بين جدران المنازل المغلقة، وخلف ابتسامات متماسكة تخفي وراءها آلاماً صامتة، تخوض نساء كثيرات معركة غير مرئية مع «الإدمان»، تلك المعركة لا تبدأ من لحظة التعاطي، بل غالباً ما تكون امتداداً لجرح قديم، صدمة طفولة لم تُعالَج، طلاق قاسٍ، أو عنف أسري ظلّ طي الكتمان لسنوات طويلة، قصص هؤلاء النساء تحمل روايات قاسية، لكنها في الوقت ذاته تكشف عن حقيقة راسخة: أن التعافي ممكن، إذا ما وُجدت بيئة علاجية تراعي خصوصيتهن، وتدعمهن في مواجهة الجذور العميقة للألم.
الأخصائية النفسية أبرار المغلق، ومن واقع خبرتها في علاج حالات الإدمان، تكشف في هذا التحقيق الأسباب التي تدفع النساء إلى السقوط في دائرة التعاطي، وتوضح الفروق الدقيقة في علاج النساء مقارنة بالرجال، مؤكدة أن دور الأسرة قد يكون الفارق بين انكسار كامل أو بداية حقيقية لرحلة الشفاء. وتقول المغلق: «النساء لسن أضعف من الرجال، لكن الصدمات الصامتة تجعلهن أكثر عرضة للانكسار، وحين نوفر لهن بيئة علاجية تراعي خصوصيتهن، ونمد لهن يد الدعم، يتحول الألم إلى أمل حقيقي».
ترى أبرار المغلق أن أسباب انجراف النساء نحو الإدمان ليست بسيطة، ولا يمكن حصرها في عامل واحد، بل هي نتيجة لتشابك نفسي واجتماعي يضع المرأة في دائرة الخطر. وتوضح: «من الناحية النفسية، نجد أن اضطرابات المزاج، واضطرابات الشخصية، والاضطرابات الناتجة عن الصدمات والضغوط تشكل أرضاً خصبة للإدمان. كثير من النساء اللواتي عشن صدمات في الطفولة يكن أكثر عرضة للانزلاق نحو التعاطي».
أما من الناحية الاجتماعية، فتؤكد أن العنف الأسري، والإهمال العاطفي، وغياب الدعم النفسي تمثل محفزات قوية. وتضيف: «حتى الدلال المفرط قد يخلق هشاشة داخلية تجعل المرأة أقل قدرة على مواجهة ضغوط الحياة. وفي أحيان كثيرة، يكون وجود شريك مدمن سبباً مباشراً في وقوع المرأة في دائرة الإدمان».
وبالرغم من أن البرامج العلاجية للرجال والنساء متشابهة في الأساس، إلا أن المغلق تلفت إلى أن علاج المرأة يتطلب خصوصية أكبر من حيث التركيز على قضايا بعينها. وتشرح: «النساء أكثر تعرضاً للصدمات العاطفية أو الجنسية، وكذلك للعنف الأسري. كما أن الوصمة الاجتماعية تجعلهن أكثر تردداً في طلب المساعدة. لذلك، نركز في علاج المرأة على معالجة الصدمات السابقة، وتوفير بيئة آمنة للتعبير، وبناء الثقة بالنفس».
وتشير إلى أن الدعم النفسي الجماعي له أهمية خاصة للنساء، إذ يمنحهن شعوراً بالأمان والاحتواء بعيداً عن الأحكام المسبقة. وتقول: «هذا البعد الإضافي يجعل العلاج أكثر فعالية، ويزيد من فرص التعافي المستدام».
تربط أبرار المغلق بين تجارب العنف الأسري والطلاق من جهة، وبين وقوع النساء في فخ الإدمان من جهة أخرى، مؤكدة أن هذه الأحداث تترك جروحاً عميقة قد تستمر لسنوات. وتوضح: «العنف المستمر يولد خوفاً ويأساً قد يدفع المرأة إلى المخدرات كمهرب. أما الطلاق فيحمل معه مشاعر عزلة وضغوطاً اقتصادية واجتماعية تثقل كاهلها. أما الصدمات مثل التحرش أو الفقد، فهي جروح مفتوحة تبقى تنزف لسنوات طويلة، والإدمان في هذه الحالة يصبح محاولة غير واعية لإيقاف النزيف».
وتشدد على أن الأسرة عنصر محوري في نجاح أو فشل العلاج، مؤكدة أن الدعم الأسري قد يشكل خط الحماية الأول في مواجهة الانتكاسة. وتقول: «الدعم النفسي والعاطفي من الأسرة قد يكون الفارق بين نجاح العلاج أو فشله. لذلك، ندمج جلسات العلاج الأسري ضمن البرامج العلاجية لتصحيح أنماط التواصل. غياب التعاون يعيد المريضة إلى البيئة نفسها التي دفعتها أصلاً للإدمان، بينما وجود أسرة داعمة يوفر شبكة أمان حقيقية».
ولفتت أبرار المغلق إلى أن الانتكاس جزء وارد في رحلة التعافي، لكنه لا يعني بالضرورة فشل العلاج. وتوضح: «قد تعود النساء للتعاطي بعد فترة من التعافي بسبب أزمة عاطفية، ضغط اقتصادي، أو ببساطة بسبب العودة إلى بيئة محفزة. حتى الملل أو الفراغ قد يكون كافياً لإشعال الرغبة من جديد».
وتؤكد أن فهم الانتكاس بوصفه فرصة لتقوية الخطة العلاجية لا كخسارة نهائية، يمثل نقطة تحول في مسار التعافي. وتقول: «أقول دائماً أن التعافي عملية طويلة الأمد تتطلب متابعة مستمرة، وكل انتكاسة يجب أن تُفهم كفرصة لإعادة البناء، لا كعلامة للفشل».
كما تشدد على أهمية الدور الأسري، خاصة وجود زوج متفهم، وتقول: «الدعم العاطفي من الزوج، وتفهمه، ومساندته العملية تساعد المريضة على الالتزام بخطة العلاج، وتقوي شعورها بالقدرة على التعافي. وفي المقابل، غياب هذا الدعم يرفع من خطورة الانتكاس».