حوراء مرهون
في ورشة صغيرة يملؤها اللون والخيال، يصنع أحمد جاسم دُماه بيديه، يمنحها ملامح وشخصيات، ثم يصعد بها على خشبة المسرح ليبث الحياة فيها، على خشبة مسرح تمزج بين العديد من الفنون، بينها الأداء الصوتي، والتمثيل، والرواية والحكاية، وصناعة الدمى بحرفية.
بعد أكثر من ٢٠ عاماً من العمل في مجال «مسرح العرائس»، بات هذا الفنان البحريني من الأسماء القليلة التي كرّست حياتها لهذا الفن النادر، محولاً شغفه بالخيال إلى رسالة تربوية وجمالية موجهة للأطفال.
بدأت رحلة جاسم من حجرة صف، حين كان يعمل معلماً للغة العربية، حيث لاحظ ميله للأدب والدراما، فانتقل من تدريس الحروف إلى سرد الحكايات.
يقول: «مع مرور الوقت، شعرت بأن لدي ميلاً خاصاً نحو الطفل. أحد الأصدقاء اقترح أن أعمل في أدب الطفل، ومنها بدأت في كتابة القصص والروايات، وصولاً إلى مسرح الطفل وتحديداً مسرح العرائس».
كانت أولى خطواته المسرحية في عام 2006، من خلال عمل بعنوان «وين الوطن» بالتعاون مع المؤسسة الخيرية الملكية، والذي عُرض في قلعة عراد.
«منذ تلك اللحظة، لم أتوقف»، يضيف جاسم، موضحاً أنه كان يكتب النص ويخرجه بنفسه، مستعيناً بزملاء لصناعة الدمى، حتى قرر التعمق في الفن والاشتغال علي تطوير موهبته في صناعة العرايس وسرد الحكايات.
في 2017، سافر إلى تونس ليتعلم صناعة الدمى على أصولها، حيث يعتبرها من الدول الرائدة عربياً في هذا المجال إلى جانب مصر. كما زار فرنسا ثلاث مرات لحضور مهرجانات مسرحية متخصصة، وتنقل بين بلدان عربية وأوروبية، ليتعلّم من تجارب الآخرين ويطوّر أدواته.
أحمد جاسم لا يكتفي بالعروض المسرحية، بل دخل أيضاً عالم التلفزيون من خلال برنامج الأطفال «تلاوين» الذي عُرض على تلفزيون البحرين، وكتب حلقاته الثلاثين بنفسه، كما أشرف على تحريك الدمى وإخراجها، حيث وصف التجربة بأنها من أعمق التجارب وأكثرها متعة، رغم التعب وامتداد التصوير لأكثر من شهرين.
لكن شغف جاسم لا يقف عند حدود العرض، بل يتجاوزها إلى علاقة حميمة مع دُماه، ويقول جاسم: «أزور دماي يومياً، أضعها بجانبي وأتأملها، أشعر بأنها جزء مني، بل حتى إنني أنام وسط الدمى وبيتي ممتلئ بها في كل مكان، وتساعدني زوجتي أيضًا في تصنيعها».
وأضاف أن كل دمية تحتاج إلى تغذية بصرية وبحث قبل تصميمها، حيث يشاهد مع فريقه عشرات الصور والمقاطع قبل رسم النموذج الأولي، ثم يتم تطويره مراراً وتكراراً حتى الوصول للنتيجة المرضية، ثم يتحول الرسم المبدئي لدمية حقيقية.
رغم النجاحات، لا يخفي جاسم أن هذا الفن لا يزال يواجه تحديات في البحرين، ويقول: «مسرح العرائس موجود فقط في المناسبات، لا يوجد مركز دائم أو دعم مؤسسي كما في تونس أو مصر أو لبنان»، مؤكداً أن حلمه هو تأسيس مسرح دمى ثابت يكون منبراً لهذا الفن، ويحتضن المواهب الجديدة، ويحمل رسائل راقية تربوية للأطفال في البحرين، لا سيما في ظل وجود شح في مسرح العرايس في البحرين وسط إقبال كبير من المدارس والروضات على هذا النوع من الفن.
وعن الانتقادات التي يتلقاها من بعض من يرون في الدمى «تجسيماً محرّماً»، يردّ بهدوء: «أحترم وجهات النظر، لكن ما أقدمه هو فن تربوي راقٍ، والدمى مثل الألعاب التي يستخدمها الأطفال يومياً، وهذه الدمى تحمل رسائل تربوية قد استخدمناها مسبقاً حتى لبث رسائل دينية مؤثرة، ولقت استحسان الأطفال».
في عالم أحمد جاسم، كل شيء قابل لأن يتحول إلى دمية، وعن هذه الرؤية يقول: «كل وجه أراه أتخيله دمية… العالم بالنسبة لي مسرح من الخيال، والفن هو أداة لكسر الواقع وصناعة عالم خيالي مليء بالتناقضات والغرابة».