اخر الاخبار

100 ساعة لترمب في البيت الأبيض.. وجه جديد لأميركا

لخمس دقائق، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مدينة آشفيل بولاية نورث كارولاينا يستمع لسيدة خمسينية، تسرد له ما مرت به مع جيرانها خلال إعصار “هيلين”، الذي ضرب المنطقة في سبتمبر الماضي.

هز ترمب رأسه مرة نزولاً، ومرة يميناً باتجاه زوجته ميلانيا، عندما أخذت المرأة تتحدث عن أداء وكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية المعروفة اختصاراً باسم “فيما”.

خمس دقائق أصغى فيها ترمب بعناية قبل أن يحتضن السيدة متعاطفاً، وتعهد بأنه سيعيد بناء المنطقة، مُجدداً إلقاء اللوم على سلفه جو بايدن في “سوء إدارة” الكارثة، من دون أن تنجو “فيما” تماماً منه.

“نسخة جديدة” من ترمب

ليس جديداً على ترمب الاستثمارُ في السياسة، لكن أيضاً ليس جديداً عليه اللعبُ في تلك المساحات الفارغة أو المنسية. فلمن يريد أن يتعرف عليه بعيداً عن انتقاد الإعلام، ليس عليه إلا أن يشاهد وثائقي المخرج الأميركي مايكل مور Fahrenheit 11/9 -وليس Fahrenheit 9/11- الذي يعطي فكرة عما سبق دخول ترمب إلى عالم السياسية، والتناقض في طريقة إدارة الأمور بينه وبين المؤسسة التي حكمت واشنطن على مدار قرنين ونصف القرن، وابتعدت عن هموم من يقولون عن ترمب “هو واحد منا”.

لكن الجديد أو النسخة الثانية من ترمب في البيت الأبيض هو الخطاب “الاستعماري”، الذي اتخذ سياقاً رسمياً في خطاب التنصيب، مستمداً من الدين ومن تعبير تاريخي يعود للقرن التاسع عشر، لتبرير طموحاته في كل من جرينلاند وبنما.

رحلة ترمب إلى كارولاينا الشمالية، ومنها إلى لوس أنجلوس في كاليفورنيا، لتفقد المناطق التي تضررت من جراء الحرائق الغابات، كانت آخر ما قام به قبل عطلة نهاية أسبوعه الأول، الذي ربما سيكون أكثر أسبوع أول حافل لرئيس أميركي بعد تسلّمه منصبه.

فبعد ست ساعات ونصف من تسلّمه منصبه، جلس على مكتبه البيضاوي محاطاً بالصحافيين يجيب على أسئلتهم لمدة 40 دقيقة، ويوقع عشرات الأوامر والإجراءات التنفيذية، لتنفيذ أجندته التي وعد بها خلال حملته الانتخابية.

عفو عن “رهائن 6 يناير”

وبعيداً عن رمزية الصورة التي سيسهب المؤرخون في تفكيك رموز رسائلها ومعانيها، كان من بين أولى الأوامر التنفيذية التي اتخذها ترمب العفو عن قرابة 1500 شخص من المتهمين بلعب دور في أحداث السادس من يناير 2021.
 
والسادس من يناير، لمن لا يتذكر، هو اليوم الذي اقتحم فيه أنصار لترمب مبنى الكابيتول في محاولة لوقف عمل المشرعين، ومنع التصديق على نتائج انتخابات عام 2020، التي فاز فيها جو بايدن.

ونتيجة لأمر ترمب التنفيذي، تم الإفراج عن شخصيات جدلية من أمثال زعيمي جماعتي “حراس القسم” (Oath Keepers)، و”الصبية الفخورين” (Proud Boys) اليمينيتين والمتهمين بـ”مؤامرة تحريضية لتقويض سلطة الحكومة الأميركية”، والمحكوم عليهما بالسجن 20 عاماً و18 عاماً.

وكان ترمب وعد بالإفراج عن بعض الأشخاص، الذين توّرطوا بأحداث السادس من يناير، إلا أنه قال إنه سينظر إلى كل حالة على حدا، وسط توقعات بأنه كان سيبتعد عن الإفراج عن أشخاص قاموا بأعمال عنف.

