بسبب وجودي في إجازة سنوية، لم يتسنَ لي التعليق حينها على الزيارة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أرى الوقوف عندها مسألة جداً هامة لما تضمنته من مؤشرات ودلائل ومضامين.الزيارة حملت أبعاداً سياسية واقتصادية أظهرت مستوى متقدماً من الحنكة الدبلوماسية والرؤية الاستراتيجية التي يتمتع بها سمو الأمير سلمان، إذ مثل لقاؤه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحظة محورية، ليس فقط لتعزيز العلاقات بين البلدين، بل لترسيخ موقع البحرين كطرف متزن وفاعل على الساحة الدولية. اتسمت الزيارة بطابع عملي، إذ تجاوزت حدود المجاملات والبروتوكولات، وأسفرت عن نتائج ملموسة. حيث جرى الإعلان عن توقيع اتفاقيات واستثمارات ضخمة بلغت قيمتها نحو 17 مليار دولار، تضمنت صفقة مهمة بين طيران الخليج وشركتي بوينغ وجنرال إلكتريك، إلى جانب استثمارات بحرينية مباشرة في الاقتصاد الأمريكي تجاوزت عشرة مليارات دولار. وشملت هذه الاستثمارات قطاعات حيوية مثل الطاقة، والغاز الطبيعي، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مشاريع لتوسيع إنتاج الألمنيوم في الولايات المتحدة، وتطوير بنية تحتية رقمية متقدمة بالتعاون مع شركات تقنية عالمية.الاستقبال الذي حظي به سمو الأمير سلمان عكس قوة الروابط بين البحرين والولايات المتحدة. فقد أعرب الرئيس ترامب عن تقديره البالغ لقيادة وشعب البحرين، مؤكداً أن الشراكة بين البلدين مبنية على المصالح المتبادلة، ومشيداً بالدور الذي تضطلع به المملكة كشريك موثوق في الشرق الأوسط، مشيداً بمكانة ملكنا المعظم الغالي والاحترام والتقدير الكبير الذي يحظى به جلالته على مستوى العالم. من جانبه، شدد الأمير سلمان على أن الاتفاقيات التي أُبرمت تمثل واقعاً عملياً قابلاً للتنفيذ الجاد، مؤكداً على أهمية الشفافية والمصداقية في بناء التعاون الدولي، وهي منطلقات مبعثها ما يتميز به سموه من صفات ومبادئ، أهمها إيمانه بالعدالة، وتمسكه بالأعراف الإنسانية واحترام الجميع وبناء العلاقات الإيجابية. كالعادة برز خلال الزيارة أسلوب الأمير سلمان الذي جمع بين اللباقة والحزم، حيث قدم رؤية اقتصادية واضحة الأهداف ذات منظور استراتيجي، ترتكز على تنويع مصادر الدخل وتعزيز التعاون مع القوى الاقتصادية المؤثرة عالمياً، بما يضمن المصالح الوطنية على المدى البعيد. كما أظهر سموه قدرة عالية على التعامل مع الملفات المعقدة بأسلوب مرن وعملي، مع الحفاظ على مكانة البحرين واحترامها في المحافل الدولية. هذه الزيارة أراها محطة تؤكد أن البحرين، بفضل قيادتها الواعية، قادرة على صياغة مستقبلها عبر شراكات متوازنة مع القوى العالمية المؤثرة، بما يخدم تطلعات شعبها، ويرسخ موقعها الدولي. وقد خرجت البحرين من هذه الجولة الدبلوماسية بفضل من الله ثم بجهود الأمير سلمان حفظه الله وحضوره القوي، بفرص اقتصادية واستراتيجية جديدة تعزز مسار التنمية الوطنية، وتجعل من هذه الزيارة نقطة تحول في العلاقات البحرينية الأمريكية وخطوة مهمة نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.