سيد حسين القصاب
شارك عدد من الإعلاميين البحرينيين في جلسة حوارية ضمن منتدى «ترى عادي»، والذي نظمه مستشفى سلوان للطب النفسي بالشراكة مع مؤسسة الأيام، حيث تناول المنتدى قضية الوصمة الاجتماعية الة بالصحة النفسية في الإعلام الخليجي.
وهدف إلى تسليط الضوء على الدور المحوري للإعلام في الحد من الوصمة الاجتماعية الة بالاضطرابات النفسية، وتعزيز فهم الإعلاميين لمفاهيم الصحة النفسية وأهمية الرعاية النفسية، إلى جانب بناء شبكة تواصل بين الإعلام والمختصين لدعم التعاون المستقبلي.
وناقش المتحدثون دور الصحافة والإعلام في تغيير الصورة النمطية السائدة تجاه المرض النفسي وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية العلاج النفسي بوصفه جزءاً طبيعياً من الرعاية الصحية.
وشارك في الندوة كل من رئيس تحرير صحيفة البلاد مؤنس المردي، ورئيس قسم المحررين في صحيفة الوطن زهراء حبيب، ورئيس قسم التحقيقات الصحفية في صحيفة أخبار الخليج محمد الساعي، وأدارت الجلسة منى سليم، وسط حضور إعلامي ومجتمعي واسع.
وأكد المشاركون في بداية الندوة أن الحديث عن الصحة النفسية لم يعد ترفاً أو موضوعاً هامشياً في المجتمع، بل أصبح عنصراً أساسياً من عناصر جودة الحياة، مشيرين إلى أن للإعلام دوراً مؤثراً في تشكيل وعي الجمهور إزاء هذه القضية الحساسة.
وشددوا على أن غياب البيانات والإحصاءات الدقيقة من المؤسسات الصحية ينعكس سلباً على التناول الإعلامي للقضايا النفسية، مما يخلق فجوة معرفية تؤدي إلى تناول سطحي أو غير علمي للموضوعات ذات الصلة.
كما نوهوا بأن من مسؤوليات الإعلام الكبرى أن يعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر القصص الإيجابية عن التعافي والعلاج، بدلاً من التركيز على الحالات المأساوية التي تكرّس الخوف والوصمة.
وأوضح رئيس تحرير صحيفة البلاد مؤنس المردي أن الصحة النفسية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الصحة العامة، مؤكداً أن للإعلاميين دوراً أساسياً في صناعة الوعي المجتمعي، وليس فقط نقل الخبر.
ولفت إلى أن المسؤولية الأخلاقية والمهنية في تناول القضايا النفسية تمثل جوهر العمل الإعلامي المسؤول، داعياً إلى الالتزام بالمبادئ الإنسانية التي تحترم كرامة المريض النفسي وتجنّب استخدام الألفاظ أو الصور التي تُلحق الضرر به أو بأسرته.
وبيّن المردي أن المهنية الصحفية تستلزم الدقة والموضوعية في نشر المعلومات العلمية، والتوازن في عرض التحديات والنجاحات، إضافة إلى ضرورة التحقق من المصادر العلمية واستشارة الخبراء النفسيين لتقديم محتوى موثوق وبعيد عن الإثارة.
وشدد على أهمية دور الإعلام في كسر الصورة النمطية عن المرضى النفسيين وإعطائهم مساحة للتعبير عن تجاربهم الإنسانية.
من جانبها، أوضحت رئيس قسم المحررين في صحيفة الوطن زهراء حبيب إلى أن الفجوة بين المؤسسات الصحية والإعلامية تمثل أحد أبرز العوائق في نشر الوعي النفسي، مشيرة إلى أن ضعف التنسيق بين الجانبين يؤدي إلى غياب الخطط التوعوية المتكاملة.
وأشارت إلى أهمية تعزيز الخطاب الإعلامي حول الصحة النفسية، وتناولها بمسؤولية ومهنية تساهم في كسر الوصمة الاجتماعية، مستندة إلى بيانات حديثة صادرة عن منظمة الصحة العالمية، تفيد بأن أكثر من مليار شخص حول العالم يعانون اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب، وفق ما نُشر في سبتمبر 2025، في حين حصد الانتحار خلال عام 2021 وحده أرواح نحو 727 ألف شخص حول العالم.
وأكدت أن غياب الإحصاءات المحلية الدقيقة يترك المجال مفتوحاً أمام المعلومات المغلوطة والتشخيص الذاتي، مما يضعف الثقة بالعلاج النفسي، ويعزز الصور النمطية السلبية. وأشارت إلى أن الإعلام الصحي النفسي ما زال يفتقر إلى المتخصصين القادرين على تناول هذه القضايا بعمق علمي وإنساني في آن واحد.
وبيّنت زهراء حبيب أن تقليص هذه الفجوة يتطلب بناء شراكات رسمية بين وزارات الصحة ووسائل الإعلام لتوحيد الخطاب التوعوي، وتدريب الإعلاميين على المفاهيم الأساسية في الصحة النفسية، إلى جانب إشراك الأطباء النفسيين في إعداد المحتوى الإعلامي لضمان الدقة والمصداقية.
