داخل صالة المصرف العقاري المخصصة للصرافات، القريبة من ساحة يوسف العظمة (المحافظة) وسط دمشق، يصطف آلاف المواطنين يوميًا ضمن أدوار ما يقارب عشرة صرافات، على أمل الحصول على تعويضهم الشهري.
تخترق صفوف الصرافات الأولى (خصصت حديثًا للنساء) الباب الخارجي لتشغل الرصيف القريب من المصرف، وربما يطول انتظار بعضهم إلى ثلاث ساعات، قبل أن يصله الدور، في حال لم يجبره التعب على ترك مكانه في الدور، وتكرار المحاولة في الأيام التالية.
بين نصف إلى ثلثي الموجودين، تجاوزت أعمارهم الـ60 عامًا، أي من فئة المتقاعدين في سوريا، وفق المشاهدة البصرية لمراسلة، التي انتظرت، في 25 من حزيران، حوالي أربع ساعات حتى وصول دورها للحصول على راتب أبيها السبيعني، الحاصل على تقاعده من الوظيفة العامة في عام 2009.
أتساءل في كل مرة آتي للحصول على راتب جدي المتقاعد، كيف كان يتمكن تحمل كل هذا العناء سابقًا، أستطيع رؤية الذل والندم على سنوات خدمتهم في القطاع العام من خلال تفاصيل وجوه كبار العمر في أرجاء الصالة.
سناء أحمد ممرضة لبنانية، لأم سورية، قدمت إلى سوريا بعد أحداث صيف 2024 في لبنان |
راتب ومنحة وصراف بطيء
يتقاضى المتقاعدون في سوريا ما يقارب حوالي 300 ألف ليرة سورية، كتعويض شهري عن سنوات خدمتهم في القطاع الحكومي قبل الوصول إلى التقاعد، واختلفت مواعيد حصولهم عليه بعد سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024.
صادف منح راتب حزيران صدور منحة رئاسية بقيمة 300 ألف ليرة سورية، بمناسبة عيد الأضحى، الفرحة التي أُطرت بالمعاناة، فلا يمكن الوقوف ضمن أفواج المنتظرين، دون سماعك “أفأفة” من هنا وهناك، حول الفترة الزمنية الذي يستغرقه الصراف بين لحظة وضع البطاقة المصرفية في مكانها وحتى حصولك على المبلغ الكامل المخصص لك.
واستغرق الوقت للحصول على مبلغ 600 ألف ليرة سورية (راتب ومنحة)، حوالي خمس دقائق كعملية تقنية، على ثلاث دفعات، إذ لا يسمح بسحب أكثر من مئتي ألف ليرة سورية، في كل عملية سحب، وفي أحيان كثيرة يتولى أحد الموجودين عملية السحب عن البقية لاختصار الوقت الذي يستهلكه كبار العمر للتعامل مع الصراف والحصول على مرتبهم.
هذه المرة الثالثة، خلال هذا الشهر، في المرتين السابقتين اضطررت للعودة فارغة اليدين، لا أتحمل الوقوف لساعات طويلة، وتقف أمراضي الناتجة عن عملي كمدرسة سابقة عائقًا أمام حصولي على ثمنها، أحمد الله أني ما زلت قادرة على إعطاء الدروس الخاصة، لتدبير أموري.
فدوى محمد مدرسة رياضيات متقاعدة، في مدارس ريف دمشق الغربي |
انتظار يكلله الشجار والدعوات
العرف السائد ضمن صالة الصرافات “يمنع استخدام أكثر من بطاقة واحدة للقبض”، وفي حال حاول أحدهم “الاحتيال” للحصول على مخصصات بطاقة ثانية، تتعالى الأصوات ضمن الصالة مستنكرة هذا التصرف، ومانعة له.
عاينت مراسلة حوالي سبعة شجارات خلال فترة انتظارها، منها اثنان وصلا إلى حد الإبعاد باستخدام الأيادي والدفع بشكل “عدواني”، كما تم استخدام بعض الألفاظ “النابية” كتعبير عن الغضب والحاجة والخوف من انتهاء الكتلة النقدية داخل الصراف، مما يزيد فترة الانتظار، ريثما يأتي الموظف المعني ويقوم بتعبئته مرة أخرى، وفي أماكن أخرى بعيدة عن المركز الرئيس، تتوزع فيها الصرافات، يزداد الوضع “خطورة” نتيجة انقطاع التيار الكهربائي بشكل مفاجئ دون وجود وقت محدد لعدد ساعات القطع.
ويبدأ صاحب الحظ الذي اقترب دوره بتلاوة بعض من الآيات القرآنية، والنطق ببعض الدعوات أملًا في عدم توقف الصراف عن صرف الأموال قبل وصول دوره نتيجة عطل ما، أو قطع كهربائي، أو خلوه من الأموال، في حين تتكرر الدعوات بالسلامة والرزق، من قبل المنتظرين، لمن سحب رصيده، ويرد الأخير “الحمد لله، وأخيرًا، عقبالكم يارب”.
لا تقتصر الشجارات والألفاظ النابية على الرجال دون النساء، في هذه الصالة ينسى الجميع نوع جنسه وصفاته، في سبيل الحصول على تعويضه الشهري، بالرغم من قيمته النقدية الضعيفة، فهي تسد بعضًا من حاجياتهم كالدواء والخبز، ومنهم لا يملك موردًا ماليًا غير هذا الراتب ليعتاش به، الخوف من العودة دونه يحولهم لأشخاص عدائيين، فصاحب الحاجة أرعن.
أحمد صالح موظف حكومي حالي، وقف أمام أحد الصرافات ليساعد الرجال الكبار، بينما يأتي دوره |
مخاوف مرتقبة بعد الزيادة.. شكوك بالوعود الحكومية
في 22 من حزيران، صدر مرسوم ينص على زيادة بنسبة 200% على الرواتب شملت المتقاعدين ومن هم على رأس عملهم، وفي عملية حسابية بسيطة، يصل راتب المتقاعد إلى 900 ألف ليرة سورية، إلا أن العملية المعقدة كانت كيف سيكلف هذا المبلغ من جهد وانتظار ليتم الحصول عليه، في حين لا يسمح للشخص بسحب أكثر من 600 ألف ليرة في الأسبوع الواحد.
ورغم الوعود الحكومية التي نصت على تسهيلات مقبلة لطرق الحصول على الراتب، شكك بعض الذين التقتهم مراسلة، بمدى مصداقية الوعود، في ظل ما يعانيه واقع سوريا في الفترة الحالية، إذ لم يروا أي بدائل يمكن أن تسهل هذا العملية إلا زيادة عدد الصرافات وتوزيعها في مناطق الأرياف، وتبديلها بصرافات أكثر تطورًا وسرعة، أو وضع آلة بجانب كل صراف، تعطي رقم الدور، ليتمكنوا من ترك مواقعهم والعودة بعد مدة يتم تقديرها حسب ترتيب الدور، مما يخفف الازدحام، ويسهل على القادمين من مناطق بعيدة، لاستغلال أوقات انتظارهم بقضاء أعمالهم الأخرى وجلب حاجياتهم ريثما يأتي موعد دورهم.
ويحصل المتقاعدون في سوريا على تعويضهم الشهري، عبر ثلاث طرق، إما صرافات المصرف العقاري أو التجاري، أو عبر الكوات الموجودة في مراكز البريد التابعة لوزارة الاتصالات والمخصصة لصرف الرواتب.
دمشق.. موظفون يعانون للحصول على رواتب
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي