اخر الاخبار

5 ملايين دولار هل يستطيع ترمب تجاوز الكونجرس البطاقة الذهبية

مستهدفاً الأثرياء الأجانب الراغبين في الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترمب إطلاق برنامج “التأشيرة الذهبية” المؤهلة للحصول على الجنسية الأميركية مقابل 5 ملايين دولار، خلال الأسبوعين المقبلين.

وكان ترمب قد اقترح، الثلاثاء 26 فبراير، إصدار بطاقات إقامة ذهبية للأجانب الأثرياء طامحاً إلى بيع الملايين منها من أجل خفض العجز الفيدرالي، قائلاً: “سيكونون أغنياء وسينجحون، وسينفقون الكثير من الأموال، ويدفعون الكثير من الضرائب، ويوظفون الكثير من الناس”.  

وقال وزير التجارة هوارد لوتنيك، وهو يقف إلى جانب ترمب في المكتب البيضاوي، إن تأشيرة “البطاقة الذهبية” ستحل محل تأشيرة EB-5، التي صُممت من قبل الكونجرس في عام 1990 لتشجيع الأجانب على الاستثمار في المناطق المحرومة اقتصادياً. 

ولم يُكشف عن تفاصيل التأشيرة الجديدة، أو من سيكون مؤهلاً للحصول عليها، على الرغم من أن ترمب قال إن “الأثرياء الروس قد يكونون مؤهلين لذلك”. 

هل يمكن تجاوز الكونجرس؟ 

قبل 35 عاماً، أطلق الكونجرس برنامج تأشيرة المستثمر EB-5، وهو يمنح البطاقات الخضراء للمهاجرين الذين يستثمرون حداً أدنى يبلغ مليون وخمسين ألف دولار، أو 800 ألف دولار في المناطق الاقتصادية المحرومة والمعروفة بـ”مناطق التوظيف المستهدفة”، وهي المناطق التي تعاني من البطالة، أو تحتاج إلى تطوير، وذلك بهدف توفير فرص عمل للعمال الأميركيين. 

وبينما يحدد الكونجرس المتطلبات اللازمة للحصول على التأشيرات، أكد ترمب أنه ينوي استبدال تأشيرة المستثمر EB-5 بـ”البطاقات الذهبية” التي لن تتطلب موافقة الكونجرس. 

وشكك الخبراء في قدرة ترمب على سن التغيير دون موافقة الكونجرس، رغم إصراره على أنه يستطيع القيام بذلك بمفرده؛ لأنه لا يمنح الجنسية بشكل مباشر، بل فقط الإقامة الدائمة.

وفي النظام الأميركي، يحصل المستثمرون الذين يستوفون شروط الإقامة الدائمة “البطاقة الخضراء” على الحق في العيش والعمل في الولايات المتحدة، لكنهم لا يصبحون مواطنين تلقائياً.

ويمكن لحاملي البطاقة الخضراء “التقدم بطلب للحصول على الجنسية الأميركية بعد مرور 5 سنوات على الأقل من الإقامة الدائمة، أو 3 سنوات إذا كانوا متزوجين من مواطنين أميركيين”.

وقال أستاذ قانون الهجرة في “جامعة كورنيل” ستيفين ييل لوهير إن “الرئيس لا يستطيع إنهاء برنامج المستثمرين المهاجرين EB-5 من جانب واحد”.

وأضاف لـ “الشرق”:”أن الكونجرس أقر برنامج EB-5 في عام 1990، لذا فإن “الكونجرس وحده هو الذي يمكنه إنهائه”.

المقترح الجديد 

وفي حين لم تكشف إدارة ترمب بشكل تفصيلي عن المقترح الجديد، لكن بناءً على تصريحاته، ستكون التأشيرة الذهبية فئة جديدة مخصصة للمستثمرين الأثرياء الذين يرغبون في دفع 5 ملايين دولار للحصول على الإقامة الدائمة القانونية، وهو ما يوفر لهم طريقاً مباشراً للحصول على الجنسية الأميركية، على حد قول مديرة التواصل في معهد سياسة الهجرة ميشيل ميتلستادت.

وأضافت: “رغم أن إنشاء فئات تأشيرات جديدة، مثل البطاقة الذهبية، يتطلب موافقة الكونجرس، تتمتع السلطة التنفيذية بصلاحيات واسعة في إدارة برامج التأشيرات الحالية”.

وعلى الرغم من أن السلطة التنفيذية لا تستطيع إنهاء برنامج تأشيرة EB-5 من تلقاء نفسها، فإنها تستطيع فعلياً تعطيله من خلال التوقف عن معالجة أي طلبات جديدة.

