مروان الجميلي أنقرة، إسطنبول

في خطوة وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ الصناعات الدفاعية التركية، دشنت شركة أسيلسان (ASELSAN) استثمارات جديدة غير مسبوقة تهدف إلى تعزيز البنية التحتية للإنتاج الكمي في التقنيات الدفاعية المتقدمة، وذلك خلال احتفالية حملت عنوان “أسس الخمسين عاماً المقبلة”، تزامناً مع مرور نصف قرن على تأسيس الشركة.

الاحتفالية التي أقيمت في قاعدة “غولباشي للتكنولوجيا” جمعت الرئيس رجب طيب أردوغان، ووزير الدفاع الوطني يشار غولر، ورئيس رئاسة الصناعات الدفاعية البروفيسور خلوغ غورغون، إلى جانب عدد من السفراء وكبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع الدفاع. وقد شهدت المناسبة إعلان استثمارات ضخمة، وتسليم أنظمة استراتيجية ضمن مشروع “القبة الفولاذية”، وافتتاح مرافق إنتاجية وبحثية جديدة.

الرئيس أردوغان وضع حجر الأساس لقاعدة أوغولباي للتكنولوجيا، التي ستصبح أكبر موقع لشركة أسيلسان وركيزة أساسية لمسيرتها في العقود المقبلة. وقد بلغت قيمة الاستثمار نحو 1.5 مليار دولار، لتقام القاعدة على مساحة 6.5 مليون متر مربع، منها 735 ألف متر مربع من المساحات المغلقة، بما يعادل مساحة 900 ملعب كرة قدم. وستُخصص هذه القاعدة بشكل رئيسي لفرق العمل المطورة لمنظومة الدفاع الجوي والصاروخي متعددة الطبقات المعروفة باسم “القبة الفولاذية”.

حماية المجال الجوي التركي عبر طبقات متعددة

وفي سياق متصل، أعلنت “أسيلسان” عن تسليم 47 مكوّناً رئيسياً من مكونات “القبة الفولاذية” إلى القوات المسلحة التركية، بقيمة بلغت 460 مليون دولار. وشملت هذه المكونات أنظمة دفاعية ورادارية وحرب إلكترونية من بينها سِيبر (SİPER) وحصار (HİSAR) وكوركوت (KORKUT)، إلى جانب أنظمة ألب (ALP) وبوهُو (PUHU). وتُمثل هذه الأنظمة نقلة نوعية في تعزيز شبكة الدفاع الجوي المتكاملة، بما يضمن حماية المجال الجوي التركي عبر طبقات متعددة.

كما دشنت الشركة 14 منشأة جديدة بلغت استثماراتها 280 مليون دولار، تضمنت مكاتب تصميم لأنظمة الدفاع الجوي، ومنشآت إنتاج ودمج للرادارات، ومركزاً متطوراً للبحوث في المواد الهندسية، ومنشأة متخصصة لإنتاج أنظمة الاستشعار الكهروضوئية (FLIR)، ومركزاً لتصميم ودمج الذخائر الذكية، إلى جانب هنغر لدمج أنظمة الطيران والإلكترونيات (Avionics) ومركز إنتاج “ASELSANNET HAB”. هذه المرافق رفعت الطاقة الإنتاجية للشركة بنسبة 40%، مع زيادة القدرة الاستيعابية للمختبرات ومساحات الأبحاث والدمج، وتوفير فرص عمل جديدة للكفاءات المؤهلة، على أن تدخل أولى المنشآت الخدمة بحلول منتصف عام 2026.

أكبر منشأة متكاملة للدفاع الجوي في أوروبا

وفي كلمته، أكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن هذه الاستثمارات تمثل “أكبر استثمار في تاريخ الجمهورية بمجال الصناعات الدفاعية”، مضيفاً أن القاعدة الجديدة ستكون “أكبر منشأة متكاملة للدفاع الجوي في أوروبا”. وقال: “خلال الخمسين عاماً المقبلة، لن تقتصر تركيا على تلبية احتياجاتها الدفاعية، بل ستصبح دولة تصنع التكنولوجيا وتساهم في صياغة مستقبل العالم. نحن واثقون أن أسيلسان ستكون من أبرز المؤسسات الداعمة لهذا المسار.”

من جهته، شدد وزير الدفاع الوطني يشار غولر على أن أسيلسان التي انطلقت قبل خمسين عاماً لتلبية احتياجات تركيا الدفاعية أصبحت اليوم قوة دافعة تجاوزت المعايير العالمية. وأوضح أن القاعدة الجديدة والمنشآت المضافة ستُعزز من تنافسية الشركة على المستوى الدولي، كما ستوفر الأنظمة المسلّمة ضمن مشروع “القبة الفولاذية” دعماً كبيراً لحركية الجيش التركي وقدراته العملياتية، ما يضمن أعلى مستويات الأمن القومي.

قفزة استراتيجية” للقطاع

أما رئيس رئاسة الصناعات الدفاعية البروفيسور خلوغ غورغون، فاعتبر أن هذه الاستثمارات تمثل “قفزة استراتيجية” للقطاع بأكمله، قائلاً: “هذا الإنجاز لا يمهّد الطريق للخمسين عاماً المقبلة من الابتكار فحسب، بل يعزز استقلالنا التكنولوجي، ويوسع قدراتنا، ويضع الأسس لتشكيل مستقبل الصناعات الدفاعية على المستوى العالمي”.

وخلال كلمته، أشار رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لأسيلسان أحمد أكيول إلى أن الشركة التي بدأت قبل نصف قرن بمجرد حلم وطني أصبحت اليوم ضمن أبرز اللاعبين العالميين في مجالات الدفاع الجوي والرادار والحرب الإلكترونية والاتصالات والذخائر الذكية والأنظمة الكهروضوئية. وأضاف: “نحن اليوم من بين أسرع عشر شركات دفاع نمواً في العالم، ومع هذه الاستثمارات نمضي قدماً لتحويل (أسيلسان) إلى قوة تكنولوجية عالمية”.

ويُجمع المراقبون على أن هذه الخطوة لا تمثل مجرد توسع إنتاجي، بل تشكل منعطفاً استراتيجياً في مسار الصناعات الدفاعية التركية، إذ تؤسس لمرحلة جديدة تجعل تركيا ليس فقط مكتفية ذاتياً في تلبية احتياجاتها الدفاعية، بل أيضاً فاعلاً رئيسياً في تصدير التكنولوجيا الدفاعية والمشاركة في صياغة موازين القوة العالمية خلال العقود المقبلة.

شاركها.