أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مدينة السويداء جنوبي البلاد، بعد اتفاق مع وجهاء وأعيان محليين، في أعقاب اشتباكات أودت بحياة العشرات، شهدتها المدينة على مدار اليومين الماضيين، فيما جدد الجيش الإسرائيلي قصف المدينة.

وقال أبو قصرة، في بيان: “إلى كافة الوحدات العاملة الموجودة داخل مدينة السويداء، نعلن وقفاً تاماً لإطلاق النار، بعد الاتفاق مع وجهاء وأعيان المدينة، على أن يتم الرد فقط على مصادر النيران والتعامل مع أي استهداف من قبل المجموعات الخارجة عن القانون”.

وأوضح وزير الدفاع السوري، أن “القوات ستبدأ في تسليم أحياء مدينة السويداء إلى قوات الأمن الداخلي حالما يتم الانتهاء من عمليات التمشيط”، مشيراً إلى أنه أصدر تعليمات ببدء انتشار قوات الشرطة العسكرية “لضبط السلوك العسكري”.

ودخلت قوات مشتركة من الجيش والأمن الداخلي مدينة السويداء، في وقت سابق الثلاثاء، بالتزامن مع فرض حظر تجوّل بعد الاشتباكات، وهي المرة الأولى التي تنتشر فيها قوات حكومية في المدينة منذ تولي الحكومة الانتقالية للسلطة في البلاد في ديسمبر الماضي، بعد الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد.

وأودت اشتباكات مسلحة بين مجموعات محلية من الدروز وعشائر البدو في حي المقوس بمدينة السويداء، بحياة العشرات، فيما أصيب نحو 200 آخرين، وفق حصيلة أولية أوردتها وزارة الداخلية السورية، في بيان.

وجاء انتشار القوات السورية بعد أن حض زعماء الدروز، الذين كانوا يرفضون أي انتشار للقوات السورية، المقاتلين الدروز على إلقاء أسلحتهم والسماح للقوات الحكومية بالدخول.

وتجددت الاشتباكات حتى ساعات الصباح الأولى من الثلاثاء، على المحور الغربي من المدينة، لا سيما في محيط قرية كناكر، وسط سماع كثيف لأصوات إطلاق النار والانفجارات ورصد سقوط قذائف هاون في محيط مدينة السويداء أسفرت عن حركة نزوح داخلية.

وأفادت مصادر محلية، بأن عدد الضحايا ارتفع إلى 53 بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى أكثر من 200 جريح توزعوا على مستشفيات المحافظة، وسط توقعات بارتفاع الحصيلة نظراً لخطورة بعض الإصابات، وتضارب الأنباء حول خسائر بشرية في صفوف قوات وزارة الدفاع.

حظر التجول

وأعلن قائد الأمن الداخلي في السويداء، العميد أحمد الدالاتي، صباح الثلاثاء، بدء انتشار قوات وزارتي الداخلية والدفاع داخل مركز المدينة لـ”حماية المدنيين واستعادة الأمن”، مع فرض حظر التجول، داعياً الأهالي إلى الالتزام الكامل بالبقاء في منازلهم.

وقال الدالاتي في بيان أصدرته وزارة الداخلية: “نعلن فرض حظر تجول في شوارع المدينة اعتباراً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى إشعار آخر، حرصاً على سلامة أهلنا في المدينة”، بحسب وكالة الأنباء السورية “سانا”.

وأضاف: “نهيب بأهالي السويداء الالتزام بالبقاء في منازلهم، ونؤكد ضرورة منع العصابات الخارجة عن القانون من استخدام المباني السكنية كمواضع لمواجهة قوات الدولة”.

بدوره، أعلن قائد الأمن الداخلي في محافظة درعا، شاهر جبر عمران، أن وحدات من قوى الأمن الداخلي في المحافظة باشرت بالتحرّك باتجاه السويداء، بتوجيه من القيادة المركزية، وبتنسيق كامل مع وزارتي الداخلية والدفاع، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تأتي “استجابة لنداءات المواطنين، ولتوفير الحماية الكاملة لأرواح المدنيين وممتلكاتهم، وضمان عودة الحياة الطبيعية إلى المدينة”.

ودعا عمران، في بيان، جميع أبناء محافظة السويداء إلى “التحلي بالوعي الوطني والتعاون التام مع قوات الدولة”، كما ناشد “كافة الفعاليات الاجتماعية والدينية في المحافظة أن تلعب دورها المسؤول في حقن الدماء ومنع التصعيد”.

وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع السورية أعلن، مساء الاثنين، سقوط 18 من قوات الجيش في هجمات مسلحة على نقاط عسكرية في محافظة السويداء بجنوب البلاد.

في عضون ذلك، وجّه مستشفى السويداء نداءً إنسانياً عاجلاً لجميع الكوادر الطبية، نظراً لتدهور الأوضاع الصحية، ونقص الطواقم اللازمة للتعامل مع الحالات الطارئة، محذراً من أن استمرار هذا النقص بات يهدد حياة المرضى بشكل مباشر، وسط استنفار غير مسبوق في القطاع الطبي بالمحافظة.

تضارب بشأن موقف الرئاسة الروحية للدروز

وفي أول رد رسمي من الطائفة الدرزية، رحّبت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، بزعامة الشيخ حكمت الهجري، بدخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع إلى المدينة، لكنه تراجع في وقت لاحق، إذ قال في بيان متلفز، إنه “بعد مفاوضات عديدة مع دمشق لم تفض إلى أي نتائج أو صدق في التعامل، تم فرض البيان الذي أصدرناه منذ قليل بتفاصيله الكاملة من دمشق وبضغط جهات خارجية من أجل حقن دماء أبنائنا”.

وأضاف الهجري: “ولكن رغم قبولنا هذا البيان المُذل، قاموا بنكس العهد والوعد واستمر القصف العشوائي على المدنيين العزل. هذا اليوم هو اليوم الذي إما أن نكون فيه سوريين ونرفض الذل والإهانة، وإما أمامنا عقود من الذل والمهانة”.

وتابع: “وبناء على ذلك هذه وقفة عز ونحن نتعرض لحرب إبادة شاملة”، فيما طالب بـ”التصدي لهذه الحملة البربرية بكل الوسائل المتاحة”، على حد وصفه.

وطالبت الرئاسة الروحية في بيانها الأول، الفصائل المسلحة في السويداء، بتسليم سلاحها لوزارة الداخلية وعدم مقاومة قواتها، ودعت إلى “فتح حوار مع الحكومة السورية لعلاج تداعيات الأحداث وتفعيل مؤسسات الدولة بالتعاون مع أبناء المحافظة”.

وعبر قائد الأمن الداخلي في السويداء، عن ترحيبه بموقف الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، وحث المرجعيات الدينية في البلاد على “اتخاذ موقف وطني موحد” يدعم إجراءات وزارة الداخلية.

وأضاف: “نناشد قادة الفصائل والمجموعات المسلحة الخارجة عن القانون بوقف أي أعمال تعيق دخول قوات وزارتي الداخلية والدفاع، والتعاون الكامل من خلال تسليم أسلحتهم للجهات المختصة، حفاظاً على السلم الأهلي”.

تدخل إسرائيلي

في غضون ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف عدة دبابات في بلدة بمحافظة السويداء. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، إن الضربات بمثابة “تحذير واضح للنظام السوري”، مضيفاً أن إسرائيل لن تسمح بإلحاق الأذى بالدروز المقيمين في سوريا.

وقالت وكالة الأنباء السورية “سانا”، مساء الاثنين، إن الطيران الإسرائيلي شن 3 غارات على محيط بلدتي “المزرعة” و”كناكر” بريف محافظة السويداء جنوبي البلاد، فيما دعت وزارة الخارجية جميع الدول المنظمات إلى احترام سيادة سوريا والامتناع عن دعم أي حركات وصفتها بـ”المتمردة”، مؤكدة أنها ماضية في حماية الطائفة الدرزية.

والعلاقات الوثيقة بين إسرائيل والدروز الذين يعيشون فيها وعددهم 120 ألف نسمة هي أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة التدخل الإسرائيلي في سوريا. 

وتلك الوقائع أحدث حلقة في سلسة من أعمال عنف في سوريا، حيث تزايدت المخاوف لدى أقليات منذ إطاحة فصائل من المعارضة المسلحة السابقة بنظام الرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر قبل أن تتولى السلطة وتشكل قوات الأمن.

وفي ديسمبر 2024، وافقت جماعات معارضة مسلحة قاتلت الأسد خلال الحرب، على حل نفسها والاندماج في وزارة الدفاع، لكن جهود دمج فصائل مسلحة من أقليات مثل الدروز والأكراد لم تمض بسلاسة.

وفي جنوب سوريا، زادت الأمور تعقيداً بسبب سياسة إسرائيل المعلنة عدم السماح للجيش السوري الجديد بالانتشار إلى الجنوب من العاصمة دمشق، ومطالبتها بأن تكون السويداء ومحافظات مجاورة ضمن منطقة منزوعة السلاح.

شاركها.