دخل وزير الأشغال اللبناني فايز رسامني الوزارة وهو يدرك تماماً أن مهمته لن تكون سهلة في ظل واقع سياسي وأمني واقتصادي معقد.

فمنذ توليه مهامه الجديدة في فبراير الماضي في وزارة تعد من بين الوزارات الأساسية في مرحلة بناء الدولة القادرة على ضبط حدودها وبسط سيادتها، والخالية من أي فساد، واجه تحديات ولا تزال تتعلق بسيادة لبنان وحدوده، فكان له دور محوري في ضبط الحدود البحرية والجوية والبرية، واتخذ قرارات جريئة وغير مسبوقة، من بينها القرار الحاسم بوقف الرحلات الجوية الآتية من إيران إلى لبنان.

وتمكن من ضبط إيقاع مطار “رفيق الحريري الدولي” وتشديد الرقابة على الزائرين والمسافرين وعلى الموظفين في المطار، ولم يتردد في استبعاد المحسوبين على “حزب الله” وغيرهم واضعاً المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار آخر.

ويحمل الوزير الشاب في جعبته الكثير لتحقيقه، وفي مقابلة خاصة مع “إندبندنت عربية” يقول: “أتيت للعمل لا للمسايرة”. فهل باتت حدود لبنان ومرافقه العامة مضبوطة مئة في المئة؟ وما نفع كل هذه الإجراءات التحسينية طالما هناك سلاح خارج عن الدولة؟

ما نفع الإجراءات في ظل السلاح؟

من هذا السؤال نبدأ مع وزير الأشغال فايز رسامني الذي يرفض ربط العمل الذي يقوم به والمتعلق بضبط الحدود والحد من الفساد المستشري في وزارته مع أي موضوع آخر على أهمية الموضوع الآخر.

ولا يسقط رسامني من حساباته أهمية حصر السلاح بيد الدولة وحدها معترفاً بأن التأخر في التنفيذ قد يعطل كل القرارات والإجراءات الهادفة إلى التحسين، لكنه يعتبر أيضاً أن تأجيل البت بملف السلاح يجب ألا ينعكس على الملفات الأخرى ذات الأهمية، ولا يجوز، بحسب رأيه، وقف العمل بانتظار حل موضوع السلاح، إنما يجب البدء من مكان ما، وأن تتابع القضايا الأساسية بالتزامن مع هذا الموضوع.

ويؤكد رسامني أنه بدأ العمل على ملفات عالقة منذ سنوات ولم يتعرض لأي ضغط أو تعطيل من أي جهة. ويضيف: “صحيح أن المشكلات عمرها عشرات السنوات ولا يمكن حلها بين ليلة وضحاها، لكن يمكن على الأقل البدء بمعالجتها، ووضع خطة تدوم سنوات وليس أشهراً قليلة”.

القرار اتخذ.. والمسألة مسألة وقت

ويشدد رسامني على “أن التنفيذ بدأ لحصر السلاح بيد الدولة”، متحدثاً عن خطوات لم تعلن في الإعلام، وعن سيطرة للجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني بنسبة 80%، ويشير إلى أن العمل جار لحل المشكلة بطريقة دبلوماسية لكن سريعة، وأن المسألة مسألة وقت لكن من دون تحديد جدول زمني لأن المهم هو في اتخاذ القرار وقد اتخذ.

ورداً على سؤال ما إذا كانت المبادرة ستأتي من الحكومة أم تنتظر الأخيرة “حزب الله” ليبادر ويسلم سلاحه، يقول وزير الأشغال: “هذا الموضوع لا يمكن معالجته إلا بالتنسيق مع حزب الله”، ويعترف أن “حرب الإسناد انتهت إلى غالبٍ ومغلوب وميزان القوى صار في مكان آخر، ولبنان لا يمكن أن يتحمل حروباً إضافية والخاسر كان لبنان”.

ويتابع: “خسارتنا كبيرة وكل هذا الدمار في آخر سنة لا أعرف كيف يمكن أن نعيد بناءه. في بداية الأزمة المالية كنا في اجتماعاتنا مع البنك الدولي في مكان بعيد جداً عما هو مطلوب، وبعد الحرب صرنا في مكان أبعد بكثير، كانت مشكلتنا في وجود فجوة مالية نتيجة سوء الإدارة والفساد، لكننا اليوم بتنا أمام خسائر تقدر بـ11 مليار دولار، زيادة على كل التراكمات السابقة”.

ويعتبر أنه “لا يمكن للبنان أن يتحمل أكثر، وعلى الجميع واجب تقوية الدولة، وتقويتها تتطلب أن يكون كل السلاح في يدها وحدها، أما كيف سيحصل ذلك فعبر الدبلوماسية التي يمكن أن توصل إلى الحل لأن البلد لا يمكن أن يتحمل مشكلة داخلية إضافية، ورئيس الجمهورية (جوزاف عون) يتابع هذا الموضوع، وكذلك رئيس الحكومة (نواف سلام) ورئيس مجلس النواب (نبيه بري)، والحكومة تدعمهم”.

ما الذي تغير في المطار؟

يعود الحديث إلى مطار “رفيق الحريري الدولي” الذي شهد في عهد الحكومة الجديدة تغييرات جذرية واكبت ما تعهدت به في البيان الوزاري في بسط سلطتها وضبط حدودها. “الأمن في المطار مضبوط” يجزم رسامني مشيراً إلى سلسلة إجراءات اتخذت تهدف إلى ضبطه مئة في المئة.

وعما إذا كانت هذه التغييرات أتت بطلب أميركي يجيب وزير الأشغال سريعاً “لم تكن الإجراءات بإملاءات أميركية إنما لمصلحة لبنان ولتأمين سلامة المواطنين والوافدين إلى لبنان”. وعن التغييرات التي حصلت في عهده يشرح “الكل بات يدرك أن هناك إدارة ومراقبة وخطة عمل، وكما قلت منذ تسلمي الوزارة الخطأ ممنوع، ولن أتسامح، وقرار المحاسبة سيتخذ فوراً لوضع الأمور في نصابها وهذا ما حصل”.

بفخرٍ وثقة يتحدث وزير الأشغال عن الفرق في المطار لمسه الجميع، مضيفاً “الأولوية كانت لمعالجة الملف الأمني وهو الأخطر، وتم تفعيل جهاز أمن المطار عبر اتخاذ القرارات المناسبة بحق الأشخاص غير المناسبين الذين يمكن أن يخلّوا بالأمن، قبل الانتقال إلى التغيير الإداري تحضيراً لموسم الاصطياف وتدفق السياح واللبنانيين”.

والتغيير المقصود طاول موظفين تابعين لـ “حزب الله” استبعدوا عن المطار، وهذا ما أكد عليه رسامني، موضحاً أن “القرار استهدف موظفين من الحزب وغير الحزب، إذ لا يمكن ترك موظفين اعتادوا على نمط عملٍ من شأنه الإخلال بالأمن، مثل تسهيل مرور ركاب لقاء أموال، لا نعرف ماذا يحملون معهم إلى لبنان”.

ويشدد على أن حركة مواكبة سلامة المواطنين والحفاظ على الأمن مستمرة ولن تتوقف “وقد تم حل كثير من المشكلات التي كانت سائدة، وهناك خطوات إضافية سيتم العمل عليها وفق خطة عمل تستمر عاماً”. وعلى رغم الحرب الأخيرة التي تركت بصماتها على حركة الطيران إلى لبنان فإن وزير الأشغال يثق بأن التوقعات لا تزال إيجابية، متحدثاً عن ارتفاع الأعداد والحجوزات “السياح يريدون أن يلمسوا الفرق في المطار وقد بدأوا يرون ذلك”.

منع الخطوط الجوية الإيرانية مستمر

في حرب “الإسناد” بين إسرائيل و”حزب الله”، ومع تصاعد الضغوط الدولية والحاجة إلى تشديد الرقابة على حركة النقل في المطار، وبعد معلومات تحدثت عن نقل أسلحة وأموال من إيران إلى “حزب الله”، اتخذت الحكومة اللبنانية في فبراير الماضي قراراً بإلغاء كل الرحلات الآتية من إيران إلى لبنان، وكلفت الرئاسة اللبنانية وزارة الأشغال تمديد قرار تعليق الرحلات من وإلى طهران بعد اجتماع وزاري موسع في القصر الجمهوري. فإلى متى سيبقى القرار سارياً؟

يوضح الوزير رسامني أن “قرار تعليق الرحلات من وإلى إيران مستمر، وهذا موضوع سياسي أمني جارية معالجته. والقرار اتخذ عندما شعرنا بخطر يهدد مطار رفيق الحريري الدولي وسلامة المسافرين والوافدين، وقد شهدنا على ما يمكن أن يفعله هذا العدو الغاشم ولا يزال، إذ تستمر اعتداءاته على لبنان ولا نعرف إلى أين يريد الوصول. عندما يتعلق الأمر بخطر يتهدد المرافئ أو المطار فإن القضية لا تحتاج إلى الشجاعة بل إلى قرار حكيم وحاسم”.

إجراءات للحد من التهريب الجمركي

إلى الأبعاد الأمنية لضبط الحدود تبرز أبعاد مالية لها علاقة بالتهرب من دفع الضرائب وإدخال البضائع عبر الجو والبحر والبر من دون حسيب ولا رقيب. يشرح رسامني أن “التركيز، في السابق، كان على حل المشكلات بشكل موقت بدلاً من التفكير بإيجاد حلّ جذري لإيرادات الدولة. ومعالجة موضوعي التهرب الجمركي والتهرب من دفع الضرائب ومنها ضريبة القيمة المضافة، كمصدرين أساسيين لتعزيز خزينة الدولة، باتت إجراءات ضرورية وملحة.