وللرئيس سلطة كبيرة في إدارة البرامج الحالية، مثل “تأخير أو تقييد إصدار تأشيرات معينة، مما قد يؤثر على برامج مثل EB-5 دون الحاجة إلى إلغائها رسمياً”، لكن ترمب الذي يسعى إلى توسيع سلطاته واختبار حدود صلاحياته قد يذهب إلى أبعد من تعطيل البرنامج القائم أو حتى التأثير على الكونجرس، الذي يضم أغلبية جمهورية.

وقال أستاذ العلوم السياسية والعضو المنتسب لمركز الهجرة العالمية في جامعة “كاليفورنيا ديفيس” براد جونز، في حديث لـ”الشرق”، إن “الولايات المتحدة في منطقة رمادية متطرفة الآن فيما يتعلق بفصل السلطات، ويستمر ترمب في دفع فكرة أن السلطة التنفيذية هي صاحبة السيادة”.  

ورأى جونز أنه “إذا تحرك ترمب إلى الأمام في هذا الشأن، فسوف يبدأ بأمر تنفيذي، وهو أمر لا يتطلب موافقة الكونجرس، فبمجرد صدور أمر تنفيذي، يقع على عاتق النظام القضائي الحكم على دستورية القانون، وفي هذه المرحلة لا يمكن التنبؤ بالنتيجة التي قد تترتب على ذلك”. 

“الأعلى تكلفة في العالم” 

وتثير التكلفة الكبيرة للتأشيرة الذهبية، التي يقترحها ترمب بـ 5 ملايين دولار، الكثير من الجدل والتساؤلات.

الأستاذة المساعدة لعلم الاجتماع السياسي في كلية لندن للاقتصاد، ومؤلفة كتاب “جواز السفر الذهبي: التنقل العالمي للمليونيرات”، كريستين سوراك، وصفت تأشيرة ترمب الذهبية بأنها “الأعلى تكلفة في العالم”. 

وقالت سوراك لـ “الشرق” إن “هناك حوالي 70 دولة حول العالم لديها برامج التأشيرات الذهبية، وفي معظم الدول الغنية التي تقدم هذه البرامج، يكون الحد الأدنى للاستثمار المطلوب حوالي 500,000 دولار، بينما يمكن للشخص الحصول على جنسية مالطا، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، مقابل مليون دولار فقط”مقارنةً بذلك، يبدو أن تكلفة برنامج ترمب مرتفعة جداً”. 

ورغم التكلفة المبالغ فيها للتأشيرة، تجدها أستاذ القانون والقانون الدولي وحقوق الإنسان في كلية الحقوق في “جامعة فلوريدا” بيرتا إسبيرانزا هيرنانديز ترويول، جذابة للأثرياء، الذين يسعون للإقامة في الولايات المتحدة والحصول على الجنسية، خاصة في وقت تتم فيه مراقبة الهجرة إلى الولايات المتحدة بشكل مكثف. 

وقالت بيرتا لـ”الشرق” إن “5 ملايين دولار تعكس الفئة المستهدفة من البرنامج، وهم الأشخاص ذوي الوضع الاقتصادي المرتفع”.

وأضافت: “يبدو واضحاً من خلال رقم شراء التأشيرة أن الهدف هو جذب المستثمرين الأجانب الأثرياء كوسيلة لجمع الأموال، وبالتالي تعزيز الاقتصاد.. الفكرة هي أن الاستثمارات بهذا الحجم، إذا كانت عديدة، يمكن أن تساعد في تقليل الدين الوطني”. 

الجمهور المستهدف 

ويتوقع ترمب أن يجمع برنامج “التأشيرة الذهبية” مبالغ ضخمة قد تصل إلى 5 تريليونات دولار إذا تم بيع مليون بطاقة، أو حتى 50 تريليون دولار إذا تم بيع 10 ملايين بطاقة، وهو يرى أن ذلك يمكن أن يساعد في تغطية الدين الوطني للولايات المتحدة الذي يبلغ 35 تريليون دولار. 

لكن هذه التوقعات مبالغ فيها مقارنة بالطلب الفعلي على تأشيرات المستثمرين في الولايات المتحدة.  

وقالت مديرة التواصل في معهد سياسة الهجرة ميشيل ميتلستادت إنه “في عام 2022، حصل فقط 8000 مستثمر على تأشيرات EB-5، الذي لديه عتبة استثمار أقل بكثير من الذهبية”، مرجحة أن يكون الطلب عليها أقل.

