أ.د. جهان العمران

يُعدّ الإسقاط النفسي projection من أكثر الآليات الدفاعية اللاشعورية تعقيداً وانتشاراً في النفس البشرية. كما أوضح سيغموند فرويد في نظريته في التحليل النفسي، فهو حيلة دفاعية يلجأ إليها العقل الباطن ليتجنب مواجهة مشاعر أو رغبات أو عيوب لا يرغب في الاعتراف بها. وبدلاً من النظر إلى الداخل ومصارحة الذات، يُسقط الإنسان هذه الجوانب المزعجة على الآخرين، وكأنه يعكس ما بداخله على مرآة خارجية تخفّف عنه ثقل الحقيقة.

نرى هذه الآلية تتكرر في حياتنا اليومية بأشكال شتّى: شخص يفتقر إلى الإخلاص، فيتّهم غيره بالخيانة، أو آخر يختزن في داخله شعوراً بالنقص فيقنع نفسه بأن الجميع يغار منه. وهناك من يتّهم الناس بالأنانية، بينما لا يرى أن تصرفاته هي الأنانية بعينها. هكذا يُمارس العقل خدعته الهادئة ليبرئ الذات من اللوم، فيُسقط عيوبه على غيره، متوهّماً أنه قد تطهّر منها.

الإسقاط في جوهره آلية حماية داخلية، محاولة للهرب من الألم أو تأنيب الضمير. لكنه يتحوّل مع الوقت إلى عائق يحجب الإنسان عن وعي ذاته الحقيقية، فيعيش أسير دائرة مغلقة من الاتهام والتبرير، بعيداً عن إصلاح ما في داخله.

وعندما نكون نحن موضوع هذا الإسقاط، علينا أن نحافظ على ثقتنا بأنفسنا. فالاتهامات التي يوجّهها إلينا من يعاني من الإسقاط لا تعبّر عن حقيقتنا، بل تكشف عمّا يعتمل في داخله هو من صراعات ونقائص. لا تسمح لظلال الآخرين أن تحجب نورك، ولا تدع كلماتهم تزعزع يقينك بذاتك. تذكّر دائماً أن ما يرميه الآخر عليك قد يكون صورة لما يرفض رؤيته في مرآته الخاصة.

إن الوعي بهذه الآلية هو درع يحمي اتزاننا النفسي، ويعيننا على التمييز بين النقد البنّاء الذي يركز على العمل لا الذات، ويكون مصحوباً بالاحترام والموضوعية، ويهدف إلى تحسين الأداء وبين الإسقاط المموّه في ثوب اتهام الذي يتوجه نحو تشويه الذات، ويهدف إلى التنفيس أو الإذلال مصحوباً بإصدار الأحكام بشكل غير موضوعي ودون أي دليل. والأهم من ذلك كله أنه يصف بدقة وعمق ما يدور بداخل صاحبه لاشعورياً.

فكلّما ازددنا وعياً بأن ما نسمعه من الآخرين قد لا يكون عنّا بقدر ما هو عنهم، صرنا أقدر على الحفاظ على هدوئنا وثقتنا بأنفسنا وسط ضجيج الأحكام.

فلا تنتظر من الخبيث أن يراك نقياً، ولا من البخيل أن يراك كريماً، ولا من المنافق أن يراك صادقاً..

ثِقْ بنفسِك وأسلوبِك وأخلاقِك، ولا يهمك إذا بدا شكلك غير مقبول، أو سلوكك غير مستحب لدى بعض الناس، لأن رأيهم فيك، وكلامهم عنك لايعكس حقيقتك، بل مرآة لحقيقتهم هم، ولأنهم يرونك بعيوبهم لا بعيونهم. فكلُ شخصٍ يرى غيرَهُ بعينِ طبعِهِ.* أستاذة جامعية في علم النفس

شاركها.