لكن الرئيس الأميركي رد على أسئلة الصحافيين أكثر من مرة بأن هؤلاء الأشخاص الذين وصفهم بأنهم “رهائن 6 يناير”، أدوا عقوبة بالسجن أكثر من غيرهم مستحضراً قرار سلفه جو بايدن بالعفو عن كل أفراد عائلته.

وبالحديث عن جو بايدن، اعتبر ترمب في مقابلة تلفزيونية أنه “من المحزن أن بايدن لم يصدر عفواً عن نفسه” في تصريح اعتُبر بمثابة تهديد مبطن. وبما أن بايدن يعتبر محصناً، نظراً لقرار المحكمة العليا بمنح الرؤساء حصانة مؤقتة لأفعال قاموا بها خلال توليهم السلطة، إلا أن ثمة من اعتبر أنه يمكن للرئيس الحالي دونالد ترمب اللجوءُ إلى تاريخ بايدن قبل الرئاسة وملاحقته إذا أراد؛ لكن ذلك يبقى في إطار التحليل، وإن كان كلام ترمب حمال أوجه.

وفي سياق ليس بعيد، اتخذ ترمب قرارات بنزع الحماية الأمنية عن كل من مستشاره للأمن القومي سابقاً جون بولتون، ووزير خارجيته السابق مايك بومبيو، ومبعوثه السابق إلى إيران برايان هوك الذين تلقوا إشعارات من الاستخبارات الأميركية بأنهم مهددون بعمليات اغتيال على الأراضي الأميركية من قبل إيران، ما دفع الإدارة السابقة إلى توفير حماية لهم. كما أزال ترمب الحماية أيضاً عن أنتوني فاوتشي، المستشار الطبي السابق للبيت الأبيض.

وبحسب معلومات لشبكة CNN، فإن قرارات رفع الحماية الأمنية، اتخذها ترمب قبل وصوله إلى البيت الأبيض. 

محاولة “لكتابة التاريخ”

واعتبر محللون الخطوتين تكريساً لمرحلة جديدة ترسي الكلمة للموالين لترمب ومحاولة كتابة التاريخ بشكل مختلف، خصوصاً أن ترمب لطالما وصف يوم السادس من يناير، الذي قام فيه مئات الأشخاص باقتحام مبنى الكابيتول لمنع المصادقة على فوز جو بايدن في عام 2021، بـ”يوم حب”.

يشار إلى أن ترمب لا يزال حتى اللحظة يعتبر أنه هو الذي فاز في انتخابات عام 2020.

وفي أخبار أقل ارتباطاً بشخص ترمب، أصدر الرئيس الأميركي قراراً بإلغاء كل برامج التنوع والإدماج في الإدارات الحكومية، وتم إبلاغ كل الموظفين الذين تم توظيفهم على هذا الأساس بأنهم في إجازة مدفوعة بدءاً من الخامسة عصر، الأربعاء، الموافق 22 من يناير.

وكان ترمب أعلن خلال خطاب تنصيبه في مبنى الكابيتول، أن الولايات المتحدة ستعتمد سياسة عدم التمييز على أساس اللون، وتتبنى الكفاءة معياراً، وهو أمر يعتبر كثر أن التنوع سيكون نتاجاً عضوياً له، لكنه سيأخذ وقتاً مشيرين إلى العنصرية التي يقولون إنها لا تزال تشكل تحدياً.

أما القرارات والأوامر التنفيذية المتعلقة بالهجرة، فقد حظيت بنصيب الأسد في سبحة الأوراق الموقعة على المكتب البيضاوي، والإجراءات التي تلتها.

ملفات الهجرة والمناخ والطاقة

وكانت الهجرة عنواناً رئيساً في حملة ترمب الانتخابية، إذ اعتبر أن الولايات المتحدة تتعرض لغزو أجنبي من الحدود الجنوبية، وأن دول العالم تفرغ سجونها من القتلة، وترسلهم إلى الولايات المتحدة.

وبعد إعلان حال الطوارئ الوطنية على الحدود، وجّه ترمب بإرسال 1500 جندي للمشاركة في عمليات حماية تلك الحدود، وأطلق العنان لأكبر عملية ترحيل للمهاجرين غير الشرعيين من المدن الرئيسية، حيث شاركت طائرات القوات الجوية في عمليات الترحيل للمرة الأولى منذ ولاية الرئيس الأميركي الراحل دوايت أيزنهاور. كما صنف عصابات المخدرات التي تعمل على استقدام اللاجئين من أميركا اللاتينية على أنها “منظمات إرهابية”.