وأضافت: “أن البطاقة الذهبية ستجذب الأفراد الأثرياء الذين يسعون عادة إلى دولة ثانية للإقامة القانونية أو الجنسية من أجل الاستقرار، وغالباً لفتح سبل وفرص تعليمية جديدة لأطفالهم”.

وأشارت ميتلستادت إلى أن برامج “تأشيرة المستثمر”، التي تأتي في فئات الإقامة والجنسية عن طريق الاستثمار، تحظى بشعبية كبيرة بين الصينيين والروس.

التكلفة الفلكية للتأشيرة الذهبية 

وفي الوقت الذي استنكر فيه جونز، التكلفة الفلكية للتأشيرة الذهبية، أشار إلى أنها ليست فلكية للجمهور المستهدف. قائلاً “إنه يمكن للأوليجارشيين غير المولودين في الولايات المتحدة أن يتحملوا بسهولة هذا المبلغ، وكذلك الأفراد الأثرياء الذين يميلون إلى مدح ترمب يمكنهم تحمل هذه التكلفة أيضاً”.

وأضاف: “أعتقد أن هاتين المجموعتين هما الجمهور المستهدف لهذا البرنامج، وهو برنامج يهدف إلى جذب غير المواطنين الذين يفضلهم ترمب”.

وكما هو الحال مع أي برنامج تأشيرات، يمكن رفض أي طلب، لذا أعتقد أن هذا “برنامج موجه للأفراد الذين ينجذب إليهم ترمب، سيكون هناك طلب على هذا البرنامج، ولا شك في ذلك”. 

ويتفق أستاذ الشؤون الحكومية في “جامعة كورنيل” المتخصص في شؤون الكونجرس، ريتشارد بنسل، مع جونز في أنه “سيكون هناك بعض الطلب على تأشيرة بهذا السعر المرتفع إلى حد ما”.

وأوضح بنسل لـ”الشرق” أن “الأثرياء فقط هم من يمكنهم الاستفادة من هذا البرنامج بشكل واقعي”.  

وأضاف: “أن الشاغل الأساسي هو أن أولئك الذين سينجذبون أكثر إلى التأشيرة الذهبية مقيمون في دول غير مستقرة سياسياً، وفي مثل هذه الدول، غالباً ما تتراكم الثروة العظيمة من خلال الفساد والعنف”.

ويفسر هذا المزيج سبب محاولة ترمب وصف القِلة الروسية بأنهم “عملاء محتملون وأشخاص عظماء. قد يكونون عملاء محتملين لكنهم، على الأقل معظمهم، ليسوا أشخاصاً عظماء”. 

لكن سوراك أثارت من جانبها، نقطة قد يتوقف عليها مستوى الإقبال وهي “طبيعة الاستثمار”.

وقالت سوراك إنه “إذا كان المطلوب هو التبرع بـ 5 ملايين دولار للحكومة دون أي عائد، فمن المستبعد أن ينجذب الكثيرون إليه؛ لأن قلة فقط ستكون مستعدة لدفع هذا المبلغ”. 

وأضافت سوراك أنه في المقابل “إذا كان بإمكان المستثمرين استعادة أموالهم، وربما تحقيق أرباح من خلال الاستثمار، فقد يكون الوضع مختلفاً، مما قد يزيد من جاذبية البرنامج، ومع ذلك، فإن الطلب المحتمل على هذه التأشيرة سيكون في حدود الآلاف، وليس بالملايين كما زعم ترمب في مؤتمره الصحافي”.

مخاوف التأشيرة الذهبية  

واحدة من الحجج التي ساقها وزير التجارة في إدارة ترمب، هوارد لوتميك، من أجل استبدال برنامج EB-5 بالتأشيرة الذهبية، هي أن البرنامج يتم استغلاله، وأنه مُسعر بأقل من اللازم. 

وأضاف لوتميك، خلال المؤتمر الصحافي “برنامج EB-5 كان مليئاً بالخداع والخيال والاحتيال، وكان وسيلة للحصول على بطاقة خضراء بسعر منخفض. لذا قال الرئيس، بدلاً من الاستمرار في هذا البرنامج السخيف، سننهي برنامج EB-5”. 

لكن ميتلستادت قالت إن “برامج التأشيرات الذهبية عالمياً وبشكل عام، بما في ذلك برنامج تأشيرة المستثمر EB-5 في الولايات المتحدة، أثارت مخاوف بشأن الاحتيال”. 

وكانت كندا قد أطلقت برنامجها الفيدرالي للمستثمرين المهاجرين في ثمانينيات القرن العشرين، بينما في أوروبا، أصبحت التأشيرات الذهبية شائعة خلال أزمة الديون الأوروبية عندما لجأت بعض البلدان مثل البرتغال وأيرلندا واليونان والمجر إلى بيع الإقامة لجذب الأموال وسد العجز المالي.