وفي الوقت الذي تعمل فيه وزارة المال على الشق المتعلق بالضرائب من خلال مشروع الحكومة الإلكترونية لكل الإدارات التابعة لها، قامت وزارة الأشغال، كونها المسؤولة عن الشق الأمني في المرافق العامة، بهدف تعزيز الرقابة، بتفعيل أجهزة السكانر، ووضعت جهازين في مرفأ بيروت وجهازاً في مرفأ طرابلس (شمال)، وسيبدأ العمل بها في فترة لا تتعدى الأشهر الثلاثة.

وستترافق هذه العملية مع تجهيز غرفة في وزارة المال لمراقبة كل حركة الاستيراد والتصدير لضمان العمل بشفافية. هذه الخطوة ستسهم برفع إيرادات الدولة التي ستتخطى 500 مليون دولار كحدّ أدنى، مقابل دراسات تتحدث عن مبالغ قد تفوق ملياراً أو ملياري دولار”.

مطار ثان وثالث ومرفأ على السكة

في منتصف مايو وخلال مشاركته في مؤتمر “أيام بيروت للتحكيم” أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن حكومته تضع نصب عينيها تطوير المطار وطريق المطار، إلى جانب إعادة تشغيل مطار “القليعات” (شمال) خلال عامٍ واحد، بما يسهم في تحسين سهولة الوصول إلى لبنان وجذب المستثمرين.

ويوضح وزير الأشغال في ما خص مطار “القليعات” “أن الموضوع يحتاج إلى الوقت، وهناك دراسات يجب أن توضع قبل جذب المستثمرين، وهناك تقدم كبير على صعيد الخطة الرئيسة والجدوى الاقتصادية ودفتر الشروط الذي يحتاج، عادة، تجهيزه إلى نحو ثمانية أشهر. شارفنا على النهاية لكن آلية التلزيم مرتبطة بقانون الشراكة مع القطاع الخاص الذي يحتاج إلى تعديل كونه وضع قبل تعطل القطاع المصرفي، وقبل تخلف الدولة عن سداد سندات اليورو. والأمور تسير في اتجاه إقرار مشروع القانون الجديد من الحكومة وإرساله إلى مجلس النواب لإقراره”.

ويتوقع رسامني أن يتم تلزيم مطار “القليعات” في مطلع عام 2026، أما تنفيذه فقد يحتاج بين عامين إلى ثلاثة أعوام، ولا يستبعد بعد وضع آلية التلزيم أن يتم استحداث مطارات أخرى ومنها مطار “رياق” في البقاع (شرق)، والأمر يتوقف على اهتمام المستثمرين والجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع، “نحن علينا تسهيل الطريق القانوني للمستثمر والباقي عليه. وجديد وزارة الأشغال إعادة تفعيل مرفأ جونية (جبل لبنان) السياحي حيث من المتوقع أن ينطلق العمل في نهاية يوليو (تموز) بالخط البحري منه إلى مرفأ لارنكا في قبرص”.

“الزفت الانتخابي” سيتوقف

وماذا عن الطرقات ورائحة الفساد التي تنبعث من تلزيمات الصيانة في وزارة عرفت بـ “مغارة علي بابا”؟ وهل العمل مستمر وفق العبارة الشهيرة “الزفت الانتخابي”؟ يجيب رسامني “كل طريقة العمل ستتغير، الوزارة تعاني من أكثر من 80 في المئة من الشغور الإداري الذي يعيق عملها في بعض الأحيان، لكن في المقابل الأموال متوافرة لصيانة الطرقات. العمل يتم بطريقة مختلفة عن السابق والمسايرة ممنوعة، وقد تم تغيير كل الآلية السابقة. كنت أسمع عن وزارة الأشغال قبل أن أدخل إليها، وتمكنت من تحويلها من مغارة علي بابا إلى وزارة”.

أما عن الارتكابات السابقة فيكشف أن “طريقاً كانت تحتاج صيانته إلى مليوني دولار، لكن الإدارات السابقة كانت تجاري المتعهدين من المحسوبيات بتقدير كلفتها بـ 500 مليون دولار، وإذ بالطريق يعود بعد أشهر إلى حاله التي كان عليها قبل الصيانة”، ويضيف رسامني “نحن نعمل على ألا تحتاج الطرقات إلى صيانة قبل 10 سنوات”.

وعن السرقات يكشف أنها كانت تحصل في احتساب المساحات “حيث يتم احتساب الـ 10 كيلومترات 20 كيلومتراً، وهكذا دواليك، إضافة إلى التلاعب بكميات الزفت والمواد المستخدمة. دفتر الشروط تغير وفق الشروط التي اعتمدها البنك الدولي في أكثر من مشروع نفذ في لبنان، وتقرر أن ترفض وزارة الأشغال تسلم أي مشروع قبل أن يكون الاستشاري المتخصص والمعتمد من الوزارة وافق عليه”.

*هذا المحتوى من: “إندبندنت عربية”.

شاركها.