وصل الرئيس السوري أحمد الشرع اليوم الإثنين، إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، في زيارة رسمية هي الثانية له خلال أقل من ثلاثة أشهر، حاملاً معه ملفات سياسية واقتصادية شائكة تعكس طبيعة المرحلة الجديدة التي تسعى دمشق إلى تكريسها في علاقاتها الإقليمية والدولية، بالتزامن مع تحولات واسعة تعصف بالمنطقة منذ بداية هذا العام.
الزيارة، التي وصفتها مصادر دبلوماسية بأنها «استثنائية»، تأتي وسط إشارات متسارعة عن رغبة الإمارات في لعب دور مركزي بإعادة دمج سوريا عربيًا ودوليًا، بينما يطمح الشرع إلى تثبيت حضوره كرئيس قادر على إدارة الملفات المعقدة للبلاد بعد سنوات طويلة من الحرب والعزلة.
أبعاد الزيارة.. مرحلة جديدة في العلاقة
يصف الباحث والمحلل السياسي مصطفى النعيمي، في حديث مع وكالة ستيب نيوز، هذه الزيارة بأنها عنوان عريض لمرحلة جديدة في سياق تعزيز العلاقات السورية الإماراتية، ويرى أنها ستفتح الباب أمام مزيد من التنسيق والتعاون في مختلف المجالات.
ويؤكد أن ذلك سينعكس إيجابًا على دعم استقرار سوريا، خاصة وأن الإمارات تمثل البوابة الاقتصادية الأولى في منطقة الشرق الأوسط، ولها دور متوقع في تعزيز مشاريع التنمية والاستثمار داخل سوريا.
ويشير النعيمي إلى أن ملفات الاستثمار وإعادة الإعمار واستئناف حركة الطيران هي الأكثر أهمية وإلحاحًا في هذه الزيارة، لأنها تمثل ركيزة أساسية لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي بين البلدين، في وقت باتت هذه الملفات حاجة ملحة لسوريا، لمساعدتها على كسر العزلة الاقتصادية والانطلاق نحو مرحلة التعافي التدريجي.
الاقتصاد في قلب أجندة الشرع
بحسب النعيمي، فإن الشرع يعوّل بشكل كبير على الاستثمارات العربية عامة والإماراتية بشكل خاص لتحقيق التعافي الاقتصادي المبكر، وهو ما ينسجم مع تصريحاته الأخيرة التي دعا فيها إلى تحويل سوريا إلى بلد للوظائف والازدهار، بما يعيد بناء الثقة الشعبية والدولية ببرنامجه السياسي والاقتصادي.
ويرى النعيمي أن حصول الرئيس الشرع على وعود إماراتية بمزيد من الاستثمارات أمر متوقع، لعدة أسباب؛ أبرزها التقارب السياسي والدبلوماسي الواضح بين الجانبين، والذي تعكسه الزيارتان المتتاليتان إلى أبوظبي خلال فترة قصيرة، إضافة إلى سعي الإمارات لتعزيز دورها الإقليمي لاعبًا رئيسيًا في إعادة دمج سوريا ضمن المنظومة العربية.
ويلفت النعيمي إلى أن مصالح الإمارات الاقتصادية تدفعها إلى هذا التوجه، كونها تمتلك استثمارات خارجية تتجاوز 2.5 تريليون دولار حتى مطلع 2024، كما أن لديها اهتمامًا خاصًا بفتح أسواق جديدة لشركاتها وتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة.
وذكّر بتقارير سابقة تحدثت عن استثمارات إماراتية محتملة تصل إلى 16 مليار دولار في سوريا بعد الإطاحة بالأسد، فيما تشكل هذه المرحلة، برأيه، فرصة حقيقية لترجمة ذلك عمليًا.
ويضيف: أن الحاجة السورية الماسة للاستثمارات، بعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسنوات طويلة بفعل الحرب، تجعلها تسعى إلى رؤوس الأموال الخارجية لتمويل مشاريع إعادة الإعمار في البنى التحتية والطاقة والصناعة والزراعة والاتصالات. كما أن هناك مؤشرات ملموسة، أبرزها مذكرة التفاهم بقيمة 800 مليون دولار بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية وموانئ دبي العالمية لتطوير ميناء طرطوس ومناطق لوجستية، إضافة إلى إعلان مجموعة الحبتور الإماراتية نيتها إرسال وفد تجاري إلى سوريا.
ويؤكد النعيمي أن رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لمعظم العقوبات الاقتصادية على سوريا يخلق بيئة أكثر جاذبية للاستثمار، إذ يزيل جزءًا كبيرًا من المخاطر التي كانت تحد من تدفق رؤوس الأموال.
ويتابع: “إن العمل على قانون استثماري جديد في سوريا يدل على أن القيادة الحالية تجهز الأرضية القانونية اللازمة لتشجيع المستثمرين، وهو ما قد يترجم من خلال تسهيلات تجارية تزيد من حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين، أو عبر إنشاء صناديق استثمارية مشتركة لمشاريع محددة في المناطق الحرة والموانئ، على غرار المشاريع الصينية المعلنة في حمص وريف دمشق والتي قد تدفع الإمارات لاكتشاف فرص مماثلة”.
قضية عصام بويضاني.. التعقيد القانوني والدبلوماسي
في موازاة الملفات الاقتصادية، تبرز قضية القيادي السابق في جيش الإسلام والحالي في وزارة الدفاع السورية عصام بويضاني، المعتقل في الإمارات، كأحد الملفات الحساسة التي يرجح أن يثيرها الشرع خلال محادثاته في أبوظبي.
ويقول النعيمي: “إن مسألة بويضاني معقدة وتتقاطع فيها أبعاد قانونية ودبلوماسية وسياسية، ولا يمكن فصلها عن التطورات الجارية في المشهد السوري وعلاقات سوريا الإقليمية”.
ويشير إلى أن مذكرة الإنتربول الدولي هي السبب الرئيس في عملية توقيفه بإمارة دبي، مرجحًا أن تكون صادرة عن النظام السابق أو بناءً على طلبات دولية أخرى تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم حرب. ويرى أن وجود مذكرة إنتربول يضع القضية في إطار قانوني دولي يتطلب من الإمارات، بصفتها دولة موقعة على اتفاقيات الإنتربول، التعامل معها وفق الإجراءات المعمول بها.
ويلفت النعيمي إلى أن حيازة البويضاني على الجنسية التركية ودخوله بجواز سفره التركي يزيد من تعقيد قضيته، خاصة وأن هناك جهات ما تزال تعمل على تفعيل ملفات اتهامات سابقة موجهة إلى فصيل جيش الإسلام بخطف الناشطة رزان زيتونة ورفاقها، مما يضع القضية في إطار جنائي بحت.
ويضيف: أن التحقيقات في مثل هذه القضايا تستلزم تعاونًا قضائيًا دوليًا وتبادل معلومات بطريقة شفافة لا تتجاوز الحكومة السورية الجديدة.
لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن دمشق قد تسعى لاستخدام مسار الحصانة الدبلوماسية أو الوظيفية للبويضاني، باعتباره معينًا رسميًا ضمن تشكيل وزارة الدفاع، إلا أن ذلك يتطلب تدقيقًا قانونيًا وفق القانون الدولي والعلاقات الثنائية بين سوريا والإمارات.
السلام مع إسرائيل.. أحلام مؤجلة
تزامنت زيارة الشرع إلى أبوظبي مع تصاعد الحديث في وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية عن إمكانية بحث مسارات تهدئة أو اتفاقيات سلام بوساطة إماراتية، في ظل العلاقة بين أبوظبي وتل أبيب ضمن اتفاقيات أبراهام.
إلا أن النعيمي يرى أن الحديث عن سلام ثنائي مباشر بين سوريا وإسرائيل لا يزال مبكرًا جدًا. ويقول: “سوريا اليوم أصبحت جزءًا من الجامعة العربية وقراراتها تنبع من التوافق العربي والدولي. ربما تُطرح بعض وجهات النظر لكلا الطرفين كمسار ثانوي لبحث الملفات والهواجس المشتركة، لكن الحديث عن سلام شامل لا يمكن أن يحصل في الظروف الاستثنائية التي تعيشها المنطقة العربية عمومًا وسوريا خصوصًا.”
ويضيف: أن إسرائيل ما زالت متموضعة في الجنوب السوري، ووسعت نطاق عملياتها البرية والانتهاكات الجوية المستمرة، سواء في ظل نظام الأسد السابق أو الحكومة السورية الجديدة، مما يجعل الأرضية القانونية والسياسية لأي اتفاق سلام غير مكتملة دوليًا وعربيًا.
ويرى أن الموقف العربي ما زال ضبابيًا تجاه السلام مع إسرائيل، خاصة بعد عملياتها الأخيرة في غزة، رغم الضغوط القصوى التي تمارسها لتحقيق مكاسب سياسية وتحويلها إلى انتصارات داخلية.
رهان أبوظبي ودمشق على التحالف الاقتصادي
بينما يواصل الشرع جولاته الخارجية، تبقى الإمارات اليوم، بحسب مراقبين، بوابته الأهم نحو إعادة التموضع على الخارطة الإقليمية والدولية. وبالنسبة لأبوظبي، فإن هذه العلاقة تتجاوز بعدها السياسي لتشكل استثمارًا استراتيجيًا طويل الأمد في بلد يملك موارد بشرية وموقعًا جغرافيًا مؤثرًا.
ورغم التعقيدات الأمنية والسياسية التي تحيط بالمشهد السوري، يراهن الطرفان على أن الاقتصاد سيكون الطريق الأقصر لخلق واقع جديد، ينعكس على حياة السوريين، ويمنح الشرع هامشًا أوسع لتحقيق وعوده الداخلية، فيما تواصل الإمارات تثبيت حضورها كقوة إقليمية قادرة على إدارة أصعب الملفات العربية وأكثرها حساسية.
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية