تواصل السينما العربية ترسيخ حضورها في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في دورته الـ82، والمقرر انطلاقها في الفترة من 27 أغسطس وحتى 6 سبتمبر المقبل. 

فبعد اختيار فيلم “مُهدَّد بالانقراض” للفلسطيني سعيد زاغا، في مسابقة الأفلام القصيرة ضمن برنامج “آفاق”، وانضمام المخرجة التونسية أريج سحيري إلى لجنة تحكيم العمل الأول، تأتي مشاركة 3 مخرجين عرب في برنامج “أسبوع النقاد”، لتضيف بعداً جديداً إلى تمثيل المنطقة في حدث سينمائي يحتفل هذا العام بذكراه تأسيسه الأربعين، ببرنامج اعتبرته المديرة الفنية للبرنامج بياتريتشي فيورينتينو، “تأكيداً على عدم السعي وراء الحنين إلى الماضي، بل بتجديد الالتزام بحاضر وبمستقبل السينما”. 

9 أفلام أولى من مختلف أنحاء العالم، 7 منها في المسابقة لعام 2025، إلى جانب مسابقة الأفلام القصيرة المخصّصة للسينما الإيطالية، وصفت فيورينتينو هذه الدورة بـ”الاستثنائية، ومليئة بسينما شابة، حرّة وجريئة: سينما تصرخ، تُقِْلق، تعبر الحدود، وتطالب بمساحات للخلاص والولادة من جديد”.

من بين هذه الأعمال، تبرز مشاركة 3 مخرجين من أصول عربية، وهم: السودانيّة سوزانّا ميرغني، والجزائري يانّيس قوسيم، والإيطالي – مغربي الأصل نادر تاجي، وهي أعمالٌ ستُقدّم في فينيسيا سرداً كثيفاً، عميقاً ينطلق من الذاكرة لكنّه مشحوناً بتوترات عصرنا، ما بين جنوب العالم والشتات، وبتأكيد عميق على الهوية المُعرَّضة إلى مخاطر عدّة.

مستقبل السودان على المحك

بمُضيّ 5 سنوات من العمل الجاد والمضني بعد قصيرها “السّتْ”، ها هي السودانيّة سوزانّا ميرغني تُقدّم فيلمها الروائي الطويل الأول “ملكة القطن”، والذي تخوض به مغامرة جديدة، إذْ تروي عن مصير قرية زراعية في قلب السودان. 

فـ”نفيسة”، المراهقة التي كبرت على قصص الجدّة البطولية عن مقاومة الاستعمار البريطاني، تجد حياتها مهددة بوصول رجل أعمال يحمل مشروع تطوير وزراعة بذور معدّلة وراثياً. ما بين الحداثة المفروضة والمقاومة، تسلك “نفيسة” طريق الوعي الذاتي، في رحلة ستغيرها هي ومجتمعها إلى الأبد.

و”ميرغني”، المولودة عام 1978، برزت في المشهد السينمائي من خلال أفلامها القصيرة مثل “الست” إنتاج عام 2020، المعروض على “نتفليكس” في الشرق الأوسط والحاصل على جائزة Canal+ في كليرمون فيران، و”الصوت الافتراضي” عام 2021. 

وكان مشروع فيلم “ملكة القطن” حصل عام 2022 على جائزة ArteKino ضمن برنامج “سينيفونداسيون” في مهرجان كان.

من السودان إلى الجزائر، يُقدّم المخرج يانيس قوسيم (مواليد 1977) فيلم “رقية”، والذي يغوص في الغموض والبعد الميتافيزيقي من خلال حكاية مزدوجة الزمن: أحمد، الناجي من حادث سير عام 1993، يفقد ذاكرته ويعود إلى قريته دون أن يعرف زوجته أو أطفاله، بينما تراوده أصوات غامضة بلغات غير مفهومة، تفتح باباً على ماضٍ غير مُدرك.

قوسيم، خريج مدرسة “لا فيميس” الفرنسية، عُرف بأفلامه القصيرة مثل “أخي” و“أختي”، التي تناولت قضايا العنف الأسري وحازت جوائز في لوكارنو وأميان، وها هو ينقل الصراع الآن إلى داخل الجسد والذاكرة، حيث تصبح الحدود أدوات سيطرة داخلية.

العائلة على حافة الانفجار

الفيلم الثالث في المسابقة هو “حفلة عائلية” للمخرج الإيطالي من أصل مغربي نادر تاجي (من مواليد 2000)، وهو خريج “المركز التجريبي للسينما” في روما.
يرسم الفيلم ملامح مأساة في قلب احتفال عائلي مغربي بإيطاليا، حين يكشف اعتداء أحد الأقارب على فتاة في الثانية عشرة. يضع الفيلم شخصياته أمام اختبار قاسٍ: التضامن العائلي أم المواجهة المؤلمة؟

تاجي، الذي بدأ مسيرته في مواقع التصوير التلفزيوني قبل الانتقال إلى الإخراج، يهتم بسرديات تمزج بين العلاقات الإنسانية والمسؤولية الأخلاقية، مستعرضاً توتر الهوية داخل مجتمعات الشتات وتصدّعات الأجيال المهاجرة.

سينما تُقلق وتغامر

يُفتتح البرنامج خارج المسابقة بفيلم “ستريو جيرلز” للمخرجة كارولين ديرواس بينو، وهي حكاية مراهقة من تسعينيات القرن الماضي، مفعمة بالموسيقى، الذاكرة، والتمرد.

وفي الذكرى الأربعين لتأسيسه، يختار “أسبوع النقاد” أن ينظر إلى المستقبل لا الماضي. تقول فيورينتينو: “هذه سينما تُسائل وتُزعج وتُغامر، وتبحث عن مساحات للانعتاق”.

ويجسد حضور ميرغني، قوسيم، وتاجي هذا التوجه بامتياز: ثلاثة مخرجين مختلفي الخلفيات، يوحّدهم التزام فني وإنساني عميق بسرد عوالم تعاني من الجراح، وتسعى إلى العدالة، وتعيد عبر الهامش تشكيل المركز.

شاركها.