ووقّع ترمب أمراً تنفيذياً يلغي حق الجنسية الأميركية للأطفال، الذي يولدون على التراب الأميركي لمهاجرين غير شرعيين، أو لأب وأم يتواجدان بشكل مؤقت في الولايات المتحدة. 

وعلى الرغم من وقف قاض فيدرالي للقرار بحكم أنه غير دستوري، إلا أن ترمب الذي لم يقل إن القرار دستورياً، أشار إلى أنه سيستأنف حكم القاضي، وسط توقعات بأن تكون الكلمة الفصل للمحكمة العليا.

وفي ملف الهجرة أيضاً، أوقفت الخارجية الأميركية رحلات مقررة للآلاف ممن قبلت طلبات لجوئهم، بعدما أعلن الرئيس ترمب تعليق العمل ببرامج اللجوء.

أما فيما يتعلّق بملف الطاقة، كانت بالطبع أبرز القرارات التي اتخذها ترمب الانسحاب من اتفاق باريس للمناخ، وإعلان حالة الطوارئ فيما يتعلق بالطاقة، مما يمنح إدارته صلاحيات لتسريع الموافقات على مشاريع البنية التحتية للوقود الأحفوري والطاقة النووية والمعادن، وليس الطاقة الشمسية.

كما اتخذ أمراً تنفيذياً شاملاً، يبدأ عملية تخفيف القيود على إنتاج النفط والغاز، بما يهدف إلى جعل أسعار الطاقة أقل، ورفع القيود عن إنتاج النفط والغاز والمعادن في ألاسكا، وفرض قيوداً على تطوير طاقة الرياح.

وفيما يريد ترمب من كل ذلك خفض أسعار الطاقة، إلا أن تهديده بإمكانية فرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك على خلفية استمرار دخول مخدر الفنتانيل إلى الولايات المتحدة في الأول من فبراير المقبل، قد يرفع أسعار الطاقة مجدداً.

ولطالما كرر ترمب هذا الوعد خلال حملته الانتخابية تحت شعار: “احفر يا حبيبي احفر”، منتقداً أداء إدارة بايدن والديمقراطيين في هذا القطاع.

السياسة الخارجية

على الساحة الدولية، كان أول اتصال يجريه ترمب مع زعيم دولة أجنبية هو مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وذلك بعد دقائق من إعلانه قرار إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية.

وتعهد ترمب بالعمل مع الشركاء في الشرق الأوسط للقضاء على قدرات الجماعة المقربة من إيران، فيما أبقى الباب مفتوحاً لحل يتجنب الحرب مع إيران، لتحقيق هدفه بعدم حصولهم على سلاح نووي.

كما أعلن فريقه العمل على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار الحالي بين لبنان وإسرائيل لفترة مؤقتة وقصيرة، وسبق ذلك رفع الحظر عن إرسال قنابل تزن ألفي رطل إلى إسرائيل، كما ألغى العقوبات عن مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية.

وخلال كلمة له عبر الفيديو أمام منتدى “دافوس” الاقتصادي، أعلن ترمب عن نيته لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين لحل الأزمة الأوكرانية، بعدما كان قد هدد بفرض عقوبات على روسيا، حال لم تقبل التفاوض.

أما بالنسبة للصين وخلافاً لما توقعه كثر، فإن لهجة ترمب منذ تنصيبه بدت مخففة جداً. فعلى الرغم من إعلان نيته فرض رسوم جمركية بقيمة 10% على المنتجات الصينية، إلا أن ذلك أقل بكثير من رقم 60% الذي لطالما هدد به.

كما أعرب ترمب عن أمله خلال كلمته أمام منتدى “دافوس” بأن تساعد الصين الولايات المتحدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا، وقال عن نظيره الصيني شي جين بينج “لطالما أحببته”.

وكان ترمب أجرى اتصالاً مع نظيره الصيني قبل أيام من تنصيبه، ناقش خلاله مسائل التجارة، والفنتانيل، وتطبيق “تيك توك”.

