مر العام الأول على “ردع العدوان”، المعركة التي استمرت 11 يومًا وأطاحت بحكم نظام استمر على سدة الحكم في سوريا لأكثر من 50 عامًا حكمها بالحديد والنار، وثورة استمرت 14 عامًا، قتل خلالها مئات الآلاف تحت القصف أو تغييبًا في السجون، إلى جانب الملايين من المهجرين داخل البلاد وخارجها.
11 يومًا بحساب الأيام، لكنها كانت نتاج سنوات من التحضير والإعداد، كما كشف منفذو العمليات، وسبقتها سنوات أطول، من معارك كر وفر، بين فصائل المعارضة المتعددة، والنظام السوري ومن سانده من دول وميليشيات عبرت الحدود على أسس طائفية ومذهبية.
فاجأت العمليات العالم بسرعتها، بما فيها المخططون والمنفذون لها، الذين توقعوا أن تستمر إلى أشهر على أقل تقدير، لكن البلدات والمدن والمحافظات تساقطت تباعًا كـ”أحجار الدومينو”، في مشهد صادم للقريب والمتابع قبل البعيد غير المطلع.
وتظافرت في هذه المعركة جهود العديد من الفصائل، التي كانت متناحرة فيما بينها، وأوغلت في دماء بعضها البعض، بمعارك بينية فصائلية، راح ضحيتها المئات من عناصرها، على أقل تقدير.
إشاعات لاحقت التحضيرات
قبل أكثر من شهر على انطلاق المعركة، بُثت إشاعات عن عملية عسكرية مرتقبة، تداولها سوريون بغرف على تطبيقي “واتساب” و”تلجرام” واسع الانتشار شمال غربي سوريا، إلا أن هذه الأنباء لم توضح وجهة المعركة ولم تكشف عن أي تفاصيل، بينما سرت معلومات مقابلة تحدثت عن تحضيرات لمعركة عسكرية، سيشنها النظام للسيطرة على إدلب وريفها.
وكثرت التكهنات حول المعركة المرتقبة، حتى اعتبرها محللون ومراقبون آنذاك “دعاية إعلامية”.
وبالرغم من عدم حدوث أي تغيرات على الأرض، فإن الإشاعات أحدثت تأثيرًا في المنطقة، ما دفع بعض المدنيين في مناطق التماس إلى النزوح داخليًا، نحو مناطق أكثر أمنًا.
ولم تكن الإشاعات وحدها السبب الرئيس للنزوح، بل بسبب تصعيد محدود في القصف، لطيران النظام وحليفته روسيا، ما خلف ضحايا مدنيين، في المنطقة الخاضعة لتفاهمات دولية.
ما قصة “العمل العسكري” المحتمل في إدلب
حرب إعلامية أم نتيجة التحضيرات؟
الباحث في “المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع” (مسداد)، معتز السيد، يرى أن الأنباء التي سبقت عملية “ردع العدوان” لم تكن جزءًا من حرب نفسية، بل نتيجة طبيعية للتحضيرات الميدانية واللوجستية التي لا يمكن إخفاؤها بالكامل عند الإعداد لمواجهة بهذا الحجم.
وتطلب الأمر وقتًا طويلًا لإعادة الانتشار، وتأمين خطوط الإمداد، وتنسيق غرف العمليات بين الفصائل، بينما شكلت السرية والمباغتة أحد أهم عوامل نجاح المعركة، بحسب ما قاله الباحث معتز السيد ل.
وقال الباحث إن هذه التحركات كانت مرصودة، خصوصًا من جانب الحليف الروسي للنظام، ما جعل بعض المؤشرات تظهر للعلن.
وأضاف أن مشاهد تحرك الأرتال، وتعزيز المواقع، وتكثيف التدريبات، وإزالة السواتر والألغام من خطوط التماس، كلها دلائل ملموسة على أن معركة وشيكة يجري التحضير لها.
لذلك، فإن تداول الأخبار لم يكن مجرد محاولة للتأثير النفسي على الخصم، بل قراءة واقعية للوضع الميداني القائم، حيث كانت الاستعدادات تسير بخطوات “منهجية” نحو ساعة الصفر، وهو ما منح الفصائل لاحقًا القدرة على تحقيق عنصر المفاجأة والسيطرة على إيقاع المواجهة، أضاف الباحث في “مسداد”.
الأربعاء الحافل.. ساعة الصفر
“إننا في إدارة العمليات العسكرية، وبإرادة لا تلين، وعزم لا ينكسر، نعلن بدء عملية عسكرية لردع العدو، ودحر قواته المحتشدة، وإبعاد نيرانه عن أهلنا”.
