لا يشعر كبار المسؤولين داخل حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والحكومة الإسبانية “بقلق شديد” إزاء تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بمعاقبة مدريد، بسبب ما يعتبره “عدم كفاية” إنفاقها على الدفاع، وفق مجلة “بوليتيكو”.
ونقلت المجلة الأميركية عن ضابط كبير في الناتو، في مقر القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا SHAPE في بروكسل، طلب عدم كشف هويته، قوله: “التهديد لا يؤخذ على محمل الجد على المستوى العسكري. الإسبان يتصرفون بهدوء”.
وذكرت “بوليتيكو”، أن هذا “التجاهل النسبي” يأتي في الوقت الذي تزايدت فيه حدة خطاب ترمب العدائي خلال الأسابيع الأخيرة، منتقداً إسبانيا بسبب انخفاض إنفاقها العسكري، وسط مساعي الإدارة الأميركية لجعل الدول الأوروبية أقل اعتماداً على المظلة العسكرية الأميركية.
وقال ترمب للأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، الأربعاء: “عليك أن تتحدث إلى إسبانيا. إسبانيا ليست متعاونة”.
وضغط ترمب على أعضاء الناتو لإنفاق ما لا يقل عن 5% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع الوطني.
وخلال قمة للناتو في لاهاي في يونيو الماضي، وافق معظم الأعضاء على هدف الإنفاق بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي؛ 3.5% على النفقات العسكرية الأساسية، و1.5% في مجالات البنية التحتية المرتبطة بالدفاع مثل التنقل العسكري بحلول عام 2035.
لكن إسبانيا، طلبت استثناءً، إذ لديها أقل إنفاق عسكري من أي دولة عضو في الناتو، حيث خصصت 1.3% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع في عام 2024.
توتر متصاعد على ضفتي الأطلسي
وأثار رفض مدريد الالتزام بإنفاق المزيد، غضب ترمب، الذي قال هذا الشهر، إنه على الناتو النظر في إخراج إسبانيا من الحلف.
ولفتت المجلة الأميركية، إلى أن غضب الرئيس الأميركي يزيد من توتر العلاقات عبر الأطلسي المعقدة بالفعل، بعد أن زعزع ترمب العلاقات التجارية إلى حد كبير، وفرض تعريفات جمركية جديدة وألقى محاضرات على القادة بشأن مكافحة الهجرة وتغير المناخ.
وفي الوقت نفسه، بذل القادة الأوروبيون جهوداً كبيرة من أجل الحفاظ على علاقة إيجابية مع ترمب على أمل التأثير عليه في مجموعة من القضايا، وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية.
كما هدد ترمب أيضاً بفرض رسوم جمركية جديدة على إسبانيا، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، وليس من الواضح كيف يمكن استهداف إسبانيا، ولكن في الوقت الراهن، لا يبدو أن الإسبان قلقون للغاية.
والأسبوع الماضي قالت وزيرة الدفاع الإسبانية، مارجريتا روبلس، للصحافيين: “المهم في هذا الأمر – ويجب أن نقولها بفخر – هو أن إسبانيا حليف موثوق ومسؤول، وأنها كانت عضواً في حلف الأطلسي لمدة 40 عاماً، وأنها دفعت ثمناً باهظاً جداً من أرواح الجنود الإسبان، وأنها مستعدة للمشاركة في كل مهمة تُسند إليها، وأنها تبذل جهداً مهماً جداً في صناعة الدفاع الإسبانية والأوروبية، وتخلق فرص عمل وتفي بالالتزامات”.
وأضافت: “مع ذلك، حتى لو لم يعترف البعض بذلك، فإن إسبانيا بلد يفي بالتزاماته، وحليف يحظى باحترام الأعضاء الآخرين في الحلف”، في إشارة إلى الرئيس الأميركي.
وأشارت روبلس، إلى أن “عام 2035 ما زال بعيداً”، وأن أولوية الحلف يجب أن تكون أوكرانيا.
في المقابل، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، إن ترمب لا يزال يركز على رفض إسبانيا، ولا يزال “يدرس العواقب الاقتصادية”.
وأضافت: “الرئيس ترمب يعني دائماً ما يقوله، وأفعاله تتحدث عن نفسها. بينما وافق كل حليف آخر من حلفاء الناتو على زيادة إنفاقه الدفاعي إلى 5%، كانت إسبانيا الدولة الوحيدة التي رفضت”.
رفض تهديدات ترمب
والأسبوع الماضي، رفضت المفوضية الأوروبية والحكومة الإسبانية، أحدث تهديد من الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية أعلى على مدريد بسبب رفضها الامتثال لزيادة الإنفاق الدفاعي في حلف شمال الأطلسي.
وقال ترمب إنه “مستاء جداً” من إسبانيا لكونها الدولة الوحيدة التي رفضت هدف الإنفاق الجديد البالغ 5% من ناتجها المحلي الإجمالي، مضيفاً أنه يدرس فرض عقوبة على الدولة المطلة على البحر المتوسط. وذكر في وقت سابق أنه سيجعل إسبانيا “تدفع ضعف ما تدفعه” من رسوم جمركية.
وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، أولوف جيل، في إفادة صحافية إن السياسة التجارية تقع ضمن اختصاصات بروكسل، وإن المفوضية “سترد بشكل مناسب، كما نفعل دائماً، على أي إجراءات تُتخذ ضد واحدة أو أكثر من الدول الأعضاء”.
من جانبها، قالت وزارة الاقتصاد والتجارة الإسبانية في بيان: “لا يتعلق النقاش بشأن الإنفاق الدفاعي بزيادة الإنفاق من أجل زيادته فقط، وإنما يرتبط بالرد على تهديدات حقيقية… نقوم بدورنا في تطوير القدرات اللازمة والمساهمة في الدفاع الجماعي لحلف (شمال الأطلسي)”.
وكان رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، دافع خلال مقابلة أجريت معه في إسبانيا مع إذاعة “كادينا سير”، الثلاثاء، عن سياسات مدريد في الإنفاق الدفاعي.
وقال سانشيز: “نحن ملتزمون بالدفاع وأمن حلف الناتو، وفي الوقت نفسه، ملتزمون بالقدر نفسه بالدفاع عن دولة الرفاه لدينا”، مضيفاً أن إسبانيا تبذل بالفعل “ما يكفي وأكثر” من خلال تخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري.
ورفعت إسبانيا الإنفاق الدفاعي الإسمي بما يزيد على المثلين من 0.98 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 إلى 2% هذا العام، وهو ما يعادل نحو 32.7 مليار يورو (38 مليار دولار).
وكان سانشيز تعهد في أبريل الماضي، بزيادة الإنفاق الدفاعي الإسباني إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2025، لتحقيق هدف سابق لحلف الناتو، وذلك تحت ضغط من بروكسل وواشنطن، إلا أن هذا لا يزال أقل بكثير من مطلب ترمب الأخير البالغ 5%.