يدخل الكونجرس الأميركي، الخميس، في اليوم التاسع من الإغلاق الحكومي الفيدرالي، دون أن يبدي أيّ من الحزبين استعداداً للتراجع، فيما لا يزال الطريق نحو تسوية واضحة بعيدة المنال، حسبما ذكرت صحيفة “ذا هيل” الأميركية.

الصحيفة أشارت إلى أنه من المرجح أن تتبدل الأمور حال أراد المشرعون إعادة فتح الحكومة في وقت قريب، إذ سيضطر أحد الطرفين، أو كلاهما، إلى الانصياع لضغوط تدفع باتجاه كسر الجمود السياسي.

وحدث الأمر نفسه في الإغلاقات الطويلة السابقة، عندما تضافرت عوامل خارجية عدة، من التحذيرات الاقتصادية إلى غضب الرأي العام، لإجبار المشرعين على التنازل وتأجيل معاركهم السياسية. 

“لعبة تبادل اللوم”

من أكثر العبارات تداولاً في أروقة الكونجرس مقولة منسوبة إلى أبراهام لينكولن: “الرأي العام هو كل شيء”. غير أن الإشكالية في المراحل الأولى من معركة الإغلاق الحالي هي أن اتجاه الرأي العام لم يتضح بعد.

هذا الغموض دفع كلا الحزبين إلى التمسك بموقفيهما، مترقبين مؤشرات أوضح تحدد الجهة التي سيوجه إليها الرأي العام اللوم الأكبر، وفق الصحيفة.

غير أن نتائج الاستطلاعات المرتقبة، وكما جرت العادة في الأزمات السابقة، قد تشكل عاملاً حاسماً يجبر أحد الطرفين، أو كليهما، على التراجع سعيا لإنهاء الإغلاق.

وهذا ما حدث عام 2013، عندما شهد الجمهوريون، الذين طالبوا بإلغاء قانون “أوباما كير”، تراجعاً حاداً في شعبيتهم، واضطروا بعد 16 يوماً إلى إنهاء حملتهم من دون تحقيق أي مكاسب.

الأمر نفسه تكرر في إغلاق 2018 و2019، الأطول في التاريخ، عندما وافق الجمهوريون على إعادة فتح الحكومة من دون الحصول على تمويل الجدار الحدودي الذي طالبوا به.

وأظهر استطلاع حديث لشبكة CBS NEWS أن 39% من الناخبين يحمّلون ترمب والجمهوريين مسؤولية الإغلاق، مقابل 30% يلومون الديمقراطيين في الكونجرس، و31% يرون أن الطرفين مسؤولان معاً.

وأظهر استطلاع آخر أجرته Harvard/Harris أن نسبة أكبر ممن شملهم الاستطلاع تلوم الجمهوريين (53% مقابل 47%)، لكن نحو ثلثي المشاركين يرون أن على الديمقراطيين قبول مشروع التمويل المؤقت للجمهوريين من دون تعديل دعم التأمين الصحي ضمن قانون الرعاية الميسّرة ACA. 

هذا التباين في المزاج الشعبي زاد من حدة لعبة تبادل اللوم الحزبية، ودفع الجانبين إلى التمسك بمواقفهما إلى أن تتضح الصورة أكثر. 

مشكلات مراقبي الحركة الجوية 

قبل نحو 7 سنوات، انتهى الإغلاق الذي دام 35 يوماً بعدما تسبب نقص العاملين بين مراقبي الحركة الجوية بفوضى في السفر وضغوط هائلة على قطاع الطيران، ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه. 

فقد تزايدت حالات غياب مراقبي الحركة الجوية عن العمل، الاثنين، ما أدى إلى تأخيرات وإلغاء العديد من الرحلات، وأثار المخاوف من تكرار ما حدث عام 2019. 

ويعتبر موظفو إدارة أمن النقل ومراقبو الحركة الجوية من “العمال الأساسيين”، وقد أعلنت وزارة النقل أن أكثر من 13 ألف مراقب سيواصلون العمل من دون أجر خلال فترة الإغلاق. 

وتسببت حالات الغياب هذه في تأخيرات في مطارات كبرى، منها دنفر ونيوارك، فيما بقي مطار هوليوود بيربانك بلا مراقب حركة جوية لمدة تقارب 6 ساعات، الاثنين. 

وكما في إغلاق عام 2019، يعوّل الديمقراطيون على أن تؤدي هذه الأزمة إلى زيادة الضغوط على ترمب والجمهوريين.

تجميد الرواتب 

تتمثل السمة الأبرز لأي إغلاق حكومي في تقليص الخدمات الفيدرالية وتعطيل عمل مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين، إذ يُطلب من بعضهم، باعتبارهم “عاملين أساسيين”، مواصلة أداء مهامهم، فيما يُحال آخرون إلى إجازات قسرية، ومع ذلك، يجمعهم مصير واحد هو حرمانهم جميعاً من الرواتب إلى أن يُعاد فتح الحكومة.

وسيظهر الأثر الأول لذلك في 10 أكتوبر، عندما تتوقف الدفعة الأولى من الرواتب الفيدرالية، وسيتضرر بشكل مباشر هؤلاء الموظفون وعائلاتهم، الذين سيضطرون لإيجاد طرق بديلة لتغطية نفقاتهم.