هذه الكلمات التي أعلنها المقدم (حينها) حسن عبد الغني، كانت بمثابة البيان “رقم واحد”، والذي لحقه مسمى “إدارة العمليات العسكرية” وهو الاسم الذي جمع معظم فصائل المعارضة في بوتقة واحدة، وأدار دفة الحرب حتى ما بعد إسقاط الأسد، لتنتهي بتشكيل وزارة الدفاع السورية.
ولم تكن تعرف حينها الفصائل المنضوية، إذ لم تكشف “الإدارة” عن أسماء المشاركين، كما جرت العادة في بيانات إطلاق المعارك.
وفي حين أشارت المعطيات إلى أن “هيئة تحرير الشام” كانت على رأس حربة في المعركة، رصدت مشاركة فصائل أخرى من “الجيش الوطني السوري” وعلى رأسها “الجبهة الشامية” بالإضافة إلى “حركة نور الدين الزنكي”.
مقاتلون من فصائل المعارضة يتوجهون إلى ريف حلب الغربي للمشاركة ضمن عملية “ردع العدوان” 27 من تشرين الثاني 2024 (الإعلام العسكري/ لقطة شاشة)
عبد الغني، قال ل حينها، إن العملية “تشارك فيها أغلب فصائل الثورة العاملة في شمال غربي سوريا كاستحقاق ثوري وواجب مرحلي”.
وأضاف عبد الغني، أن “هذا الاستحقاق يقوم على وحدة الصف وجمع الكلمة بين مختلف مكونات الثورة والمجتمع المدني في ريفي إدلب وحلب، ضد النظام الغاشم والميليشيات الإيرانية”.
النظام يصعّد وفصائل تطلق “ردع العدوان” بالشمال السوري
“ردع العدوان”.. عنوان “خادع”
كشف البيان الذي تلاه عبد الغني عن عنوان المعركة، “ردع العدوان”، التي شكلت الوجه الجديد للمنطقة.
“ردع العدوان”، اسم يعده البعض خادعًا، لما حمل من معانٍ تظهر وكأنها عملية محدودة، تهدف إلى العودة لحدود أستانة، والتوسع في الرقعة الخضراء، التي خسرتها المعارضة بين عامي 2018 و2020.
وما جرى من أحداث، كشف أن الهدف كان أبعد من ذلك، نحو “ردع العدو (النظام السوري) إلى خارج حدود الخارطة السورية”، كما عبر المقدم عبد الغني، أيقونة العملية الإعلامية، والناطق باسمها.

المقدم حسن عبد الغني من “إدارة العمليات العسكرية” لـ”ردع العدوان”- 28 من تشرين الثاني 2024 (“إدارة العمليات العسكرية”/ لقطة شاشة)
سيرتها الأولى
صباح الأربعاء ذاك، أعاد إلى أذهان السوريين السيرة الأولى لبدء المعارك العسكرية ضد النظام، وأيقظ في ذاكرتهم أيامًا تعود إلى عامي 2012 و2013، حيث كانت ذروة الحرب، والأيام الذهبية للمعارضة، التي سيطرت حينها على أكثر من نصف مساحة سوريا.
ولم يكن ذلك الصباح مشتعلًا على الجبهات فقط، بل طالت القذائف وصواريخ الطيران السوري والروسي، كما جرت العادة، مناطق المدنيين، لتسقط في دارة عزة في ريف حلب الغربي والمنطقة الصناعية بمدينة إدلب وقريتي القرقور والخربي شمالي حماة.
وتوسع الاستهداف فيما بعد ليطال مناطق جديدة، منها الأتارب وإدلب المدينة، كما نزح سكان المناطق المحاذية لنقاط الاشتباك، نحو مناطق في الداخل، في الساعات الأولى من فجر الأربعاء، وفق ما رصدته حينها.
الرصاصة الأولى في ريف حلب الغربي
أطلقت الرصاصة الأولى في معركة “ردع العدوان” على محور ريف حلب الغربي، انطلاقًا من بلدتي عنجارة وقبتان الجبل، والبلدات والقرى المحيطة بها.
ولم ينتهِ ذلك اليوم، إلا وأحد أكبر المواقع العسكرية في المنطقة، “الفوج 46″، قد أصبح بأيدي مقاتلي “إدارة العمليات العسكرية”، بالإضافة إلى 16 نقطة، مابين قرية وبلدة وقطعة عسكرية، تقدر مساحتها بأكثر من 140 كيلومترًا مربعًا.
