بقلم د. عائشة هلال صايان كويتاك

نحتفلُ هذا العامَ بكلّ فخرٍ بالذكرى الثانية بعد المئة لإعلانِ قيامِ جمهوريّةِ تركيا، ذلك الحدثِ المفصليّ في تاريخِ أمّتِنا، والذي أرَسَى أسُسَ دولةٍ حديثةٍ ديمقراطيّةٍ تتطلّعُ إلى المستقبل.

ففي التاسعِ والعشرينَ من تشرينِ الأوّل عامَ 1923، اعتنقَ الشعبُ التركيّ، تحت قيادةِ مصطفى كمال أتاتورك، مبدأَ الجمهوريّةِ الذي كفلَ لهُم حقَّ تقريرِ مصيرِهم بأنفسِهم.

لقد كان إعلانُ الجمهوريّةِ تتويجًا لملحمةِ نضالِ الأمّةِ التركيّةِ من أجلِ الاستقلال. فبعدَ سنواتٍ من التضحياتِ خلالَ حربِ الاستقلال، لم يظفرِ الشعبُ التركيّ بحريّتِه فحسب، بل نالَ أيضًا حقَّ تأسيسِ دولةٍ تقومُ على السيادةِ الوطنيّةِ والاستقلالِ الكامل.

وقد أثبتتِ الأمّةُ التركيّةُ للعالمِ أجمع أنّها لن تخضعَ يومًا للظلمِ أو للعبوديّة. وإنّ هذا النصرَ، الذي تحقّقَ بفضلِ القيادةِ البصيرةِ والعزيمةِ الاستثنائيّةِ للشعبِ التركيّ، يبقى مصدرَ إلهامٍ خالدٍ يوجّهُ خطانا حتى يومِنا هذا.

منذُ تأسيسِ الجمهوريّةِ التركيّة، ظللنا نسيرُ على هَدْيِ المبدأِ الراسخِ القائل: «السلامُ في الوطن، السلامُ في العالم». واليومَ، تبرزُ تركيا بما تمتلكُه من اقتصادٍ ديناميكي نشِط، ودبلوماسيّةٍ فاعلةٍ على الساحةِ الدوليّة، وإسهاماتٍ قويّةٍ في إرساءِ السِّلمِ العالميّ.

وإذ نُكرّمُ إرثَ الجمهوريّةِ التركيّة، فإنّنا نُواصِلُ مسيرةَ التقدّمِ والازدهار، مستنيرينَ برؤيةِ «قرنِ تركيا» التي أطلقَها فخامةُ الرئيسِ رجب طيّب أردوغان بحكمتِه وقيادتِه الرشيدة.

حين نتأمّلُ المسيرةَ التي قطعتْها جمهوريتُنا، يتّضحُ لنا جليّاً أنّ إنجازاتٍ أعظمَ ما تزالُ بانتظارِنا في المستقبل. فاليوم، باتت القدراتُ الدفاعيّةُ الوطنيّةُ والمحليّةُ التي حقّقتْها أمّتُنا تفوقُ كلَّ مقارنةٍ بما كان عليه الحالُ من قلّةٍ ومشقّةٍ عانى منها الجيلُ الباسلُ الذي نالَ لنا الاستقلال.

وإنّي على يقينٍ بأنّ أسلافَنا كانوا سيشعرونَ بفخرٍ عظيمٍ لو شهدوا قدراتَنا الوطنيّةَ اليوم، حيث ننتج اليوم 80% من منتجات صناعاتنا الدفاعية.

في إطارِ «قرنِ تركيا»، تهدفُ السياسةُ الخارجيّةُ الوطنيّةُ التركيّةُ إلى تعزيزِ السلامِ والأمنِ الإقليميَّين، وتوسيعِ الأساسِ المؤسّسيِّ لعلاقاتِنا الخارجيّة، ودفعِ عجلةِ التنميةِ الاقتصاديّةِ والازدهارِ في منطقتِنا، والمساهمةِ الفاعلةِ في توجيهِ مسارِ التحوّلِ في النظامِ العالميّ.

فعلى سبيلِ المثال، فقد دعمتْ تركيا منذُ البدايةِ مساعيَ سوريا نحو السلامِ والتعافي وإعادةِ الإعمار، ولم تتركْ إخوتَها وأخواتِها السوريّينَ يومًا وحدَهم، ولن تفعلَ ذلك أبداً.

وبالمثل، فإنّ تركيا، ومنذُ اللحظةِ الأولى لجريمةِ الإبادةِ في غزّة، وقفتْ إلى جانبِ شعبِها، لتقديمِ المساعداتِ الإنسانيّة، ولدعمِ وقيادةِ كلِّ مبادرةٍ صادقةٍ تُعلي من شأنِ السلامِ والعدالةِ وكرامةِ الإنسان.

وقد قدّمتْ تركيا إلى غزّة 102 ألف طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

كما صرّحَ فخامةُ الرئيسِ رجب طيّب أردوغان، فإنّ تركيا واصلتْ جهودَها الدبلوماسيّةَ الفاعلةَ عبرَ قنواتٍ متعدّدةٍ من أجلِ وضعِ حدٍّ لمعاناةِ المدنيّين الأبرياءِ، بمن فيهم النساءُ والأطفال.

وفي هذا الإطار، نرحّبُ بقرارِ وقفِ إطلاقِ النارِ في غزّة خلالَ قمّةِ شرمِ الشيخ، التي شاركَ فيها أيضًا فخامةُ الرئيسِ أردوغان، ونتطلّعُ إلى التنفيذِ الكاملِ لاتفاقِ وقفِ إطلاقِ النار.

إنّ إحلالَ السلامِ الدائمِ في الشرقِ الأوسط لا يمكنُ أن يتحقّقَ إلّا من خلالِ تسويةٍ عادلةٍ للقضيّةِ الفلسطينيّةِ الإسرائيليّة. ونأملُ أن يُسهمَ الزَّخَمُ الذي تحقّقَ في مفاوضاتِ وقفِ إطلاقِ النار في تهيئةِ الظروفِ المناسبةِ لتحقيقِ حلٍّ قائمٍ على دولتين في المرحلةِ المقبلة.

وكما كان الحال دائمًا، ستُواصِلُ تركيا جهودَها الدؤوبةَ من أجلِ بلوغِ هذهِ الرؤية. وبهذه المناسبة، نتقدّمُ بأحرِّ التعازي إلى الشعبِ الفلسطينيِّ الشقيقِ وفلسطين في ضحاياهم، ونتمنّى الشفاءَ العاجلَ لجميعِ الجرحى.

ستُواصِلُ تركيا عملَها الدؤوبَ في منعِ النزاعاتِ من خلالِ الوساطةِ في حلِّ الخلافات، سواءٌ في منطقتِها أم خارجَها.

وانطلاقًا من أهدافِ سياستِنا الخارجيّة، تمتدُّ العلاقاتُ بينَ تركيا ومملكةِ البحرين لأكثرَ من خمسةِ عقود، وتشملُ التعاونَ في مجالاتٍ محوريّةٍ مثلَ السياسةِ والتجارةِ والصحّةِ والتعليمِ والثقافة.

وبفضلِ الرؤى الحكيمةِ لكلٍّ من فخامةِ الرئيسِ رجب طيّب أردوغان وحضرة صاحب الجلالةِ الملكِ حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين المعظم، ازدادَت شراكتُنا متانةً وتنوّعًا عامًا بعد عام.

ونحنُ نقفُ صفّاً واحداً مع دولِ الخليجِ الشقيقة في مواجهةِ التحوّلاتِ التي تشهدُها البنيةُ الأمنيّةُ الإقليميّة، وفي وجهِ أيِّ تحدّياتٍ قد تُهدِّدُ استقرارَ جغرافيّتِنا المشتركة.

وبهذه المناسبة، أُحيي بكلّ إجلالٍ وامتنانٍ ورحمةٍ ذكرى قائدِ حربِ استقلالِنا ومؤسّسِ جمهوريّةِ تركيا، الغازي مصطفى كمال أتاتورك، ورفاقِه في السلاح.

كما أُكرّمُ جميعَ شهدائِنا وقدامى محاربينا، المعلومينَ منهم والمجهولين، الراقدينَ في ربوعِ وطنِنا الحبيب، وكلَّ بطلٍ كان بزيٍّ عسكريٍّ أو دونَه نذرَ نفسَه لخدمةِ الأمّةِ التركيّة.

وبكلِّ مشاعرِ الفخرِ والاعتزاز، أُهنّئُ من أعماقِ قلبي الذكرى الثانية بعد المئة لإعلانِ قيامِ جمهوريّةِ تركيا، مصدرَ عزّتنا وصمودِنا وإلهامِنا.

* سفيرة الجمهورية التركية لدى مملكة البحرين

شاركها.