وفي سياق متصل، أشار رئيس قسم التحقيقات الصحفية في صحيفة أخبار الخليج محمد الساعي إلى أن الطب النفسي ما زال يعاني وصمة اجتماعية متجذّرة، موضحاً أن الإعلام أدى دوراً كبيراً في تكريسها خلال العقود الماضية من خلال ما قدمته الدراما والأعمال الفنية من صور نمطية سلبية عن المرضى النفسيين. وأكد أن الوضع الإعلامي اليوم بدأ يتغير بشكل تدريجي، إذ أصبحت بعض وسائل الإعلام تمارس دوراً إيجابياً في نشر الوعي والحديث عن العلاج النفسي بوصفه ضرورة لا عيباً.
وأوضح الساعي أن الصورة النمطية القديمة التي حصرت المريض النفسي في قالب «المجنون» أو «المجرم» ساهمت في تعميق الخوف والوصمة داخل المجتمع. وبيّن أن دراسات عدة، منها دراسة نُشرت في مجلة البحوث الإعلامية عام 2019، أكدت أن الأعمال الدرامية ساهمت في تعزيز الصورة السلبية للمرضى النفسيين، وأن غياب التوعية الإيجابية جعل الجمهور يربط المرض النفسي بالعنف أو الانعزال أو الفقر.
ولفت إلى أن هذه الصور المغلوطة انعكست على سلوك المجتمع، إذ يخشى كثير من الأسر عرض أبنائهم على الأطباء النفسيين خشية «الوصمة»، مما يؤدي إلى تفاقم الحالات أو اللجوء للعلاج السرّي. وأكد أن للإعلام مسؤولية كبرى في إعادة صياغة الصورة الذهنية عن المرض النفسي، من خلال إنتاج محتوى إنساني يركّز على قصص التعافي والنجاح، ويستعين بالخبراء والمتخصصين لطرح علمي متزن بعيد عن التهويل أو السخرية.
واختُتمت الندوة بالتأكيد على أن تعزيز الصحة النفسية مسؤولية مجتمعية مشتركة، وأن الإعلام يمثل الجسر الذي يربط بين المعرفة الطبية ووعي الجمهور. ودعا المشاركون إلى تكامل الجهود بين الإعلاميين والأطباء النفسيين والمؤسسات المعنية لتطوير خطاب إعلامي يدعم تقبل العلاج النفسي بوصفه أمراً طبيعياً وإنسانياً، وليس وصمة أو ضعفاً.
توصيات المنتدى
وخرج المنتدى بخمس عشرة توصية جاءت كالتالي:1. تعزيز الشراكة المؤسسية بين وسائل الإعلام والمراكز الصحية والنفسية، من خلال لقاءات دورية للتنسيق والتعاون.
2. إعداد دليل إعلامي خليجي للتغطية المسؤولة لقضايا الصحة النفسية، بما يضمن الطرح المهني الخالي من التنميط والوصمة.
3. تنفيذ حملات توعوية مشتركة بين الصحف والإذاعات والتلفزيون والمنصات الرقمية بالتعاون مع مستشفى سلوان والمؤسسات الصحية.
4. تأهيل الإعلاميين بالتدريب عبر ورش عمل ودورات متخصصة في صياغة المحتوى النفسي الإيجابي، وإجراء المقابلات باحترام وموضوعية.
5. تخصيص مساحات إعلامية ثابتة «صفحات برامج فقرات» لنشر موضوعات الصحة النفسية بشكل دوري ومستدام.
6. الاستفادة من التقنية والإعلام الرقمي في إنتاج محتوى إبداعي «مقاطع قصيرة، بودكاست، منصات تفاعلية» يستهدف مختلف الفئات.
7. إبراز قصص النجاح والتجارب الإيجابية في التعافي من التحديات النفسية، لإشاعة الأمل وتقليل الخوف المجتمعي.
8. تأسيس شبكة خليجية للإعلاميين المهتمين بالصحة النفسية لتبادل الحملات والخبرات وتوحيد الرسائل الإيجابية.
9. إدراج الصحة النفسية في المناهج الإعلامية الجامعية بالتعاون مع الجامعات البحرينية والخليجية لتأهيل إعلاميين أكثر وعياً بهذه القضايا.
10. رفع هذه التوصيات إلى الجهات المعنية من وزارات وهيئات تنظيمية وتشريعية، لدعم السياسات الوطنية التي تعزز الصحة النفسية وتحارب الوصمة.
11. إشراك مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية في حملات التوعية، بما يضمن وصول الرسائل الإيجابية لمختلف الشرائح والفئات.
12. تطوير إطار قانوني وأخلاقي للتغطية الإعلامية لقضايا الصحة النفسية، يتضمن ضوابط واضحة للخصوصية، وحماية المرضى وأسرهم من التشهير أو الاستغلال.
13. تعزيز التعاون الدولي مع المراكز الإعلامية والمنظمات الصحية العالمية «مثل منظمة الصحة العالمية» لتبني أفضل الممارسات وتبادل الخبرات.
14. توظيف دور المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مسؤول ومدروس لنشر رسائل داعمة للصحة النفسية ومحاربة الوصمة.
15. إطلاق برامج توعوية موجهة للأطفال واليافعين، باستخدام وسائل مناسبة لأعمارهم «رسوم متحركة، ألعاب تعليمية، محتوى تفاعلي»، لبناء وعي مبكر بالصحة النفسية.