وسط نزاع على “خروج منظم” للرئيس.. من يحكم كوريا الجنوبية؟
تشهد كوريا الجنوبية وضعاً سياسياً مرتبكاً، بعد منع الرئيس يون سوك يول من مغادرة البلاد، وإخضاعه لتحقيق رسمي بتهمة “الخيانة”، بعد قراره بفرض الأحكام العرفية الذي اعتذر عنه لاحقاً، لكنه لا يزال يشغل منصبه، ما أثار تساؤلات بشأن من يدير البلاد، في ظل محاولات المعارضة لعزله، وتفاوض حزبه الحاكم على “خروج منظم”، بحلول العام المقبل.
وزاد يون من تعقيد الوضع الخميس، بعدما ألقى خطاباً تحدى فيه حزبه والمعارضة، بإعلانه رفض التنحي وإصراره على “القتال حتى النهاية”، ودفاعه عن قراره فرض الأحكام العرفية، باعتباره من “صلاحياتها الدستورية كرئيس”، رغم مداهمة الشرطة لمقر الرئاسة يومي الأربعاء والخميس، واعتقال مسؤولين كباراً في البلاد.
وتشهد كوريا الجنوبية فراغاً أيضاً في منصب وزير الدفاع بعد استقالة كيم يونج هيون، والذي حاول الانتحار في مقر احتجازه الأربعاء، في أعقاب الأحداث التي وقعت أخيراً، ورشح رئيس الوزراء السفير الكوري الجنوبي لدى السعودية، لخلافة هيون، لكن الرئيس لا يزال بحاجة إلى الموافقة على تعيينه.
وأصبح قائد الشرطة أحدث مسؤول كبير يجري اعتقاله الأربعاء، في إطار التحقيقات.
وقاطع نواب الحزب الحاكم تصويتاً في البرلمان على عزل يون، السبت، ما أبقاه في منصبه، ولكن قادة الحزب أصروا على أنه سيتنحى عن مهامه مؤقتاً أثناء التفاوض على رحيله، ما يفتح الباب أمام حالة من الارتباك والمخاوف بشأن فراغ محتمل في السلطة، وفقاً لصحيفة “فاينانشال تايمز”.
وأعلن الحزب الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة، الأربعاء، أنه يعتزم إجراء تصويت جديد في البرلمان لمساءلة يون مجدداً، السبت، وهو ما أيده بعض أعضاء حزب “قوة الشعب” الذي ينتمي إليه الرئيس، خاصة بعد رفض الرئيس الاستقالة طوعاً، في فبراير أو مارس، لفتح الباب أمام انتخابات في أبريل أو مايو 2025.
“لا إجابة رسمية عمن يدير البلاد”
وقال متحدث باسم الرئاسة الكورية الجنوبية، لـ”فاينانشال تايمز”رداً على سؤال عن المسؤول عن إدارة كوريا الجنوبية: “لا توجد إجابة رسمية على هذا السؤال”.
وقال كارل فريدهوف، الخبير في الشؤون السياسية الكورية لدى مجلس شيكاجو للشؤون العالمية، وهو مؤسسة بحثية غير حزبية ومقرها مدينة شيكاجو: “لا أحد يعلم من يدير الجيش، وحتى مكتب الرئيس لا يستطيع تحديد من يتحكم في البلاد، هذا هو العكس تماماً للانتقال المنظم للسلطة”.
وأعلن زعيم حزب “قوة الشعب” المحافظ الحاكم، هان دونج هون، ورئيس الوزراء هان دوك سو، الذي عينه يون ويُعد تكنوقراطياً متمرساً، الأحد، أن يون “لن يشارك في إدارة شؤون الدولة، بما في ذلك الدبلوماسية”، بينما تسعى حكومته للتفاوض على “خروج منظم”.
وتحدّى خبراء قانونيون الأساس الدستوري للاتفاق الظاهر للرئيس يون لنقل صلاحياته الرئاسية إلى حزبه وحكومته.
وأعرب مستثمرون عن قلقهم بشأن إدارة رابع أكبر اقتصاد في آسيا، بينما تساءل دبلوماسيون أجانب عن الجهة التي تملك السلطة على القوات المسلحة الكورية الجنوبية، في وقت تصاعد فيه التوتر مع جارتها الشمالية.
نقل الصلاحيات عند العجز أو العزل فقط
أستاذ القانون في جامعة كوريا، كيم سيون تايك، قال إنه لا يوجد أي سند دستوري يسمح بنقل صلاحيات الرئيس رسمياً إلى أي جهة أخرى، إلا في حال كان الرئيس عاجزاً بشكل دائم أو إذا تم تمرير تصويت لعزله من الجمعية الوطنية.
وأضاف كيم: “لا أحد يستمع إليه، لكن من الناحية القانونية، لا يزال هو الرئيس، يظل صاحب السلطة النهائية في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون الدولة، ولا يمكن تنفيذ أي شيء دون توقيعه، إنها وضعية شديدة التقلب يخيم عليها عدم اليقين”.
وفي كوريا الجنوبية، لا تنطبق الحصانة الرئاسية في القضايا التي تتعلق بالخيانة أو التمرد، لكن بعض الخبراء القانونيين، يرون أنه حتى إذا جرى اعتقال يون واحتجازه، فإن الدستور ربما يسمح له بالبقاء في منصبه.
وقال فريدهوف: “لا يملك رئيس الوزراء وزعيم الحزب السلطة القانونية لممارسة صلاحيات الرئيس بالنيابة عنه”، واصفاً الوضع بأنه “مهزلة”.
وأثار السؤال عمن يتولى قيادة القوات المسلحة الكورية الجنوبية، قلق العديد من المراقبين، بسبب مخاوف من أن يحاول يون مجدداً فرض الأحكام العرفية، وكذلك بسبب التساؤلات بشأن قدرة كوريا الجنوبية على الرد في حال حدوث استفزاز من كوريا الشمالية.
وقال دبلوماسي أوروبي: “هذا وضع خطير، خاصة بالنظر إلى البيئة الأمنية في شبه الجزيرة الكورية”.
كبار الضباط يرفضون الأحكام العرفية
وأعلن عدد من كبار الضباط في الجيش صراحة أنهم “سيرفضون الامتثال لأي أمر من يون بفرض الأحكام العرفية مجدداً”.
ومع ذلك، أكدت وزارة الدفاع الكورية الجنوبية للصحافيين، الاثنين، أن يون لا يزال القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد.
وقال كيم من جامعة كوريا: “صرح رؤساء الأركان المشتركة بأنهم سيقررون بأنفسهم ما إذا كان الوضع يستدعي تنفيذ أوامر يون أم لا، إنه وضع غريب للغاية”.
وفي تصريح لصحيفة “فاينانشال تايمز”، قال ضابط سابق رفيع المستوى في القوات المسلحة الكورية الجنوبية، إنه يشك عملياً في أن أي “ضابط كوري جنوبي سينفذ أو حتى يستمع إلى أوامر الرئيس”.
وأضاف الضابط المتقاعد: “سيتلقون الأوامر من رئيس الوزراء، الوضع ليس مثالياً، لكن تسلسل القيادة ما زال قائماً”.
مخاوف من أزمة مع كوريا الشمالية
مدير تحليل شؤون الصين وكوريا في شركة Control Risks للاستشارات المتعلقة بالمخاطر الجيوسياسية، أندرو جيلهولم، قال: “سيكون الأمر مقلقاً للغاية إذا اندلعت أزمة بين الكوريتين، بينما نحن غارقون في هذه الفوضى السياسية في سول، هذه الأزمات ليست نادرة الحدوث”.
وأعرب مستثمرون عن قلقهم بشأن تأثير الاضطراب السياسي على اقتصاد كوريا الجنوبية، في وقت يتسابق فيه المصدرون الكوريون، للاستعداد لتداعيات السياسات التجارية الحمائية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وحتى الآن، دعمت الأسواق وعود الحكومة بالتدخل لمعالجة التحركات “المفرطة”.
وقال مسؤول اقتصادي رفيع في كوريا الجنوبية لصحيفة “فاينانشيال تايمز” :”القيادة الاقتصادية للبلاد آمنة تماماً تحت إدارة وزير المالية تشوي سانج موك، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء”.
وأضاف: “لم يكن هناك أي اضطراب في عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية”.
وأشار محللون إلى أن قيادة حزب “سلطة الشعب” تأمل في أن يعزز تأخير رحيل يون لعدة أشهر، فرصهم في الانتخابات المقبلة.
اتهامات بتحويل الأموال
من جهة أخرى، يواجه زعيم المعارضة لي جيه ميونج، وهو المرشح الأبرز لخلافة يون كرئيس، اتهامات هذا العام بتورطه المزعوم، في مخطط لتحويل ملايين الدولارات إلى كوريا الشمالية عبر شركة كورية جنوبية لتصنيع الملابس الداخلية، ولم تُعرض القضية بعد على المحاكمة، وقد نفى لي ارتكاب أي مخالفة.
وقال مسؤول سابق في إدارة الرئيس يون إن الغضب الشعبي المتزايد من دور حزب “قوة الشعب”، في إبقاء يون في منصبه أثار “حالة من الذعر” داخل الكتلة البرلمانية للحزب.
ولكي يتم تمرير قرار العزل، يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء البرلمان البالغ عددهم 300 نائب. وتحتاج أحزاب المعارضة إلى دعم ثمانية من نواب حزب سلطة الشعب البالغ عددهم 108 نواب لدعم عزل يون في تصويت جديد متوقع أن يتم السبت.
وصوت 22 عضواً من حزب سلطة الشعب، الثلاثاء، لصالح تعيين محقق خاص للتحقيق في قرار الأحكام العرفية.
وقال المسؤول السابق في إدارة يون: “كان هناك رد فعل داخل الحزب ضد خطة القيادة، التي لا تُعتبر قانونية بشكل قوي. ونتيجة لذلك، يفكر المزيد من الأعضاء في التحول لدعم العزل باعتباره السبيل الوحيد”.