وكان ترمب، الذي أعاد مجدداً سحب بلاده من منظمة الصحة العالمية، غادر ولايته الأولى بخطاب حاد تجاه الصين، ولطالما أطلق على فيروس كورونا، اسم “الفيروس الصيني”.

وبالطبع، من بين القرارات الأكثر إثارة، هي قراره بإعادة “تيك توك” خلافاً لرغبة المشرعين الجمهوريين الصقور من أمثال توم كوتون، الذين يعتبرون التطبيق تهديداً صينياً للأمن القومي الأميركي.
 
لكن يبدو أن ترمب يعمل بجد على صفقة لشراء “تيك توك” من قبل رجل أعمال أميركي، فيما تردد اسم إيلون ماسك مراراً بهذا الصدد.

وفيما يتعلّق بأوروبا، طالب ترمب الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي “الناتو” بزيادة نسبة الإنفاق الدفاعي لتصبح 5% من إجمالي الناتج المحلي لتلك الدول، علماً أن الولايات المتحدة تنفق ما نسبته 3.37% من إجمالي ناتجها المحلي، بحسب أرقام عام 2021؛ الأمر الذي يعني أنه يتعين على واشنطن زيادة قرابة تريليون وثلاثمائة وخمسين مليون دولار على إنفاقها الدفاعي.

“دراما” على المسرح الدولي

لكن الأسبوع لم يخلُ من الدراما على المسرح الدولي، إذ سلمت سفيرة بنما لدى الأمم المتحدة رسالة إلى مجلس الأمن تعلن فيها رفض بنما للتصريحات التي أدلى بها ترمب عن قناة بنما، مشيرة إلى أن القناة ستبقى تحت سلطة بنما، وهو ما قاله رئيس بنما في منشور على “إكس”.
 
وستكون بنما أول محطة لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في أول رحلة خارجية له. كما أن من بين أولى الاتصالات التي أجراها روبيو، اتصالاً مع وزير خارجية الدنمارك التي تملك جرينلاند، محط أنظار ترمب الذي اعتبرها مهمة لأمن الولايات المتحدة القومي.

وكان ترمب قال في خطاب التنصيب، إن الولايات المتحدة سوف تعود لاعتبار نفسها دولة نامية، تزيد من ثرواتها وتوسيع أراضيها تسعى إلى تحقيق “قدرها المتجلي” نحو النجوم.

و”القدر المتجلي” (Manifest destiny)، فكرة تعتبر أن للولايات المتحدة حقاً إلهياً في التوسع غرباً، واستخدمها صحافي يدعى جون أوسوليفان في القرن التاسع عشر، لتبرير الاستحواذ على كل من أوريجون، وتكساس، ونيو مكسيكو، وكاليفورنيا، وألاسكا، وهاواي، ولخوض الحرب مع المكسيك.

لكن كل هذه القرارات والإجراءات التي تكللت بصورة بين ترمب وحاكم ولاية كاليفورنيا، لدى وصول ترمب إلى لوس أنجلوس إلا أن ما قد يشكل العنوان الأبرز للساعات المائة الأولى لولاية رجل العقارات الثانية، هي إيلون ماسك، رجل الظل الذي حاول اتخاذ مكتب في بناية أيزنهاور، مستهلاً عمله على رأس إدارة “الكفاءة الحكومية”، التي أطلقها ترمب لخفض الإنفاق.

إلا أن ما شغل الإعلام هو “الغيظ”، الذي أظهره ماسك بعد صورة ترمب مع الرؤساء التنفيذيين لكل من شركة OpenAI سام ألتمان، وSoftBank ماسايوتشي سون، وشركة أوراكل لاري أليسون، خلال إطلاق استثمار بقيمة 400 مليار دولار لشركة “ستارجيت”، التي ستتولى بناء البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

وفيما تتجه الأنظار على المدى القصير إلى اجتماع الفيدرالي المركزي الأسبوع المقبل، لتلمس قدرات ترمب عملياً، لاح في الأفق أمر يستحق المتابعة، للسنوات المقبلة: الحديث عن تعديل دستوري يبقي الرجل الأشقر في البيت الأبيض إلى ما بعد 2028، فهل يحدث؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *