اخر الاخبار

“يوم الحساب”.. رواية لتوثيق التاريخ السوري

في روايته “يوم الحساب”، يغوص الأديب فواز حداد في الواقع السوري المؤلم خلال العقد الثاني من القرن الحالي.

يوحي اسم الرواية الصادرة عن دار “رياض الريس” في العام 2021، في البداية بالمعتقد الديني الذي يحمله الكثيرون في وجدانهم، وبأن لكل إنسان يوم حساب لكل ما اقترفه من أفعال وأقوال، لكن وفي العمق، تتكشف فيها الرؤى للحساب، كل بحسب وجهة نظره.

هنالك حساب مختلف بحسب شخصيات الرواية، حساب للمعارضين في غرف التحقيق الأمنية من وجهة نظر الموالين للنظام الحاكم في سوريا، كما أن هنالك حسابًا للقتلة والمجرمين في هذا النظام من وجهة نظر المعارضين له.

و”هو حساب، أو لنقل مراجعة للثورة والمعارضة” كما جاء على لسان بطل الرواية.

ركزت الرواية على الجرائم التي اُرتكبت في سوريا وكثير من الانتهاكات التي طالت أفراد المجتمع، ومزجت حياتهم بألوان من العذابات التي تعد ولا تحصى، وربما الإيمان المطلق بحتمية الثواب والعقاب، وهذا ما يشي به عنوان الرواية، هذا الإيمان كان من الأسباب التي خلقت الدافع الكبير من أجل استمرار الحياة رغم آلامها في نفوس ضحايا الجرائم المرتكبة.

199 صفحة من الرواية حملت في طياتها الجدل بين الشخصيات وتعاطيها مع الأحداث بأزمنتها وأمكنتها، والسير نحو الأهوال والتحولات والمصاير.

تُحرض الرواية اختلاجات في المشاعر التي تترك وقعًا عارمًا في النفس، وتكشف خباياها سواء إن كان نبلًا صرفًا، أم دناءة بحتة، وربما تستطيع إحداث التأثير بأكبر مقدار من الحجة والإقناع، وخلق تحول كبير في عمق النفس البشرية.

تتناول الرواية السردية التي روجها النظام السوري على أنه “حامي الأقليات”، لتدحض هذه المقولة ولكن بشكل متعمق، عن طريق تفاعل الشخصيات من كافة الطوائف مع الثورة السورية، والشكل الذي وصلت إليه مدينة دمشق، التي لم تعد المدينة الآمنة بل تحولت إلى معسكر اعتقال مفتوح.

لقد تناولت الخوف العميق من الحواجز والزنزانات، والهرب بعيدًا عن أعين المخبرين و”الشبيحة”.

العاصمة السورية وريفها بجميع سكانهما، ومن جميع الطوائف ينال منهم التمزق والتشرذم، ليصبح الوطن عذابًا لضحاياه جميعًا، وتصبح قضية الوطن خاسرة، لابل إن ثورة الناس صودرت وغُدر بها.

شخصيات الرواية نالتها الأزمات وعلى رأسها شخصية “حسان” الذي جسد وجه الثورة، ووجه المعارضة المشتتة التي تسرب إليها اليأس والإحباط.

“حسان”، وفي أوج أزماته وفوضى حياته العائلية والعاطفية، يتلقى مكالمة هاتفية من صديقه المهاجر إلى فرنسا، يطلب منه تقديم المساعدة لأستاذة في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة “باريس” تحمل الجنسية الفرنسية من أصول سورية، ستأتي إلى سوريا في “قضية عادلة”.

الأستاذة واسمها “رحاب”، والتي يلتقيها في مقهى “النوفرة” بدمشق، سيتبين أن قضيتها العادلة هي تقصي مصير أحد طلابها السوريين الذي عاد إلى سوريا، واختفى بعد ذلك ومضى على اختفائه ست سنوات.

يدعى الشاب المختفي “جورج”، لتدخل رحاب بعدها في رحلة من البحث والتعرف إلى النظام من الناحية الأمنية، ولتتشابك الأحداث فيما بعد مع شخصيات الرواية في تلك القضية.

“جورج” المسيحي كان انخرط في إحدى المظاهرات السلمية وأصيب برصاص الأمن، يحاول صديقه “أحمد” المسلم إنقاذه لكنه يصاب هو الآخر، ثم بوابل من الرصاص يموت الاثنان، ويُنتشل جثماناهما من قبل الثوار ويدفنان في مقبرة المسلمين.

ربما كان من أبلغ العبارات تعريف الراوي عن نفسه بالقول، “أنا شخص ميت في حماية شهيد، لن أذكر اسمي الحقيقي، الإعلان عنه سيرهن مصيري لمحاكمة لن تطول أكثر من دقيقة أو دقيقتين في سجن صيدنايا، قبلها أبصم على ورقة، ربما كانت اعترافاتي، ستكون شهادة وفاتي وأنتظر معصوب العينين تعليق مشنقتي في المبنى الأبيض”.

عبارة تثير الفضول والترقب والدهشة والأسئلة حول الإشكالية المريبة في هوية بطل الرواية، التي تختزل الهلع الذي يسكن قلب الإنسان السوري، والتي ستجيب عنها الحبكة المطبقة في بنية الرواية.

“يوم الحساب” للروائي السوري فواز حداد ليست رواية للأحزان والآلام وتحدي العيش فحسب، رغم أن الثورة “انهزمت لكنها كانت انتصارًا مؤلمًا”، إنها رواية لتوثيق التاريخ السوري.

المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *