أعوام ووئام .. قراءة في الخطاب السامي لجلالة الملك المعظم بمرور خمسة وعشرين عامًا على تولي جلالته مقاليد الحكم
تضمن الخطاب السامي الذي تفضل بها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، اليوم الأربعاء بمناسبة مرور خمسة وعشرين عامًا على تولي جلالته مقاليد الحكم، العديد من المضامين والدلالات الهامة، الذي أوجز ملامح مسيرة الإنجاز التي شهدتها مملكة البحرين في ظل العهد الزاهر لجلالته في مختلف القطاعات، ورؤيته الحكيمة لتطلعات المستقبل المشرق لصالح البحرين وشعبها الوفي.
وتميز الخطاب السامي، كعادة جلالته دائمًا، بالصدق والوضوح في رصد وتوثيق مراحل مسيرة العمل الوطني، والاعتزاز بما أنجزه أبناء البحرين باختلاف أجيالهم ومواقعهم من عطاء أسهم فيما وصلت إليه مملكة البحرين من نماء وتقدم رغم الصعوبات والتحديات، كما تضمن حرصًا من جلالته على تجديد العهد بمواصلة العمل في ذات الإطار، واستكمال السير في النهج الثابت الذي يضع فيه مصلحة البلاد ووحدتها فوق كل اعتبار، والتأكيد على مُضي مسيرة العمل بكل تفاؤل وعزيمة وإصرار لتحقيق ما تصبو إليه مملكة البحرين وشعبها من نهوض وطني.
ولقد حمل الخطاب السامي لجلالة الملك حفظه الله ورعاه، مجموعة من القيم النبيلة والتصورات الحكيمة التي عكست جوانب عديدة من شخصية جلالته الإنسانية الرفيعة، ورؤيته القيادية الحكيمة، والتي من بينها:
أولا: جسد الخطاب السامي لجلالة الملك المعظم أرقى معاني وقيم الوفاء والتقدير للمخلصين من أبناء الوطن واعتزازه بعطاءهم، وهو ما تجلى عند حديثه، أيده الله، عن صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، حيث حرص جلالته على استحضار ذكراه العطرة، واستذكار ما تميز به من صفات، وكيف كان قائدًا وأبًا محبوبًا وأخًا وصديقًا مخلصًا لكل فرد من أبناء الوطن.
وبهذا الحديث عكس جلالته أسمى قيم الوفاء الإنساني، حينما قال ايده الله:” لقد نذرنا النفس كإبنٍ لعيسى وحافظًا لعهده بأن تتواصل مسيرة البناء والتطوير بذات العزم الوطني لخدمة مملكتنا العزيزة وحمل أمانتها العظيمة، والتي قطعنا من أجلها أمام الله عهدًا موثوقًا بأن تبقى نموذجًا متحضرًا، ووطنًا متقدمًا يفخر بكفاءة أبناءه وبناته، ويعتز بسعيهم المخلص لعلو شأن البحرين وصون كل ذرة من ترابها الوطني”.
كما تجسّد وفاء جلالته، رعاه الله، عند حديثه المفعم بالتقدير عن جيل الآباء من الرواد الذين أغنوا ساحات العمل على امتداد المسيرة العامرة بزخم عطائهم المخلص وعملهم الصالح، ليقدم جلالته من خلال ذلك نموذجًا للقائد الأب والإنسان، الذي يحمل فيه قلبه ووجدانه المحبة والاعتزاز لكل العطاءات التي قُدمت من أجل رفعة الوطن.
ثانيًا: حرص جلالته في خطابه السامي على التأكيد على أن مسيرة نماء الدولة وتقدمها قامت على سواعد جميع أبناء الوطن، الذين ساروا مع جلالته يدًا بيد تحت راية مملكة البحرين، واضعين أمامهم هدفَا أسمى هو أن تكون مصلحة البلاد ووحدتها فوق كل اعتبار، وهو الهدف والنهج الذي أكد جلالته أنه سيبقى في جوهره ثابتًا ولن يحيد عنه بكل تفاؤل وعزيمة وإصرار لتحقيق ما نصبو له من نهوض وطني.
ثالثًا: استحضار جلالته لذكرى مشروع ميثاق العمل الوطني يعكس مدى تقديره لهذا الإنجاز الوطني الذي جسد التفاف الإرادة الشعبية خلف قيادة جلالته الحكيمة، حيث وصف الموقف التاريخي لشعب مملكة البحرين بإجماعه الوطني على الميثاق بأنه كان “بمثابة البيعة لعهدٍ وعصرٍ جديد حمل جلالته لواءه”، وبفضل تلك الرؤية الثاقبة أسهم المشروع في وضع اللبنات الأولى لمرتكزات الدولة الديمقراطية الحديثة، التي تقوم على مجتمع متماسك وإرادة وطنية جامعة غايتها إرساء دعائم التطور والتنمية الشاملة التي ينعم فيها الجميع بالخير.
رابعًا: حرص جلالته على الإشادة بابن البحرين البار صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حفظه الله، يعكس مدى اعتزاز جلالته وتقديره للجهود التي تبذلها الحكومة الموقرة برئاسة سموه في سبيل تحقيق التطلعات الملكية، وما تنجزه على أرض الواقع من نجاحات وما تنفذه من برامج واستراتجيات غايتها خدمة الوطن والشعب، كما أثنى رعاه الله على دور أنجال جلالته الكرام الذين يتولون مسئولياتهم بروح وطنية عالية ضمن “فريق البحرين” الواحد، وبتكاتفهم كالبنيان المرصوص وتمسكهم بشرف خدمة وطنهم والمحافظة على أمانته والذود عن مصالحه.
خامسًا: تقدير جلالته الدائم للقوات العسكرية والأمنية، وفخره بما يسطره أبناؤها البواسل رجالا ونساء من صفحات الشجاعة في الذود عن الوطن وحماية مصالحه العليا، محافظين على عهودهم وملتزمين بما أقسموا عليه أمام الله، وهو ما يشكل حافزًا لهذه القوات على مواصلة العمل بذات الروح والكفاءة، وأن تكون دائمًا في أعلى مستويات الجاهزية والكفاءة التسليحية والعسكرية، بما يضمن لها القيام بواجبها الوطني المقدس على الوجه الأكمل.
سادسًا: حرص جلالته ايده الله على التأكيد على أن انطلاقة البحرين مستمرة ومتواصلة ولا تفريط فيها، وسيظل واجب صونها أول الواجبات وعلى رأس المسئوليات للحفاظ على رفعتها وتقدمها كمملكة حامية للحقوق والحريات، وواحة أمن وأمان للعيش المشترك، ومنارة مشعة بالتسامح والانفتاح الحضاري، وهذا ما يعكس رغبة جلالته في تبيان ملامح المستقبل الذي يتطلع إليه، والتأكيد على أن التمسك بهذه القيم والمبادئ هو النهج الذي اختارته مملكة البحرين وستظل ملتزمة به، وستبقى واحة مشرقة للحريات، ومساهمة في كل جهد يرمي إلى نشر السلام والتعايش في ربوع الأرض، وأنها لن تتخلى مطلقًا عن نهجها في التعاون مع جميع أشقائها وأصدقائها كما كان عهدها على مر الأزمان.
إن الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، لم يكن فقط رصدًا لما شهده الوطن من إنجازات منذ تولي جلالته ايده الله مقاليد الحكم قبل خمسة وعشرين عامًا، وإنما كان وثيقة تاريخية لمسيرة بناء وطن عصري ومتقدم على المستويات كافة.