الإجابة أو التنبؤ في ذلك لاختبارات حقيقية لم يحن وقتها، لأننا نعاين ملامح غير نهائية لشكل مؤسسات الدولة، ومستوى الانفتاح على تجربة تحاكي آمال السوريين وتطلعاتهم، كما تراعي متطلبات قيام دولة طبيعية في المنطقة.

الجدل حول الإعلام السوري وهويته، تبدى في ظاهره جدلًا حول مهمة الإعلام الرسمي، وهو فهم غير مكتمل، برأيي، لطبيعة التحدي الماثل أمام السوريين عمومًا، وإعلامهم على وجه الخصوص.

لا يمكن للإعلام الرسمي أن يحل مشكلة تاريخية تتعلق بحرية القول عمومًا، والصحافة والنشر خصوصًا، عمرها يزيد على 67 عامًا، منذ حل الأحزاب والتوجه نحو الدولة البوليسية عام 1958، وهو عام الوحدة مع مصر، والتي جاءت محمولة على أحلام قومية مزدهرة وواقع سياسي وأمني متردٍّ يقع بين هزيمتين (56 و67).

تقع سوريا في منطقة جغرافية لا يتمتع شعوبها بقدر كافٍ من الحريات السياسية، وحرية الصحافة والتعبير، لكنها تصنّف حتى اليوم كأسوأ دول العالم ضمن بيانات مؤسسات دولية متخصصة مثل “مراسلون بلا حدود”، ومع ذلك فإن المنطقة شهدت تجارب مقبولة قياسًا بغيرها، كما هو الحال في لبنان أو الكويت، على الرغم من حالة الاستقطاب السياسي وضعف القوانين الناظمة، ما يسمح لجهات ممولة بالتلاعب بالرأي العام.

قد يكون الممكن اليوم هو وجود إعلام حرّ، يتجنب مطبات الاستقطاب المجتمعي بحوامل سياسية وخلفيات تقسيمية، وفق النموذج اللبناني الذي سيطر على مجمله، خلال العقدين الماضيين، تيار مدعوم من إيران، ما استدعى استقطابًا باتجاه مقابل، كان ضعيفًا قياسًا برغبة أطراف إقليمية ودولية في الانخراط بقضايا هذا البلد وصراعاته.

في سوريا، تتعدد المذاهب والطوائف والتيارات، وهذا ما يعني تحديات أكبر في منع الاستقطاب، وإسهام الإعلام في التنمية والسلام المجتمعي، وهو ما يتطلب قوانين تنظم العمل الصحفي، أكثر مما يتطلب وجود إعلام رسمي، دون إغفال أهميته في مرحلة تجاوز فوضى يتم الترتيب لها أو تغذّيها مصالح مختلفة، أو تتسبب بها حالة الخوف من وقوع البلاد في قبضة حكم شمولي لا يراعي خصوصية التنوع، وهو ما تنفيه قيادات الدولة في هذه المرحلة دون أن تكون هناك ضمانات نهائية.

 

لا يتوقع عاقل أن يملك السوريون إعلامهم بسهولة، لكن ذلك يجب ألا يمنعهم عن السعي نحو هذا الهدف، ولا أبالغ إن قلت، إن الانضباط ومستوى الحريات في الإعلام الغربي ليست حقيقة مطلقة، بل التزام بقوانين معقّدة استطاعت مجتمعات الدول الغربية الوصول إليها وتطويرها بعد نضالات ونقاشات وعمل مستمر ودؤوب.

في فرنسا مثلا، وحتى عام 2021، يقع 90% من وسائل الإعلام في قبضة 9 من رجال الأعمال المقربين من تيارات سياسية يمينية، وربما ارتفعت النسبة بعد سيطرة رجل الأعمال السوري- الفرنسي رودولف سعادة على مجموعة “BFM”، عام 2024.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، حتى عام 2021، سيطرت ست شركات على 90% من وسائل الإعلام، يطلق عليها لقب “الستة الكبار”.

ليست هناك ضمانات في فرنسا والولايات المتحدة لمنع السيطرة، وتوجيه الرأي العام سوى قوانين تنظيم الإعلام، والمدونات المتعلقة بالمحتوى ومنع الاستغلال السياسي، وهذا غير مضمون بالمطلق، لكن الرأي العام يمكنه الضغط باستخدام القوانين التي تضمن المصلحة العامة، كما أن هاتين الدولتين ليستا مثالًا يقارن مع سوريا اقتصاديًا وسياسيًا لأسباب يصعب حصرها في هذا المقال.

في بلد مثل سوريا، ليست هناك شركات وأشخاص (Big Sharks) يسيل لعابهم على قطاع الإعلام، وليست هناك بعد قوانين واضحة لتنظيم القطاع، والتحديات الماثلة أمام أي حكومة أو وزارة هي كيف يمكن العمل على ضمان حرية العمل وحرية التعبير وتعزيز التنافس في بلد لم يملك مقدراته بعد، كما أنه لا يتمتع بميزة تنافسية في أي قطاع. نحتاج أولًا لبيان واضح ومفصّل يفصح عن خطة عمل وزارة الإعلام في الفترة المقبلة، حتى يتمكن السوريون من إجراء جردة حساب وفق جدول زمني محدد.. وللحديث بقية.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *