خطيب بدلة
كل شيء، في حياتنا، يحتاج إلى تعريف. قال أحد المسؤولين في السلطة الحالية، إن “الحرية” المتوفرة في سوريا، اليوم، ليست مسبوقة.
هل تريد الصراحة، أم تريد أن نلف وندور؟ الصراحة: لم يخطر ببالي، في يوم من الأيام، أن الحرية تحتاج إلى تعريف، فقد أمضينا عمرنا ونحن نعتقد، أو نقول، إن الحرية الموجودة في لبنان، مثلًا، لا مثيل لها في العالم، وبيروت كانت مأوى، أو ملفى كل الهاربين من البلاد العربية المناضلة، التي تكم أفواه أبنائها، وتمنعهم من التنفس.. واعتقادنا هذا، صحيح بالطبع، ولكن أين الدولة اللبنانية التي يليق بها كل هذه الحرية؟ هل مَنعت الحرية اللبنانية تلك التشكيلة من الدول المستبدة من التدخل في شؤونها، أو من بناء ميليشيات ودول صغيرة في داخلها، جرت على اللبنانيين الويلات؟
حرية التعبير المتوفرة، الآن، في سوريا، التي ترنم بها ذلك الرجل، تفرض علينا أن نعاجله بوابل من الأسئلة الملحة؟ أين سوريا أصلًا؟ هل هي موحدة؟ هل يتمتع كل مَن يتمتع بصفة “مواطن سوري” بما يكفي من الحرية للاعتراض على شكل نظام الحكم الانتقالي القائم؟ هل يستطيع المواطن “السوري” أن يطالب السلطة بتسريح المقاتلين الأجانب من مناصبهم، أي أن يتبنى نفس مطالب أمريكا ومجلس الأمن؟ مَن مِن المواطنين السوريين، أبناء الأقليات، يستطيع أن يعترض على تسليم المفاصل الرئيسة في الدولة لأفراد من أسرة رئيس المرحلة الانتقالية؟
دعك من مناقشة هذا الموضوع الشائك، أقصد الحديث عن غياب الحرية فيما يتعلق بأفراد السلطة، ففي أيام الأسد كانت أي إشارة، أو غمزة، نحو استئثار عائلة الأسد بمقدرات البلاد، تودي بصاحبها، وإنني أذكر جيدًا، أن الصحفي عبد الكريم أبازيد، دعاني، في أحد الأيام من سنة 2007، إلى غداء فريكة مع دجاج، في بيته، وبعد الغداء، اقترح علي أن نزور الدكتور عارف دليلة، الذي خرج من المعتقل قبل أيام، بعدما أمضى فيه سبع سنوات، وزرناه، بالفعل، في بيته الصغير، المتواضع، وخلال جلسة قصيرة، مع كأس من الشاي، فهمنا قصته، وهي أنه، في سنة 2000، وخلال محاضرة في الثلاثاء الاقتصادي، اعترض على استئثار رامي مخلوف، بإيرادات الخليوي، واقترح أن تمتلكه الدولة، وتدخل إيراداته في الخزينة العامة، ولأجل اعتقاله، قفزت سلطة الأسد فوق القوانين، وطبقت عليه المحاكم الاستثنائية، ذات التهم المضحكة، من قبيل: محاربة النظام الاشتراكي، والتفكير بقلب نظام الحكم، وتشكيل تنظيم مسلح، وجمعوا له الأحكام لتصل إلى عشر سنوات، وبعد سبع سنوات، منحوه عفوًا رئاسيًا، بسبب وضعه الصحي! والطريف في الأمر، الطريف للغاية، أنهم لم يسألوه، ولا مرة، عن موضوع الخليوي الذي سجن من أجله!
الإعلاميون الذين يزعمون أن سقف الحرية المتوفر في سوريا، اليوم، مرتفع جدًا، كثيرون، بمعنى أنهم تحولوا إلى نموذج شائع.. أعتقد أن بعضهم طيب القلب، يقيس الحرية بإحساسه، لا بعقله، فربما شعر، بعد 8 من كانون الأول 2024، أن الخلاص من نظام الأسد، وحده، نوع من الحرية، غير المسبوقة، ولم يتمكن من قراءة المشهد بكليته.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي
