محمد بوعـيدة

في تطور ملحوظ في التعامل مع الأزمات، كانت الدولة ممثلة في وزارتي الداخلية والإعلام على قدر المسؤولية الإعلامية من خلال تعاملها مع الحدث الأبرز والأقرب والأكثر غرابة على الرغم من كونه متوقعاً، عندما اقترب خطر الحرب إلى البحرين من خلال تعرّض الشقيقة دولة قطر إلى اعتداء الصواريخ الإيرانية على قاعدة “العديد” الأمريكية.

ليلتها، كان تعاون وزارة الداخلية مع وزارة الإعلام على قدر عالٍ من المهنية والمسؤولية، أو كما يقال “مثل ما قال الكتاب”.

الغريب أن في تلك الليلة، أخذت جولة على قنوات التلفزيون الرسمية لدول الخليج، فلم أجد أي تعامل حقيقي مع الحدث، فيما عدا تلفزيون البحرين الذي أخذ على عاتقه هماً ثقيلاً في الاهتمام بتوعية الجمهور وتوفير كافة المعلومات اللازمة لسلامة الناس، وإرواء غليل الفضول حول ما يجب فعله في مثل هذه المواقف.

إن الهدف من مواجهة الأزمات هو إدارة الموقف من خلال استخدام الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة لوقف التدهور والخسائر، وتأمين وحماية العناصر الأخرى المكونة للكيان، والسيطرة على الأزمة والقضاء عليها.

ومن هذا المنطلق، تقفز إلى الذهن تساؤلات عدة حول وسائل الإعلام وكيفية توظيفها في إدارة الأزمات الأمنية، إذ كيف تتعامل وسائل الإعلام مع الأزمات المختلفة؟ وهل أداؤها في هذه الظروف يختلف عن أدائها في الأوقات العادية؟ هل تكتفي بتغطية الأزمة؟ أم تسعى إلى تقديم حلول لها أم أنها تسيسها وتستغلها لتحقيق أهداف ومصالح معينة؟

ويلعب الإعلام دوراً خطيراً في إدارة الأزمات الأمنية، ولذا يمكن استخدامه بذكاء في إدارة الأزمات من خلال جانبين:

الأول “إيجابي”: ويكون باستخدام الحملات الإعلامية المكثفة للقضاء على الظاهرة أو للإعلام والتوجيه الصحيح لمعالجة الأزمة.

الثاني “سلبي”: ويكون عن طريق التعتيم الإعلامي القائم على التجاهل التام للأخبار وعدم إعلام الجمهور بالأزمة.

وللإعلام في إدارة الأزمات مهمة مزدوجة:

فالجانب الأول منها إخباري، إذ تتم فيها متابعة أخبار الأزمات والتعريف بنتائج مواجهتها ومحاولات التصدي لها وتحجيمها ومدى التطور، أي مدى النجاح في ذلك.

ويتم ذلك عن طريق نقل المعلومات إلى الجمهور بأمانة وسرعة ومصداقية، وإحاطتهم بما يحدث فعلاً على أرض الواقع.

والجانب الثاني توجيهي، وهو يعتبر أخطر الجوانب في العملية الإعلامية، من خلال عملية المعرفة المخططة، والأسلوب الإيجابي القائم على تشكيل ثقافة الفرد والمجتمع، وإحداث الوعي المطلوب وتنمية الإدراك بخطورة وأبعاد الأزمة، بما يؤدي إلى تكوين قناعة معيّنة تدفعهم إلى القيام بسلوك معيّن.

لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار أهمية دور الإعلام في إدارة الأزمة الأمنية كما هو الحال مع أي أزمة شئنا أم أبينا، فللإعلام أثره في توجيه الرأي العام، كما أن له أثراً في اتخاذ القرارات من جانب صُنّاع ومتخذي القرار.

إذ يلعب الإعلام دوراً مهماً ورئيساً في تفاعلاته مع الأزمة سلباً وإيجاباً، وقد تعاظم هذا الدور مع ثورة المعلومات والاتصالات وتوسّع البث الفضائي، إلى درجة أن متخذي القرار أصبحوا يعتمدون على الوسائل الإعلامية في تقييم الأوضاع وصياغة المواقف والتحركات.