وواصلت الفصائل تقدمها في اليوم التالي، لتصل أبواب مدينة حلب، على بعد كيلومترين اثنين، بعد أن قضمت عشرات النقاط من يد النظام، ما بين قطع عسكرية، بعضها يعتبر استراتيجي، إلى جانب بلدات وقرى أبرزها خان العسل.
وفي اليوم الثالث، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” سيطرتها على كامل المنطقة الإدارية لريف حلب الغربي، بعد معارك وصفها المقدم عبد الغني بـ“العنيفة” ضد قوات النظام استمرت لأكثر من 36 ساعة متواصلة.
وصارت الفصائل على مشارف مدينة حلب وقطعت الطريق الدولي “M5”.

مدينة حلب بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها- 30 تشرين الثاني 2024 ( \ ديان جنباز)
هدفان لاختيار المحور
اختيار محور غربي حلب لبدء العملية لم يكن صدفة، وفق ما أفاد به الباحث معتز السيد، بل ارتبط بهدفين رئيسيين “واضحين” منذ البداية.
الهدف الأول يتمثل بأن النظام كثّف التصعيد على هذه الجبهة قبل العملية، مستخدمًا الطيران المسيّر بشكل يومي، ما أدى إلى سقوط عشرات المدنيين في المناطق المحيطة.
وقال الباحث إن هذا الواقع فرض على الفصائل ضرورة الرد في ذات المحور، ليس فقط لوقف الاستهداف المباشر، بل أيضًا لإظهار قدرتها على حماية المدنيين وفرض معادلة ردع جديدة.
والهدف الثاني، بحسب السيد، هو تهديد النظام في حلب الذي يحمل مكاسب سياسية وعسكرية “بالغة الأهمية”.
وأشار إلى أن حلب كانت تمثل مركزًا استراتيجيًا واقتصاديًا للنظام، وأي ضغط على مداخلها الغربية يضعه في موقف دفاعي صعب ويكشف هشاشة قدرته على تأمين أهم مدنه.
ومن الناحية السياسية، فإن فتح المعركة في هذا المحور يرسل رسالة واضحة بأن المعارضة قادرة على نقل المعركة إلى قلب مناطق النظام، ما يعزز موقعها التفاوضي ويمنحها أوراق ضغط إضافية على الطاولة الإقليمية والدولية.
محاور إدلب تدخل على الخط
دخل محور ريف إدلب الشرقي في اليوم الثاني من المعركة، في 28 من تشرين الثاني 2024، انطلاقًا من قرى داديخ وجوباس وكفر بطيخ.
وتوسعت العملية في اليوم الثالث في ريف إدلب الشرقي والجنوبي، ليشمل مناطق جديدة، أبرزها مدينة سراقب الاستراتيجية، الواقعة على طريق حلب- دمشق الدولي، وهي نقطة تقاطع لخطي الـ”M 4″ و” M5″ الدوليين.
وتوالى سقوط المدن والبلدان بشكل متتابع، خلال أيام المعارك الأولى، لتعلن في 30 من تشرين الثاني 2024، السيطرة على كامل الحدود الإدارية لمحافظة إدلب.
حلب.. صباح مختلف
منذ اليوم الأول للمعركة بدا أن “إدارة العمليات العسكرية” تهدف للاقتراب من مدينة حلب، على أقل تقدير، إلا أن تقدمها السريع، وضع السيطرة على المدينة، قاب قوسين أو أدنى، خاصة في اليوم التالي من المعركة، بعد اقترابها من خان العسل، والبلدات الغربية من حلب.
وفي 29 من تشرين الثاني 2024، استطاعت المعارضة الدخول إلى أول أحيائها، من الجهة الغربية، لتطأ أقدام مقاتلي الفصائل، المدينة التي خرجوا منها أواخر عام 2016 عبر الباصات الخضراء.
وفي 30 من تشرين الثاني 2024، سطعت الشمس، لأول مرة، على مدينة حلب، وهي خارج سلطة النظام كليًا، بعد أن استكملت “إدارة العمليات العسكرية” السيطرة على المدينة، بعد ليلة لم تشهد اشتباكات على مدى واسع.
وبقي حيا الأشرفية والشيخ مقصود، وحتى اللحظة، تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
وواصلت المعارضة تمشيط المدينة، والسيطرة على باقي النقاط التي كانت ما تزال تحت يد النظام، لتنهي وجوده في المنطقة، خلال ساعات.

