ألف وجه.. ووجه!! – الوطن
بعض الناس لا يرى في التلون حرجاً، لا يرى في النفاق مشكلة، لا يرى في تبديل الجلد أي كارثة، المهم أن يصل، المهم أن يحقق مبتغاه، حتى لو عرفه الناس بأن له ألف وجه ووجه.رغم أنني كنت دبلوماسياً كصفة مهنية في فترة سابقة، إلا أنني لست دبلوماسياً فيما يتعلق بالمبادئ والقيم والثوابت، ولذلك اختلفت دائماً في دراستي الأكاديمية مع نظريات الدبلوماسية الحديثة، وأوصلت أحد البروفيسورات لحد الغضب حينما وصفت الدبلوماسية «بتجرد» على أنها ارتداء أقنعة، والتمثل بمواقف كثير منها غير حقيقة وغير صادقة، بمعيار الغاية تبرر الوسيلة، في مقابل أن الحقيقة الواضحة لا تحتاج لالتفاف ولا تحتاج لمناورات، بل هي حقيقة تقدم بشكلها «المجرد» سواء حظيت باستحسان أو قابلها سخط واستياء.هي قناعات شخصية، لكن في النهاية هي أمور تدخل ضمن تصنيف «الصواب والخطأ»، و»الصدق والكذب».باتت الثوابت والتمسك بالقيم كما السباحة عكس التيار. فمقابل حقيقة واحدة هناك 5 أكاذيب وحالات نفاق وتلون.البعض يقول بأن الوضع أحياناً يحتّم السير في اتجاه الريح، فالجنون هو الوقوف في وجه العاصفة، في المقابل الدهاء والذكاء أن تحني رأسك لتمر العاصفة لترفعه بعدها. لكن هل «رفع الرأس» بعدها له قيمة؟! والأهم قيمة لدى الشخص نفسه؟!الثابت على الحق كما الممسك بجمرة حارقة في يده! أليس كذلك؟! أليست الحقيقة تقول بأن في داخل كل شخص بذرة طيبة نتاجها الرغبة في عيش حياة مثالية تتمثل بتصرفات صادقة وسلوكيات طيبة؟! بالتالي الاستسلام والقبول بأن «هذا هو الواقع» هو ما يجعل أمراضاً كالتلون والنفاق تعشعش وتطغى لتمسح مقابلها أي مبادئ وثوابت صحيحة. هو ما يجعل الشخص يخسر ذاته قبل أن يخسر كثيراً من مبادئه.أنت من يحدد طريقة عيشك لهذه الحياة التي لن تتكرر إلا مرة، هل تريد العيش بوجه واحد أم العيش بألف وجه ووجه؟!العاجز سيقول سأسير مع التيار حتى لا يجرفني الموج العاتي، لكن هناك من يؤمن أن القوة تكمن في الثبات وتحويل اتجاه المسار ليصبّ في مصبّه الصحيح، وهي عملية فيها معاناة وتعب وصراع ولربما خسارة فادحة.بيد أن الفارق هنا، بين من يعيش كريماً وإن لم يملك شيئاً، وبين من يعيش خادعاً لنفسه قبل الآخرين، ضارباً بالقيم والمبادئ عرض الحائط، ولو ملك كل شيء.قد يضحك البعض على ما قلناه، قد يقولون ما هي إلا أفلاطونيات، ومثاليات، بل إنما هي هلوسات. لكن في النهاية هي قناعة شخصية، وكل منا حر في كيف يعيش، وكيف يكون، وكيف يموت!