أبناء شهداء الواجب لـ”الوطن”: الملك الأب الحاني.. ويعوّضنا عن شعور الفقدان
محمد الرشيدات
في عمل فني مرئي أنتجته الصحيفة
عندما يصبح الموت شرفاً، ووقتما تسكن ألباب الأطفال عناوين انتماء لا حصر لها رغم ألم الفقد الذي يسكن أفئدتهم البيضاء، فقد الشهداء من الآباء رغم تجوّل أرواحهم في السماء بعد غياب أجسادهم، اعلم جيداً أن القصة تدور حول حكاية وطن شامخ شموخ الجبال في أمكنتها، وطن بحجم البحرين يذود عنه أبناؤه محبّة وعشقاً، طواعية وليسوا مكرهين على فعل ذلك، ودافع المصداقية في الولاء والفداء يورّث لفلذات الأكباد من الصغار في أعمارهم، الكبار في صدق انتماءاتهم ونصرة مملكتهم ومليكهم.
وفي يوم الشهيد فصول برّاقة تُروى على لسان الأبناء الذين ما زالوا يفخرون بعِظَمِ ما سجّله أباؤهم من بطولاتهم صيغت بأحرف من ذهب فداء للوطن ودفاعاً عن أرضه ومكتسباته.
«الوطن» في هذا اليوم التقت عدداً من أبناء شهداء الواجب، الذين أكدوا أن الشهادة في سبيل الوطن مبعث فخر واعتزاز وأن البحرين تستحق أن نفتديها بالمهج والأرواح، مؤكدين أن جلالة الملك المعظم هو الأب الحاني للجميع ويعوّضنا عن شعور الفقد.
«مرام» ابنة الشهيد عبدالسلام الجريري البالغة من العمر 11 عاماً تعتز بما قدمه أبوها من تضحية وطنية باستشهاده أثناء تأدية واجبه كشرطي في وزارة الداخلية، مؤكدةً أن البحرين كانت لها من المكانة الكبيرة في قلب والدها الذي تشتاق لصوته وملامحه وتدعو له بالمراتب العليا من الجنة، لتأخذ بها الرغبة انعكاساً على شرف البطولة التي قام بها الأب بأن تصبح مستقبلاً شرطيةً تذود عن ثرى الوطن الذي ما زال يحتضن أبناءه ويقدّم لهم الكثير من أجل حياة ملؤها الأمن والاستقرار والعيش الهانئ، مبدية حبّها العميق لجلالة الملك عاهل البلاد المعظّم الذي يغدق على أبنائه وفير الحب ووافر الحنان، باعتباره الأب الثاني لأبناء الشهداء، داعيةً الله العلي القدير أن يحفظ جلالته والأسرة الحاكمة وأن يحمي البحرين ويُبقيها واحة أمان وسلام.
ونحو الأخ الأصغر لمرام «محمد» يكتمل وصف الشعور الحقيقي تجاه ما قام به أبوه الشهيد من فعل وطني يحق له أن يفخر به، متباهياً بوالده الرجل الصالح، المحبوب بين أوساط مجتمعه، والمعروف بدماثة أخلاقه وصدق ولائه للقيادة وللوطن وللشعب، فهو من استمات في الدفاع عن وطنه ضد من سكنهم الضلال والبعد عن الحق، ليسقط شهيداً في أحداث سجن جو وقد طابت نفسه بالموت، ليُظهر محمد مدى حبّه العميق واشتياقه الذي لا يوصف لنطق كلمة «يُبا»، إلّا أن ذلك تبعه عوض «الأب الملك» في توجيه مشاعر الأبوة الصادقة والدعم اللامحدود تجاه أبناء شهداء الواجب ممن قضوا نحبهم نصرة لدينهم ووطنهم، ليسرع محمد نحو الدعاء الجزيل لوالده بأن يسكنه في مراتب الشهداء مع الصالحين والأنبياء.
وكان محمد قد انتقل بنا لسرد أجمل اللحظات التي لها مكانة خاصة في مخيلته ووجدانه، وقتما مُنح فرصة السلام على جلالة الملك عاهل البلاد المعظّم في ذكرى يوم الشهيد مؤدياً له التحيّة العسكرية ليبادله جلالته ذات التحية، وهي تحية بعثت في نفس محمد العزّة والكرامة والتقدير الملكي للعمل البطولي الذي قام به والده، لتسكن السعادة قلبه حيثما ذهب.
ريان ذو الـ13 ربيعاً، هو ابن الشهيد محمد حافظ، ينظر إلى مستقبله بكل اهتمام بأن يصبح كأبيه ضابطاً في الحرس الملكي، وفي ذلك اقتداء دائم بالرجل الشجاع والمقدام، المخلص لوطنه ولمليكه ولقضايا أمته، وحرصه على أن يحفظ للقيمة الأبوية مكانتها في أعماق دواخله، ليتوجه ريان بعدها بذكر مناقب والده الذي كان محبوباً رؤوفاً به وبإخوته، لا يبخل عليهم في العطاء، أوجد في نفس أشباله كرامة وعزة في وطن يعيش فيه المعتزون بهويتهم وثقافتهم وعراقة أصولهم.
وبأمنية جالت في أروقة عقله طلبها حثيثاً أن يقول لوالده على سمع أذنيه أنه فخور بما قدّم وأخّر، بعدما نَوَّلَ روحه فداء للبحرين ودفاعا عن تراب أرضها الطهور في مهمّة عسكرية تمثّلت في عملية إعادة الأمل في اليمن الشقيق، مؤكّداً أنه وإخوته سائرون على نهج أبيهم بتقديم الغالي والنفيس من أجل درء كل المخاطر التي تستهدف أمن واستقرار المملكة من قبل كلِّ معتدٍ، مضيفاً على قول لسانه بالعامية «مثل ما أبوي قدّم روحه للوطن، أنا أيضاً ما راح أتأخّر عن تلبية نداء الواجب في كلِّ ظرف وفي أيِّ مكان».
بعدها جاء ريان إلى وصف الشعور الجميل الذي اعتراه عندما تشرّف بالسلام على حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظّم وجهاً لوجه، مؤدياً التحيّة العسكرية لجلالته التي اكتمل شأنها بردّ جلالته على التحيّة، وهذا ما يعكس نبل جلالته وتواضعه وقربه من أبناء شهداء الواجب كأبٍ ثانٍ لهم، وسعيه المستمر لدعمهم ومساندتهم وتشجيعهم على تحقيق الإنجازات الوطنية وإشراكهم في معادلة التنمية الشاملة ليكونوا فرسان التغيير مستقبلاً يعوّل عليهم الوطن الشيء الكثير.
خالد الشقيق الأصغر لريان يشابه أخاه فيما ينوي أن يكون عليه مستقبلاً كضابط في صفوف الحرس الملكي، ليكمل ما بدأه الأب الشهيد محمد حافظ كجندي في قوة دفاع البحرين، مشيداً بمناقب والده الذي عُرِف بطيبته وبحبه لوطنه، وعدم تردّده في آداء الواجب الوطني في قتاله جنباً إلى جنب مع زملائه في حربهم ضد مليشيا الحوثي في عملية إعادة الأمل، مبدياً رغبته العميقة في الاستشهاد إذا استدعى الأمر ذلك في سبيل الدفاع عن حدود المملكة والوقوف بحزم أمام كل متربّص بأمنها.
واستطرد قائلًا باللغة الدارجة «أحب البحرين وايد وايد، وروحي لها ترخص، ومستعد أقدّم لها روحي مثل ما فعل أبوي».
خالد ذو الـ10 سنوات أظهر سعادته وسروره البالغين عندما مُنِحت له الفرصة للسلام على جلالة الملك المعظّم في ذكرى يوم الشهيد، مؤكداً أن جلالته خفف عنهم الشعور المؤلم كأبناء شهداء الواجب بفقدان آبائهم ليكون لهم الأب الحاني العطوف على أولاده، الداعم لطموحاتهم في جميع المناسبات والأوقات.
إبراهيم صاحب الـ7 أعوام، بالوسام الذي علّقه على بدلته العسكرية الذي كُتب عليه «أبناء الأبطال»، أفصح عن نفسه باعتباره فلذة كبد الشهيد محمد نويد، برغبته المباشرة في أن يصبح مدرباً للفنون القتالية في المستقبل، مبتغياً الدفاع عن الحق والوقوف في وجه كلّ خارج عن القانون، مقتدياً بسيرة والده الذي ما زال يعشقه رغم عدم تذكّره ملامح وجهه بشكل كبير، إلّا أن لغة الحنان التي اتبعها معه والده الشهيد هي من رسمت الصورة الواضحة في مخيلته.
وأثناء حوار «الوطن» مع إبراهيم تسابقت الحروف على لسانه لنسج عديد عبارات الولاء والمحبّة لحضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المعظّم، الذي التقاه في ذكرى يوم الشهيد، لتكون اللحظة جامعة بين حنو القائد وجميل الأثر الذي تركه له والده.
شقيقة إبراهيم الكبرى، جنات محمد نويد ذات الـ9 أعوام هي أيضاً من بلغ طموحها عنان السماء فيما ستصير عليه في المستقبل كشرطية كي لا تخرج عن دائرة عمل الأب الشهيد كمنتسب لوزارة الداخلية، واصفة حبها لوالدها بكل عبارات البراءة الطفولية التي تلامس الوجدان، مؤكدة حرصه الدائم على زرع حب البحرين في قلبها وقلب إخوتها، وأنه يجب عليهم المحافظة عليها بكل ما أوتوا من قوّة.
وكانت جنات قد فاضت سريرتها النقية بأصدق الكلمات التي وضعت في مقام حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظّم قائلة (أنا أحبّ الملك حمد جداً، وهو بالنسبة لي بمثابة الأب الثاني الذي أخذ على نفسه عهداً بأن يكون سنداً دائماً والمستجيب لطموحاتنا نحن أبناء الشهداء لنصل إلى ما نطمح إليه).
إن المتمعن بمضمون السطور السابقة التي اكتملت معانيها بأسمى المشاعر الوطنية لبراعم بحرينية من أبناء شهداء المملكة الذين في جعبتهم الكثير من صور الولاء والانتماء لديرتهم الغالية (البحرين)، يعي جيداً أن حب الوطن لا يُكتسب بل يولد مع الفطرة الإنسانية المجبولة بتراب أرض لا يعرف قيمتها إلا من أَلِفَ سماءها وتوسّد بيئتها الرحبة المعطاءة التي لم تبخل يوماً في جود كرمها وحنانها تجاه من يبادلونها ذات الحب وذات الاهتمام.