«أمازون».. إحدى ثمار البيئة الاستثمارية الجاذبة في البحرين
محمد الرشيدات
1.2 مليار دولار مساهمة «الإنفاق السحابي» في الناتج المحلي 2026
في الوقت الذي أصبحت فيه العولمة متوغّلة في كل ركن من أركان مجالات العمل الحيوية النشطة، تسعى كبرى البلدان المتقدمة لمحاكاة الأدوات الرامية إلى مواكبة الثورة المعلوماتية الحالية بشتّى السبل والإمكانات المتاحة.
البحرين وما أنجزته خلال السنوات الماضية، تحثّ الخطى لتبني أفضل الممارسات العصرية المؤطّرة لمعالم الدولة المدنية الحديثة، قانعة بأهمية التكنولوجيا أكثر من ذي قبل، باعتبارها ذات تأثير مباشر على أغلب الأنشطة الحياتية اليومية، والتي أضحت الحاجة إليها كالهواء في الإبقاء على الإنسان حيّاً، وذلك ينطبق تماماً على ديمومة الحياة داخل عمليات بدن أهم القطاعات المؤثرة في معادلة الاقتصاد المزدهر، وفي التعاطي مع التوسّع الحاصل لمفهوم الاقتصاد الرقمي الجديد.
إن مواصلة العمل والابتكار والتفكير خارج نطاق الصندوق أمر مهم في نهضة الدول، وبالأخص حرصها التام على إحداث نقلة تكنولوجية نوعية في البنية التحتية التقنية للخدمات الحكومية وغير الحكومية عبر تأسيس أرضية خصبة لقاعدة بيانات تكون داعمة لمجال الحوسبة السحابية في ظل النمو الذي تشهده الأسواق العالمية والمسارات الخدمية، ولا سيما في القطاعات التي يكون فيها زمن الوصول وسرعة المعاملات وقلة تكلفتها عناصر حاسمة في التنمية، وعليه بدأت الشركات المبحرة في تقديم الخدمات السحابية تنظر إلى الفرص التي تزخر بها المنطقة للاستثمار فيها، وبالأخص نحو البحرين، لكونها بوابة الوصول إلى هذه الفرص.
شركة «أمازون لخدمات الإنترنت» واحدة من بين أحدث الشركات العالمية التي حرصت على التواجد في المملكة، من خلال إطلاق أولى عملياتها بداية عام 2017، لتسارع صوب تأسيس بنىً تحتية تضم ثلاثة مراكز للبيانات الضخمة من أجل خدمة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برمتها.
تسهيل إجراءات ممارسة الأعمال ساهمت في دعمه البيئة المواتية في البحرين لتكون الوجهة المثلى لدى شركة «أمازون»التي تصل قيمة الأعمال السحابية فيها إلى 550 مليار دولار ككيان مستقل، وتسيطر على 32% من التداولات التجارية الرقمية في سوق الخدمات السحابية، وذلك عبر سياسات حكومية تتركّز في تطوير قطاع الحوسبة السحابية، إضافة إلى وجود الطاقات الوطنية الماهرة، والحرية المالية الفريدة، ومتوسط تكاليف التشغيل السنوية الأكثر تنافسية، وتوافر الكابلات الدولية المتنوعة والمزدوجة والفعّالة من حيث التكلفة، والتي توفر حماية إضافية لناقلات البيانات خلال فترة الأعمال، إلى جانب استخدام الطاقة المتجددة في تشغيل الإنترنت، وهذا كله جعل من البحرين مقصداً للشركات المزودة لحلول وخدمات السحابة بما فيها شركة «أمازون»، التي تبرع بتقديم أكثر من 200 خدمة مميزة بالكامل مدعومة بـ143 معياراً أمنياً وشهادة امتثال.
وفي ذات النسق، ووفقاً لدراسة نشرتها مؤسسة البيانات الدولية IDC، بينت أن حجم الإنفاق السحابي في البحرين يساهم بأكثر من 1.2 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ومن المتوقع أن ينمو الإنفاق على الخدمات السحابية العامّة بمقدار 14.9 مرّة بحلول عام 2026، على أن يصل مستوى العائد الاقتصادي من هذا الاستثمار نحو 6.7 دولار لكل دولار يتم استثماره في التكنولوجيا السحابية، وأن يساهم في خلق أكثر من 9300 وظيفة في حدود السنة المذكورة.
وقد أظهرت البحرين، بحسب ما أشارت إليه مؤسسة البيانات الدولية، استجابة إستراتيجية وسريعة للاتجاهات العالمية في عصر الابتكار الرقمي، وكانت الأولى في المنطقة التي تتبنى سياسة وطنية «للسحابة أولاً»، ما أدى إلى زيادة الإنفاق على السحابة في عام 2019، ناهيك على أن المملكة تعمد إلى إنشاء بنية تحتية وبيئة داعمة مهيأتين للتكنولوجيا السحابية، ما سيعزز من جاهزيتها بفاعلية كمركز إقليمي رائد للسحابة والبيانات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ممهدة الطريق لذلك عبر وضع إطار عمل ممنهج للأمن السحابي.
وبالإضافة إلى ذلك، بينت الدراسة أن سياسة البحرين القائمة على نموذج «السحابة أولاً»، والتزام القطاع العام برقمنة البنية التحتية الوطنية، والاستثمارات المستمرة في الحلول المستندة إلى السحابة، أدّت إلى تحسين الأداء التشغيلي للمؤسسات عبر مختلف القطاعات، وهو ما ترتّب عليه استقطاب كبرى الشركات العالمية المختصة في خدمات الإنترنت، من أهمها، شركة «أمازون» كنموذج يختص بتحليلات البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وهو ما يعكس دأب البحرين المتوجّه نحو توسيع نطاق التكنولوجيا السحابية، عبر الجهد المشترك الذي تبذله الوزارات والهيئات الحكومية الرئيسية المعنية، الرامي إلى تعزيز مكانة البحرين الرائدة على صعيد رقمنة اقتصادها وتطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال المبادرات الرقمية الرئيسية، الأمر الذي كان له دور في تحقيق عوائد إستراتيجية تعززت بقيام الحكومة بنقل ما يزيد عن 85% من هيئاتها وخدماتها إلى السحابة.
تلك الجهود الحكومية تمخّض عنها أيضاً وضع تشريعات وقوانين جديدة في هذا الإطار، ولعلّ من أبرزها قانون الولاية القضائية للبيانات، ونتيجة لذلك سطرت البحرين قصص نجاح عظيمة ضمن مسيرتها للتحول الرقمي، وذلك على غرار توجه شركة «أمازون ويب سيرفيسز» التي اختارت البحرين وجهة لاستضافة أول منطقة لها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وهذا النجاح الذي تحققه شركة «أمازون» من على أرض البحرين يقف وراءه فرق مكونة من مهندسي الحلول، ومطوري الأعمال، ومديري خدمة الشركاء، ومستشاري الخدمات الفنية وغيرهم الكثير، لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة من أجل الانتقال إلى الحوسبة السحابية، وتقديم الخدمات الإلكترونية، وتطوير البرمجيات، وتفعيل خدمات الدفع الإلكتروني، ومنحها القدرة على توفير وقت استجابة أقل للمستخدمين النهائيين بتكلفة ميسورة يتم احتسابها على أساس نظام الدفع بحسب الاستخدام، لتوفّر الشركة مزيجاً من الممارسات والأدوات التي تزيد من قدرة المؤسسة على تقديم التطبيقات والخدمات بسرعة عالية، وتطوير المنتجات وتحسينها بوتيرة أسرع من المنظمات التي تستخدم إدارة البنية التحتية وعمليات تطوير البرمجيات التقليدية، بما يصبّ في خانة خدمة الزبائن بشكل أفضل والتنافس بشكل أكثر فاعلية في السوق.
اتخاذ «أمازون» من المملكة مركزاً إقليمياً لعملياتها في المنطقة، تم في إطار شراكة عالمية ما زالت تسهم في تعزيز الاستخدام الأمثل للموارد بكفاءة وفاعلية عاليتين، ومؤدية إلى ضبط الإنفاق في الميزانية، وتقليل المدة اللازمة لإطلاق ابتكارات جديدة ومطورة بشكل يتناغم مع الإستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي، ناهيك عن طبيعة العائد الاقتصادي من استثمارات الشركة في البحرين وخلق آلاف الوظائف للكفاءات البحرينية المؤهلة والمدربة.
وعلى مدار 30 عاماً وتحديداً لحظة تأسيسها في عام 1994، استطاعت شركة «أمازون» تقديم خدمات سحابية إلى عملائها المتواجدين عبر 16 مركزاً إقليمياً تابعا لها، في 190 بلداً حول العالم، ممن يشغّلون مجموعة متنوعة وكبيرة من نوافذ الاستخدام تندرج تحت قائمة 14 قطاعاً تتناول في مجملها البيع بالتجزئة، والطاقة، والمعرفة، والإعلان والتسويق، والابتكار، والخدمات المالية، والصحّة، والزراعة، والسفر، وغيرها، لتبلغ النسبة المتعلّقة بتشغيل جميع الحاويات في السحابة على موقع الشركة 80%، الذي يشهد استخداماً كبيراً من قبل الملايين من زوّاره، الذين يستهدفون سحب أكثر من 14 مليار صورة أسبوعياً من سجلّ حاوية أمازون المرنة، الأمر الذي يرتبط ارتباطاً ضمنياً بمدى نمو خدمات حاويات AWS ليصل إلى 150% سنوياً.