ليس هذا وحسب، بل صار لزاماً أن تتعامل وسائل الإعلام مع أزمات المجتمع المختلفة، ذلك لأن وسائل الإعلام قد تكون الملجأ الأول إن لم يكن الوحيد للتعرّف على الأزمة التي يواجهها المجتمع، والأساليب المناسبة للتعامل معها، وطرق التغلب عليها وتجاوزها، وهذا يفرض على تلك الوسائل أن تتعامل مع الأزمة بحكمة وحرفية حتى تتجاوزها.

ومما تقدّم، يتبيّن أن الإعلام هو خط التماس الأول مع الأزمات، إذ إن آنيّة الإعلام وموضوعه ودوريته وقدرته على التأثير في الرأي العام، تجعله الجهة الأكثر تأهلاً للتعامل مع الأزمات منذ مراحلها المبكرة جداً. وإن إغفال الجانب الإعلامي أو تهميشه سينعكس سلباً على فعالية المواجهة وسيخلق أزمات أخرى منظورة وغير منظورة على هامش الأزمة الرئيسة.

كما يشكل الإعلام “الأزموي” دوراً مهماً وبارزاً في إدارة الأزمات من خلال الرسالة الإعلامية لتوعية المواطنين وكسبهم ورفع معنوياتهم والتركيز على الجوانب الإيجابية والعمل على تنميتها وإظهار الجوانب السلبية ومعالجتها.

كما أن مهمة الإعلام الأساسية هي جعل المعلومات التي يراد إرسالها معروفة ومفهومة لدى المتلقي كي تحدث التفاعل والأثر المطلوب، فمجرد استخدام الرموز والكلمات والصور دون نقل أفكار ومعلومات وخبرات يتفاعل بمقتضاها متلقي الرسالة، لا يعتبر عملاً إعلامياً.

وعلى الخطة الإعلامية أن تحتوي الآثار السلبية للأزمة مع المحافظة على توفير البيانات والمعلومات للجمهور بالقدر الكافي، مع مراعاة وضع الأسس للتغطية الإعلامية بحيث لا تسبب الذعر والهلع وردوداً سلبية لدى مستقبل الرسالة الإعلامية. كما يجب أن تكون الخطة الإعلامية واضحة المعالم وتعتمد على التخطيط الإعلامي والتنسيق بين المؤسسات الإعلامية لتوحيد الخطاب الإعلامي وإنتاج رسائل إعلامية واتصالية متوافقة في إطارها العام للتصدي لأية إشاعات تجد في الأزمة تربة خصبة لانتشارها.

هذه الخطة لابد أن تقوم على تخطيط مسبق ومدروس، إذ لا يمكن أن يترك الأمر للتجربة أو الارتجال أو الخطأ حال وقوع الأزمة، كما أن التخطيط الإعلامي ليس خياراً يمكن قبوله أو رفضه، بل يجب أن يقوم على استراتيجية متكاملة.

ويتمثل التخطيط في وضع مجموعة من الافتراضات حول أي وضع في المستقبل، وبالتالي وضع خطة توضح الأهداف المطلوب الوصول إلى تحقيقها خلال فترة زمنية محددة. ويجب أن تمارس وسائل الإعلام من خلال هذه الخطة تأثيراً على الجماهير المستهدفة، ولذلك فإن المهمة المركزية للرسالة الإعلامية التي تنطلق من خلالها ليس فقط أن توجَد أو أن تُرسَل، بل أيضاً أن تصل وأن تؤثر، وذلك نظراً لأن الإعلام ممارسة غائية.

في تلك الليلة، وجدت كل ما تقدم واضحاً، مع تطور ملحوظ في تعامل الدولة الإعلامي مع الأزمة، وكان التعاون الملحوظ بين وزارتي الداخلية والإعلام مثمراً، بعيداً عن التهويل والذعر، وأيضاً بعيداً عن سياسة الإنكار والتمييع.

هناك خبرة متراكمة مارستها الدولة بالتعاون مع الجهات الإعلامية الرسمية والأهلية في التعامل مع الحدث، وخطة استباقية مدروسة بشكل جيد تميزت بالهدوء والرزانة والمسؤولية، كان الهدف الأسمى فيها.. المواطن أولاً.

شاركها.