يكتب غازي القصيبي في قصيدته “بسمة من سهيل” عن ضحكة ابنه التي تداوي المتاعب:
(..)
فنحن يا شاعر
نفعل ما نفعله للصغار
أعود في الفجر
أشق بالشعر صدور الخيل
وذاك.. لو يدري!
لبسمة ساحرة من سهيل
الأسرة لغة هي: الدرع الحصين، وأهل الرجل وعشيرته، لأنّه يتقوى بهم. واصطلاحاً: هى أصغر وحدة فى النظام الاجتماعى، وقد وردت في نص طويل لابن حجر العسقلاني في تعديد مراتب الأنساب.
وهي الدرع الحصينة لأنها تحمي أفرادها داخل حِصنها المنيع، كما أنها حصن للإنسان بتثبيت مصدر وجوده وتكوينه وتنشئته، وهذا المعنى هو الذي نجده عند أبي حيان التوحيدي: «وفلان ذو أسرة كريمة؛ أي أهل بيت، كأن أسرة الرجل ما هو مأسور به، أي مشدود به، لأن الرحم والقرابة يضمان على الإنسان ويشدانه»
وهذه الدرع تعني أهمية الترابط الأسري الذي يرتكز على أسس سليمة من المودة والرحمة. وأن تكون المعاملة في حالات الاختلاف والاتفاق مبنية على المسامحة والصفح، وعند المشاحة مبنية على العدل والإنصاف. وأن يعرف الزوج والزوجة كل منهما ماله من حقوق، وأن يتربى الأولاد في جو من الهدوء والتفاهم والمحبة بعيدين عن أية مشكلات تخص الأبوين، وأن يمارس كل منهما دوره بكفاءة وأن يكون قدوة صالحة في ذلك.
فالترابط الأسري هو: دعم التماسك الأسري بكافة أشكاله من بر الوالدين، ورعاية الأبناء، واحترام الكبير والعطف على الصغير، والتحلي باللين والعطف والرحمة لتعزيز الشعور بالاحتواء والانتماء الأسري، ودعم الروابط الأسرية بين أفراد المجتمع. ويتضمن القيم الفرعية: البر، احترام الكبير، التكافل.
ومن المهم ألاّ يتصور أحد الأبوين أن الحياة الزوجية أولاً، والعائلية ثانياً، أنها حياة مثالية لا مشاكل فيها ولا اختلاف في وجهات النظر، وأساليب التفكير، بل هي حياة بشرية بكل خصائص البشر وضعفهم وتقلبهم ولكن من توخى العدل، ولازم الصبر والاحتساب، واستفاد من التجارب، وسلك الحكمة في معالجة الأخطاء.. كان أسعد بحياة أكثر هدوءً وتفاهماً.
واعتنى القرآن الكريم بالأسرة، ولا أدلّ على ذلك من الآيات التي خصّها بها؛ إذ حرص الشّارع الحكيم على تنظيم العلاقة بين أفراد الأسرة، على المستوى التشريعي أو السلوكي والأخلاقي، وفصّل في شأنها القرآن تفصيلا دقيقًا، ذلك أن حفظ الأسرة حفظ للدين والإنسان وتوجيه لمسار العمران.
وتنشأ الأسرة بالزواج، فقال تعالى (من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم:٢١. ومع التغير الاجتماعي تزيد قيمة وأهمية الأسرة المترابطة في الحفاظ على أبنائها ورعايتهم رعاية متكاملة، وهذا لا يتحقق إلا بتربية الآباء قبل تربية الأبناء من خلال الحكمة والصبر وليس الزجر والعنف، يقول ابن خلدون: (من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به القهر وضيق على النفس انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث).
وهذا زكريا عليه الصلاة والسلام يدعو ربه: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) آل عمران:38، والطيب في اللغة نقيض الخبيث، ويقال الأرض الطيبة التي تصلح للنبات، ومعاني الإنبات تدل على معنى الإثمار.
وجاء قريباً من هذا المعنى (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) آل عمران 37، وهذه إشارةٌ إلى أنّ الإنسان كالنبات، ولكي ينبث ويثمر يجب الاعتناء به من وقت أن كان بذرة بتعهّده، والاعتناء به في كل مراحل نموه، إلى أن يصبح شجرةً مثمرةً، فكذلك الطفل في عَمليّة التربية، فينبغي التّعامل معه من منطلق الرّعاية والعناية، وذلك بتعهده منذ طفولته ومتابعته في كل مراحل رشده إلى أن يصير إنسانا طيبا معمرا.
قيم مجتمعية ووطنية (1)