مبنى محافظة حلب بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها- 30 تشرين الثاني 2024 ( \ ديان جنباز)
حماة.. كر وفر
بعد السيطرة على حلب، اتجهت أنظار المقاتلين في “إدارة العمليات العسكرية” إلى مدينة حماة، إلا أن الطريق إليها لم يكن معبدًا.
ومر المقاتلون بعدة مدن وبلدات سبقت السيطرة على حماة، وتخللتها انسحابات وانتكاسات في خضم الانتصارات التي سجلتها “إدارة العمليات العسكرية”، لا سيما مع وقوع تلال استراتيجية أخّر وصولهم، أبرزها جبل زين العابدين، الذي تأخر سقوطه وتمشيطه إلى ما بعد الدخول إلى المدينة.
وسجل مقاتلو “إدارة العمليات العسكرية” أول دخول إلى أحياء مدينة حماة في 30 من تشرين الثاني 2024، إلا أن ذلك لم يترجم إلى سيطرة على المدينة إلا بعد خمسة أيام.
حمص بعد حماة
في 5 من كانون الأول 2024، خرج “أبو محمد الجولاني” (الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع) وكان حينها قائد “إدارة العمليات العسكرية”، بتسجيل مصور وخلفه مجسم لساعة حمص الشهيرة، وهو يقول: “أبشركم إخواني، أن إخوانكم المجاهدون الثوار، قد بدأوا بالدخول إلى مدينة حماة، لتطهير ذلك الجرح الذي استمر 40 عامًا”.
أشار هذا التسجيل إلى أن قوات “ردع العدوان” وضعت السيطرة على حمص نصب أعينها، وهو ما ترجم لاحقًا إلى عمليات عسكرية تدل على نية لدخول ما عرفت بـ”عاصمة الثورة”.
ولم تهدأ المعارك بعد السيطرة على حماة، واستمرت بوتيرتها السريعة، تلتهم المناطق الحمراء، وتحيلها إلى خضراء.
وفي 6 من كانون الأول 2024، كانت مدينتا الرستن وتلبيسة تنتظران دخول قوات المعارضة، إذ تحررتا من قبضة جيش النظام قبل وصول فصائل “إدارة العمليات العسكرية”.
ومع دخول الساعات الأولى من مساء 7 من كانون الأول 2024، كان مقاتلو “إدارة العمليات العسكرية” يطوفون حول ساعة حمص بأسلحتهم، معلنين السيطرة على المدينة.
الجنوب السوري.. نحو ساحة الأمويين
محافظتا درعا والسويداء، جنوبي سوريا، كان لهما وضع مختلف في المعركة، إذ لم تسجل “إدارة العمليات العسكرية” وجودًا فيزيائيًا في المنطقة، إلا أنها أعلنت التنسيق مع فصائل عملت في المحافظتين.
وخرج بيان، في 6 من كانون الأول 2024، ليعلن عن “غرفة عمليات الجنوب” وروّسته الغرفة بعبارة ”وجهتنا دمشق، والملتقى ساحة الأمويين”.
وجمع الغرفة فصائل من درعا والسويداء والقنيطرة، والتي نفذت عمليات ضد مواقع في المحافظات الثلاث، أنهت وجود النظام في تلك المناطق خلال ساعات.
وفي اليوم التالي، توالت الانهيارات في صفوف النظام، لتسقط درعا وتلحقها السويداء، وتخرجان من قبضة قوات الأسد، ومثلها القنيطرة بعد ساعات قليلة.
8 كانون الأول 2024.. ليلة سقوط النظام
الساعات الأولى لفجر الأحد، 8 من كانون الأول 2024، بدأت الأخبار تتوالى عن انهيار النظام، وتساقط المدن والبلدات في محيط العاصمة السورية دمشق، دون أي مقاومة، ما بعث بإشارة إلى أن سقوط النظام قد أوشك.
أول إشارة، كانت دخول مقاتلين معارضين إلى سجن “صيدنايا”، وفتح أبواب أحد أشد السجون سوءًا في التاريخ السوري الحديث، في مشهد تكرر مع كل مركز اعتقال في المدن التي دخلتها “إدارة العمليات العسكرية”.
ومع خروج المعتقلين، بدأت الفظاعة التي كانت حبيسة أسوار “صيدنايا” تظهر إلى العلن، وهو ما حملته وجوه المعتقلين والمعتقلات الذين تنفسوا الحرية بعد سنوات من القمع والتعذيب، سواء في “صيدنايا” أو غيره.
معتقلو “صيدنايا” يتنفسون الحرية
وعند الساعة 6:16 فجرًا، أعلنت “إدارة العلميات العسكرية” هروب الرئيس السوري، وأن “دمشق حرة من الطاغية بشار الأسد”.
وبعد ساعات محدودة، بزغت الشمس على العاصمة مع إعلان “غرفة فتح دمشق” التي تشكلت حينها، عن إسقاط النظام، على التلفزيون الرسمي السوري، في مشهد انتظره الكثير من السوريين لسنوات.
وامتلأت ساحات المدينة بالحشود المحتفلة، رافعين العلم السوري الجديد (علم الثورة) لتنتهي معه ما سمي بـ”الحقبة الأسدية”.

سوريون يحتفلون بإسقاط النظام السوري في ساحة الأمويين بدمشق – 8 كانون الأول 2024 (/ إياد عبد الجواد)
وتبين لاحقًا أن الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، فرّ إلى العاصمة الروسية موسكو، بطائرة أقلعت من مطار دمشق الدولي إلى قاعدة “حميميم” غربي سوريا، ومن هناك إلى مقر لجوئه الحالي، في روسيا.
الأسد ينهار في دمشق
ظروف مواتية
لطالما ارتبط المشهد السياسي السوري المعقد بدول الإقليم وتطورات الأوضاع في دول الجوار، لا سيما لبنان وإسرائيل والعراق، إذ كانت المنطقة تغلي بالأحداث، على عكس سوريا التي شهدت ركودًا لعدة سنوات، على الصعيد السياسي والعسكري.
في قطاع غزة، اندلعت معركة “طوفان الأقصى” التي أشعلتها “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) في 7 من تشرين الأول 2023، أو ما يعرف بـ”7 أوكتوبر”، والتي امتدت نيرانها لتشمل لبنان، وعلى درجات أقل في سوريا.
وبين إسرائيل وإيران، عبرت الصواريخ بين الجانبين، فوق الأجواء السورية، التي لم تكن أيضًا بمنأى عن الأحداث، إذ كانت دمشق حليفة طهران الأبرز، بالرغم من محاولات النظام السابق الخروج مما يسمى بـ”حلف المقاومة”.
وعلى الصعيد العسكري، منح ركود المعارك بين عامي 2020 و2024، فرصة لفصائل شمال غربي سوريا، لا سيما “هيئة تحرير الشام”، فرصة لأخذ النفس وإعادة ترتيب البيت الداخلي وهيكلة القوات وإنشاء الأكاديميات العسكرية، وتطوير العدة والسلاح.
بالمقابل، فإن الحسم في معركة “ردع العدوان” لم يكن فقط نتيجة التحضير الميداني والتكتيكي للفصائل، وفق ما يعتقده الباحث معتز السيد، بل ارتبط أيضًا بعوامل استراتيجية أوسع.
والبداية كانت بانهيار منظومة الدفاع للنظام على خطوط التماس غرب حلب وجنوب إدلب، حيث فقد السيطرة على عشرات القرى والمواقع خلال أيام قليلة الذي اتبعه انهيار نفسي تام لجيش الأسد، وهو ما يعكس هشاشة البنية القتالية بعد سنوات من الاعتماد على الدعم الخارجي.
يضاف إلى ذلك، منع وصول التعزيزات من الميليشيات الإقليمية، فالتصعيد الإسرائيلي والأميركي ضد خطوط الإمداد الإيرانية عبر العراق وسوريا حدّ من قدرة النظام على جلب قوات إضافية من خارج الجبهة، ما جعل وحداته الميدانية معزولة في مواجهة الهجوم.
إضافة إلى تراجع دور “حزب الله “الذي كان يُعد الحليف الأقوى للنظام بفعل الضربات الإسرائيلية التي قضت على أبرز قادته و مخازن أسلحته في لبنان و سوريا.
وأخيرًا، التفاهمات غير المعلنة مع روسيا لعبت دورًا في تقليص الغطاء الجوي للنظام، وفق السيد، فموسكو اكتفت بضربات محدودة على مناطق مدنية يمكن وصفها فقط بـ”الانتقامية”.
ويبقى العامل الأهم هو العقيدة القتالية لفصائل المعارضة و الحاضنة الشعبية التي “ناضلت” لأكثر من عقد للإطاحة بهذا النظام “المجرم” بحسب توصيف الباحث في “مسداد” معتز السيد.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