ومع مرور الوقت، تبنت دول أخرى حول العالم برامج مشابهة، لكن مع ظهور العديد من التأثيرات السلبية مثل “ارتفاع أسعار المساكن والفساد المحتمل، دفع ذلك الحكومات للتراجع عن هذه البرامج”.

وحذرت المفوضية الأوروبية من أن البرامج هذه يمكن استخدامها لغسل الأموال والتهرب الضريبي والفساد، وعقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، حث مسؤولو الاتحاد الأوروبي الحكومات على إنهاء البرامج. 

وقالت بيرتا إن “بعض الدول أنهت العمل ببرامج التأشيرة الذهبية، لا سيما إيرلندا والمملكة المتحدة، وهناك دول أخرى علقت برامجها مؤقتاً مثل كندا، والسبب الرئيسي في كل هذا هو الخوف من إساءة الاستخدام”.  

وأضافت بيرتا “أن هناك مخاوف تتعلق بالأمن الوطني؛ لأنه إذا كان عملية التقديم تركز على المال، ولا تدقق في مصداقية المتقدمين، فقد يحدث دخول أشخاص مشكوك فيهم، مثل المجرمين سواء من ذوي الياقات البيضاء أو معتادي العنف، الذين سيتم السماح لهم بأن يصبحوا مقيمين قانونيين، وفي النهاية مواطنين”.

نقاط مثيرة للجدل 

واعتبرت بيرتا أن من أبرز النقاط المثيرة للجدل، والمتعلقة بالتأشيرات الذهبية هي “التفاوت الواضح”، مشيرة إلى أن تلك التأشيرات تخلق “هرمية مالية في الهجرة” ونظاماً ذا طبقتين لدخول الولايات المتحدة الأثرياء والذين لا يملكون المال.  

وتابعت بيرتا أنه “في هذه الأوقات الصعبة المتعلقة بالهجرة والأسباب الكامنة وراءها الاستقرار السياسي والاقتصادي، الحكومات غير الفعالة أو غير المستقرة التي تفتقر إلى القدرة على حماية مواطنيها الأكثر ضعفاً”، لافتة إلى أن التأشيرات الذهبية توفر تذكرة دخول مجانية للأثرياء، بينما يظل كل “شخص آخر غير ثري الذي يريد الهجرة عالقاً في حلقة بيروقراطية من العمليات الصارمة والمعقدة”. 

واتفقت بيرتا مع جونز على أن “هناك قلق آخر يتعلق بالتأثير الأجنبي غير المبرر في البلاد”.

وقالت بيرتا إنه “إذا كان للمستثمرين الأجانب الأثرياء تأثير سياسي واقتصادي مفرط على السياسة أو الحكم فهناك مخاوف كبيرة، إذ يحصل المستثمر على فوائد الإقامة والجنسية، لكنه لا يشارك في النشاط الاقتصادي المحلي، بل يقوم بالاستثمار دون اكتراث بالرفاهية الاقتصادية المحلية، ثم يغادر مع ضمان الإقامة أو الجنسية الأميركية”. 

تداعيات سياسية

من جانبه، قال جونز إن “هناك تداعيات سياسية لبرنامج التأشيرة الذهبية تتعلق بمساهمات الحملات الانتخابية، حيث إن الأجانب مقيدون للغاية في كيفية تأثيرهم مالياً على الحملات السياسية، فإن ترمب، الذي يرى الأمور في الأمد القريب، يرى هذا كفرصة لتسريع منح الجنسية للقِلة الحاكمة الذين سيكونون قادرين مع الجنسية على المساهمة بمبلغ فلكي من المال في الحملات”.

وتابع جونز أنه “إذا كان المقبولون بموجب برنامج التأشيرة الذهبية أفراداً مؤيدين لترمب، فإن ميزة التمويل في الانتخابات للمرشحين الذين يرفعون شعار لنجعل أميركا عظيمة مجدداً سوف تزداد بشكل كبير”.

ولفت جونز إلى أن إيلون ماسك ودوره في حملة ترمب تذكر أن ماسك وهو مواطن أميركي متجنس من جنوب إفريقيا، كان بلا أدنى شك المساهم الرئيسي في حملة ترمب، وسوف يكون الأفراد الذين تمت الموافقة عليهم وقبولهم بموجب برنامج التأشيرة الذهبية مجهزين بشكل مماثل لتشغيل الحملات، وإن كان ذلك بمبلغ أقل من ماسك على الأرجح”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *