أبطلت محكمة الاستئناف العليا الشرعية هبة عبارة عن بيت في عراد وهبه بحريني قبل وفاته لزوجته، دون أبنائه الثمانية من زوجة سابقة، وقالت المحكمة إن الواهب ظل موجوداً وساكناً في العقار موضوع التداعي حتى وفاته، ولم تتحقق الحيازة التي ينتقل بها الملك بخروج الواهب من البيت قبل وفاته رغم امتلاكه لعدة بيوت أخرى. الدعوى تتحصل وقائعها بحسب ما ذكره المحامي محمد الشرعبي في أن الأبناء الثمانية لبحريني تفاجؤوا بقيام زوجة أبيهم بنقل ملكية البيت الذي كان يسكنه في عراد إلى ملكيتها بحجة أن والدهم قد وهبه لها أثناء حياته، فأقاموا دعوى أمام المحكمة الشرعية، مطالبين بإبطال الهبة، مؤكدين أنها قد حدثت في فترة مرض الموت وقد كان حينها فاقداً للإدراك وغير متمتع بكامل قواه العقلية.لكن محكمة أول درجة أصدرت حكمها برفض الدعوى، وألزمت المدعين المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، إلا أن هذا الحكم لم يلقَ قبولاً لدى المستأنفين فطعنوا عليه، وطلبوا بإلغاء الحكم والقضاء مجدداً بإبطال الهبة الشرعية واعتبارها كأن لم تكن وإعادة تسجيل العقار باسم الواهب مورث المستأنفين، ومن ثم إعادة توزيعه على الورثة بحسب أنصبتهم الشرعية، وإثبات الحكم في السجلات الرسمية والوثيقة العقارية للعقار موضوع عقد الهبة.ودفع المحامي الشرعبي بالخطأ في تطبيق القانون وأحكام الشرع الحنيف عندما قضى حكم محكمة أول درجة برفض الدعوى، تأسيساً على أسانيد تتصادم مع نصوص القانون وواقع الدعوى، والمخالفة للثابت في الأوراق من التقارير الطبية الخاصة بحالة الواهب.وأشار الشرعبي إلى المقرر طبقاً للمذهب المالكي أنه تبطل الهبة إذا مات الواهب ولم يحزها الموهوب له، وذلك بأن يتصرف الموهوب له في الهبة تصرف الملاك في حياة الواهب؛ كي تتحقق الحيازة الشرعية التي ينتقل بها الملك، وما ذكره ابن أبي زيد القيرواني في رسالته: «ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة، فإن مات قبل أن تحاز عنه فهي ميراث».وإلى نص المادة 912 من القانون المدني بأنه «إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها بحقه في الانتفاع بها مدى حياته، اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية، ما لم يقم دليل يخالف ذلك».وقالت المحكمة في حيثيات الحكم إن المستأنفين قد ولجوا باب القضاء طالبين إبطال الهبة الصادرة من مورثهم لزوجة أبيهم المستأنف ضدها الثالثة (زوجة الواهب) للعقار موضوع التداعي (دار سكناه)، ولما كان ذلك وكان الثابت من مشهور مذهب السادة المالكية اشتراط تخلية الدار من الواهب للموهوب له حتى تتم الهبة، وكان الثابت من البينة أن الواهب ظل موجوداً وساكناً في العقار موضوع التداعي حتى وفاته، ومن ثم فلم يتحقق شرط التخلية، وأن المستأنف ضدها الثالثة لم تتملكه تملكاً فعلياً، أو تتسلمه أو تحزه حيازة فعلية، أو تضع يدها عليه، ومن ثم فإن المستأنف ضدها الثالثة لم تبسط سيطرتها المادية على العقار، أو تظهر فيه بمظهر المالك له، ولم تنتفع به أو يتحقق القبض والتخلية في حياة الواهب، وتسري عليه أحكام الوصية، كما أن المقرر فقهاً أنه لا وصية لوارث.ونوهت المحكمة إلى الثابت في أوراق الدعوى بأن الواهب يمتلك عقارات أخرى، وكان بمقدوره الانتقال لأحدها، خاصة مع وجود فارق زمني طويل نوعاً ما بين تاريخ توثيق الهبة وبين وفاة الواهب، وعليه فإن الهبة وقعت حابطة الأثر، مما يتعين معه إبطالها، وإبطال جميع الآثار المترتبة عليها شرعاً وقانوناً، وحكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف، والقضاء مجدداً بإبطال الهبة الشرعية واعتبارها كأن لم تكن.

شاركها.