على أرض معرض بغداد الدولي، انطلقت الدورة السادسة من “معرض العراق الدولي للكتاب”، التي تنظّمها مؤسسة المدى للثقافة والفنون بين 3 والثالث و13 ديسمبر، حاملة عنوان “100 نون عراقية”.
يفتح هذا العنوان الباب لقراءة جديدة في حضور المرأة العراقية عبر مئة عام، ويعيد تثبيت دورها في قلب المشهد الثقافي والفني.
تحتفي هذه الدورة بمئة امرأة عراقية شكلن علامات فارقة في مجالات الفكر والفن والسياسة والإبداع، وتركن بصمات لا تُمحى على امتداد قرن كامل من التاريخ الحديث.
تبدأ القائمة بنازك الملائكة، رائدة الشعر الحرّ وأحد أهم الأصوات التي غيّرت مسار الشعر العربي. تليها زهية الدليمي أول وزيرة عراقية ورمز مبكر لحضور المرأة في الحياة العامة. ثم سليمة مراد بصوتها البغدادي الذي أصبح جزءاً من الذاكرة الموسيقية العراقية. كذلك زها حديد التي حملت العمارة العراقية إلى العالمية بأسلوبها الأنثوي الفريد.
وفي إشارة بصرية مكثفة لهذا الحضور، اختارت إدارة المعرض منحوتة “الأمومة” لجواد سليم، أيقونة لدورته الحالية؛ العمل الذي أنجزه النحّات عام 1954 بوصفه مقاربة تجريدية عميقة لفكرة الاحتواء.
يظهر القوس الهلالي في المنحوتة كحضن، تتدلى من داخله كرة صغيرة توحي بطفل أو بذرة حياة تتشكل. حيث يحوّل جواد سليم عبر هذا التكوين، الأم إلى نقطة التوازن الأولى، والمركز الكوني الذي يحتضن الحياة.
يشهد المعرض مشاركة واسعة تجاوزت 450 دار نشر من 23 دولة، عربية وعراقية وأجنبية، تحمل معها ما يزيد عن مليون عنوان، وأكثر من مئات الإصدارات الجديدة لعام 2025.
وقال مدير عام شركة المعارض العراقية، مصطفى نزار العاني، أن هذه النسخة ستكون واحدة من أكثر النسخ تنوعاً من حيث المشاركات والندوات والفعاليات.
وفي لفتة ترويجية لقيت تفاعلاً كبيراً، اعتمدت الدورة السادسة مجموعة من الفيديوهات الترويجية القصيرة، تجسّد فكرة “غياب المرأة”، عبر إظهار اختفائها من معالم بغداد الشهيرة، مثل “نصب الحرية”، “كهرمانة”، “تمثال بغداد”، “جدارية فائق حسن”، “شهريار وشهرزاد”.
وجاءت هذه المقاربة لإظهار الأثر العميق الذي يخلّفه غياب المرأة عن الفضاء العام، وللتأكيد على حضورها الذي لا تستقيم الحياة الثقافية من دونه.
يمتد الحضور إلى صبيحة الشيخ أحمد، أول قاضية في العراق والعالم العربي. كذلك لميعة عباس عمارة، إحدى أبرز الشاعرات اللواتي تركن أثراً كبيراً في الشعر الحديث. وعالية باقر أمينة مكتبة البصرة، التي صانت تراث مدينتها في لحظات عصيبة.
والناشطة أمية الجبارة التي عُرفت بموقفها الشجاع في مواجهة التهديدات الأمنية في منطقتها. وابتسام عبد الله التي أسهمت في ترسيخ حضور المرأة في عالم الصحافة والترجمة. وتكتمل القائمة ببولينا حسون، صاحبة المبادرة الأولى في رفع صوت المرأة عبر الصحافة العراقية، إلى جانب أسماء أخرى كثيرة تعكس مئة عام من حضور نسوي فعّال أسهم في صياغة الهوية الثقافية والفكرية للعراق.
كما يستضيف المعرض مجموعة من الكاتبات العربيات اللواتي يسهمن بإثراء الحوار الثقافي عبر الندوات واللقاءات المفتوحة، من بينهن إيمان مرسال من مصر، وريم الكمالي من الإمارات، ودانه دموه من الكويت، وجليلة السيد من البحرين.
ويواصل المعرض هذا العام تكريس حضوره عبر احتفاء واسع بالمرأة، يبدو واضحاً في برنامج ثقافي موزع بعناية على أيامه. حيث تشكل القراءات الشعرية التي يشارك فيها عدد من الشاعرات والشعراء العراقيين محطة بارزة في هذا الاحتفال.
فيما ينظّم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق 9 ندوات مكرّسة للمرأة، تبحث حضورها في الأدب والنقد، وتتوقف عند قضاياها الراهنة. وعلى مدى أيام المعرض، تواصل الجهة الراعية تنظيم سلسلة من الندوات واللقاءات مع الضيوف.
في نسخة هذا العام، يحتفظ المعرض بتقليده المحبوب عبر استحضار نسخة مصغّرة من شارع المتنبي. حيث تجتمع مكتبات عامة ودور نشر صغيرة لا تسمح لها إمكاناتها بتحمل تكاليف الأجنحة الكبيرة، فتجد في هذه الأركان الصغيرة مساحة لعرض إصداراتها وكتبها، بين الجديد والمستعمل والنادر.
وفي خطوة جديدة، استحدثت إدارة المعرض جناحاً خاصاً داخل الصالة الرئيسية، أطلقت عليه أيضاً اسم “شارع المتنبي”، ضم عدداً من دور النشر ومساحات مخصصة لاستراحة الزوّار، ليكون الامتداد الداخلي لشارع لا يغيب عن ذاكرة بغداد.
ومع انتقال الزائر بين أجنحة المعرض، تبرز أمامه بانوراما بصرية تضم 100 صورة جدارية لنساء عراقيات مبدعات في مجالات الأدب والفن والعلم. تُعرض بشكل متسلسل داخل جناح خُصص للاحتفاء بهن، في استعادة لحكايات نساء أسهمن في تشكيل الوعي العراقي عبر أجياله المختلفة.
وقبيل الوصول إلى أروقة المعرض الداخلية، تستوقف الزائر مجموعة من المجسّمات الطولية لنساءٍ صُمّمت بدقة، تجعل حضورها أقرب إلى شخصيات واقفة بالفعل أمامه، مانحة لحظة تأمل عميقة أمام حضور نسوي يجسّد روح هذه الدورة وقيمتها المركزية.