لكن الأثر سيمتد إلى الاقتصاد الأوسع، إذ يتراجع إنفاق هؤلاء العاملين على المشتريات اليومية البسيطة، كوجبات الغداء ووسائل النقل، التي تُنعش الاقتصادات المحلية.

وقدّر مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض أن كل أسبوع من الإغلاق يُخفض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 15 مليار دولار. 

وقال رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الثلاثاء: “نواجه الآن خسائر اقتصادية مدمرة.. فإغلاق يستمر لشهر يعني ليس فقط بقاء 750 ألف موظف مدني فيدرالي بلا عمل، بل أيضاً فقدان 43 ألف وظيفة إضافية في القطاع الخاص نتيجة التأثيرات المتسلسلة”. 

وعادة ما يحصل الموظفون المفصولون مؤقتاً على رواتبهم المتأخرة بعد انتهاء الإغلاق، ما يخلق دفعة اقتصادية مؤجلة، لكن حتى هذه الممارسة المعتادة باتت موضع شك في ظل تهديد من مكتب الميزانية التابع لترمب بحجب الرواتب المتأخرة عن بعض العمال، بينما قال ترمب إن آخرين “سيُفصلون نهائياً”. 

وبحسب “ّذا هيل”، فإن هذا المزيج من القرارات مرشح لتفاقم حالة الاقتصاد الهش، الذي يعاني أصلاً من تراجع ثقة المستهلكين وضعف خلق الوظائف وتداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب، “وسيقع العبء الأكبر على الحزب الذي سيتحمل اللوم عن الضرر الاقتصادي”، ما سيزيد الضغط عليه لإنهاء الإغلاق. 

رواتب العسكريين 

كانت رواتب العسكريين موضوعا متكرراً في الإغلاقات السابقة، ولا يختلف الوضع هذه المرة، فمن المتوقع أن يفوّت أفراد القوات المسلحة رواتبهم في 15 أكتوبر، وهو موعد يضعه المشرعون في الحسبان. 

وقال جونسون، عقب اجتماع مع الجمهوريين في مجلس الشيوخ، إنه يفكر في طرح مشروع قانون لصرف رواتب العسكريين، قائلا: “أنا منفتح على ذلك بالتأكيد.. لقد قمنا به سابقاً، ونريد التأكد من حصول جنودناً على رواتبهم”. 

وأوضح أن الإغلاق يجب أن ينتهي بحلول الاثنين حتى يمكن معالجة رواتب 15 أكتوبر، لكن مجلس النواب لن يعود للانعقاد قبل ذلك اليوم على الأقل، وجونسون نفسه ألمح إلى أنه سيبقي المجلس خارج الجلسة حتى انتهاء الإغلاق. 

أما الديمقراطيون، فعبّروا عن قلقهم من التأثيرات نفسها، لكنهم انتقدوا جونسون لعدم استدعائه الأعضاء للعودة إلى العمل.

العوامل الصحية 

جعل الديمقراطيون ملف الرعاية الصحية محور اعتراضهم على مشروع الإنفاق المؤقت الذي يطرحه الجمهوريون، إذ يطالبون بتمديد دائم للدعم المالي الموسع ضمن قانون “أوباماكير”، والذي من المقرر أن ينتهي نهاية هذا العام. 

لكن قادة الحزب الجمهوري رفضوا إدخال هذا الملف في مفاوضات الإغلاق، مشيرين إلى أن هناك وقتاً كافياً لمناقشته لاحقاً. ومع ذلك، فإن عدة عوامل مرتبطة بهذا الملف ستظهر قبل ذلك الموعد بكثير، وقد تدفع قادة الجمهوريين إلى إعادة النظر في موقفهم. 

فشركات التأمين الخاصة التي تقدم خططاً ضمن سوق “أوباماكير” بدأت بالفعل في إرسال إشعارات لتحديد أسعار العام المقبل، وهذه الأسعار تحتسب وفق القوانين الحالية، أي على أساس انتهاء الدعم الموسع في يناير، مما يعني زيادة كبيرة متوقعة في أقساط التأمين.

وبحسب مؤسسة Kaiser Family Foundation، وهي مؤسسة بحثية أميركية مستقلة غير ربحية، فإن الأقساط الشهرية المتوسطة للمنتفعين بخطط التأمين في سوق “أوباماكير” سترتفع بنسبة 75% إذا لم يتخذ الكونجرس إجراء جديداً.

وهذه الأرقام بدأت تصل إلى المواطنين عبر البريد، ما قد يدفع الكثيرين إلى شراء تغطية أقل أو الانسحاب كلياً من التأمين الصحي. 

وتبدأ فترة التسجيل المفتوح في برامج قانون الرعاية الميسرة ACA في 1 نوفمبر، أي قبل الوقت الذي يقول الجمهوريون إنهم مستعدون فيه للتحرك. 

وحذر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، هذا الأسبوع قائلاً: “شركات التأمين لا تنتظر ثلاثة أشهر لتحديد الأسعار، إنها تفعل ذلك الآن”.

شاركها.