بدأ وفد دولي يضم ممثلين عن الأمم المتحدة، والصليب الأحمر، والهلال الأحمر، ومنظمة “الأوجه”، زيارة ميدانية إلى محطة مياه علوك في ريف رأس العين شمال محافظة الحسكة، وذلك بهدف إجراء دراسة شاملة للوضع الفني والتشغيلي للمحطة التي خرجت عن الخدمة منذ عام 2019، ما تسبب في أزمة مائية حادة طالت مئات آلاف السكان في المنطقة.

 

وبحسب مصادر محلية تحدثت لـ”وكالة ستيب نيوز”، فإن دخول الوفد جرى عبر الحدود التركية من معبر مدينة رأس العين، بتنسيق مباشر مع القوات الأمريكية المنتشرة في منطقة القامشلي، والتي وفّرت الحماية اللوجستية وتأمين الطريق للبعثة خلال تنقلها في المناطق المتنازع عليها.

 

خمس سنوات من العطش

تشكل محطة مياه علوك المصدر الرئيسي لتزويد مدينة الحسكة وريفها بالمياه، إلا أن سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة على مدينة رأس العين أواخر عام 2019، أدّت إلى توقف المحطة عن الضخ، بعد أن تضررت بنيتها جراء العمليات العسكرية المتبادلة بين هذه الفصائل وقوات (قسد).

ومنذ ذلك الحين، يعيش نحو مليون ونصف المليون شخص في محافظة الحسكة أزمة مائية خانقة، اضطروا خلالها للاعتماد على مياه الآبار المالحة التي تفتقر إلى المعايير الصحية، ما أدى إلى تفشي بعض الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، وفاقم من التحديات الصحية والبيئية، وفق ما أكدته منظمات دولية عاملة في المنطقة.

 

دراسة تفصيلية وإمكانية إعادة التأهيل

وتشير المعلومات إلى أن الوفد بدأ بإجراء مسح ميداني دقيق للبنية التحتية في محطة علوك، مع التركيز على تقييم الأضرار في آبار المياه، وشبكات الضخ، ووحدات التصفية، وخطوط الكهرباء المغذية.

وتهدف الزيارة إلى إعداد دراسة فنية تتضمن تقديرًا شاملاً للتكاليف المطلوبة لإعادة تأهيل المحطة، وجدولًا زمنيًا لتنفيذ عمليات الإصلاح.

وتأتي هذه الزيارة في سياق مختلف عن سابقاتها، لا سيما وأن وفدًا مشابهًا كان قد زار المحطة في عام 2024، إلا أن زيارته آنذاك اقتصرت على إجراء تقييم أولي دون أن تسفر عن خطوات عملية.

أما هذه المرة، بحسب مصدر مطلع على طبيعة عمل الفريق، فإن الدراسة الجارية تُعدّ خطوة متقدمة نحو إطلاق مشروع تأهيلي كامل بإشراف أممي مباشر، في حال تأمنت الضمانات السياسية والتمويل اللازم.

 

خلفية النزاع حول المحطة

محطة مياه علوك، التي أنشئت عام 2010، تضم نحو 30 بئرًا للمياه، وتوفر في طاقتها القصوى أكثر من 175 ألف متر مكعب يوميًا، كانت تغطي احتياجات مدينة الحسكة وبلدات مجاورة.

ومع اندلاع عملية “نبع السلام” التركية، وتحول المنطقة إلى ساحة صراع مفتوحة، أصبحت المحطة ورقة ضغط في النزاع بين تركيا و”قسد”، إذ ربطت أنقرة تشغيل المحطة بالحصول على تغذية كهربائية لمناطق سيطرة الفصائل شمالاً.

ورغم تدخلات أممية سابقة، أبرزها وساطات روسية في السنوات الماضية، إلا أن الانقطاعات المتكررة للخدمة والتي تجاوزت الثلاثين مرة حالت دون تأمين ضخ مستقر ومستدام، وفق ما توثقه بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

 

معاناة مستمرة وحلول جزئية

في ظل تعطل محطة مياه علوك، لجأت الإدارة الذاتية إلى حفر آبار بديلة في محيط الحسكة، لكن معظمها ينتج مياهًا مالحة وغير قابلة للاستخدام الآدمي. كما قامت ببناء محطات تحلية صغيرة في بعض القرى، إلا أنها لا تغطي إلا نسبة ضئيلة من الاحتياجات اليومية للسكان.

ويصف السكان المحليون الوضع بأنه “كارثة مائية مزمنة”، حيث أُجبر العديد منهم على شراء المياه بأسعار مرتفعة، فيما يتكفل آخرون بنقلها من مناطق بعيدة، في ظروف صحية وإنسانية سيئة.

 

تحديات سياسية وأمنية

رغم التفاؤل النسبي الذي رافق زيارة الوفد الدولي إلى محطة مياه علوك، إلا أن المراقبين يرون أن التحديات الحقيقية تكمن في الاعتبارات السياسية المرتبطة بموقع المحطة، وما يتطلبه ذلك من تنسيق متعدد الأطراف، بما يشمل تركيا و”قسد” والإدارة الذاتية والحكومة السورية، إضافة إلى ضرورة توفير ضمانات لحماية فرق الصيانة ومنع تعطيل المشروع مستقبلًا.

 

خطوات مقبلة

من المتوقع أن تستمر أعمال الفريق الفني لمدة أسابيع، على أن تُرفع النتائج إلى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA)، تمهيدًا لإطلاق خطة إعادة تأهيل متكاملة.

وفي حال سارت الأمور كما هو مخطط، فقد تبدأ أعمال الصيانة في وقت لاحق من العام الجاري، بحسب ما أفادت به مصادر.

 

وتمثل زيارة الوفد الدولي لمحطة مياه علوك بصيص أمل لسكان الحسكة بعد سنوات من المعاناة، غير أن نجاح هذه الخطوة مرهون بإرادة سياسية حقيقية، وتعاون من جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة، لضمان حق أساسي لطالما حُرم منه السكان وهو الماء.

وفد أممي يزور محطة مياه علوك ومصدر يتحدث عن خطة لحل أزمة الماء بالحسكة

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.