البحرين تاريخ ممتد في خدمة الدعوة الإسلامية وتحقيق تقاربِ الأمة والتواصل الحضاري – الوطن

يأتي احتضان مملكة البحرين لمؤتمر (الحوار الإسلامي الإسلامي: أمةٌ واحدةٌ ومصيرٌ مشتركٌ)، برعاية سامية من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، يومي 19 و20 فبراير الجاري، تأكيدًا على رسالة البحرين الداعمة، على الدوام، لكل جهد يهدف إلى تعزيز التضامن والتعاون بين الدول والشعوب الإسلامية، ومساعيها الخيّرة تجاه كل ما يعزز قدرة الأمة الإسلامية على مواجهة التحديات الراهنة، لا سيما في ظل تزايد الصراعات والنزاعات التي تهدد بشكل مباشر حاضر ومستقبل الأمة وإسهاماتها في البناء الإنساني والتواصل الحضاري والثقافي مع الأمم.
ويكتسب مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي أهمية متزايدة كونه مبادرة رائدة تبنتها مملكة البحرين بقيادة جلالة الملك المعظم، أيده الله، من أجل استشراف آفاق مستقبل الأمة الإسلامية عبر جمع كبار وقادة رجال الدين الإسلامي في العالم أجمع جنبًا إلى جنب، للنقاش والتشاور بشأن وضع المسلمين الحالي، والتفاهم من أجل تقريب الأفكار والرؤى فيما بين المذاهب الإسلامية، انطلاقًا من رسالة الإسلام السامية. إلى جانب ذلك، يسعى المؤتمر إلى تعريف العالم بالصورة الحقيقية لدين الإسلام، باعتباره دينًا يحض على التقارب والتعايش والمحبة والإخاء والسلام، فضلًا عن كونه فرصةً لتصحيح المفاهيم والتصورات الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، والتي كانت ولا تزال سببًا في ممارسة بعض المجتمعات لحالات من “التمييز” ضد المسلمين، وما يسمى بـ”الإسلاموفوبيا”.
وهذه المبادرة، وإن كانت تأتي استجابةً للنداء التاريخي الذي أطلقه فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، خلال ملتقى البحرين للحوار عام 2022، بالدعوة إلى “حوار من أجل الأُخوَّة الدينيَّة والإنسانيَّة”، إلا أنها تجسد ملمحًا أصيلًا في سياسة ونهج مملكة البحرين الرامي إلى التقارب والتعايش الإنساني، باعتباره إرثًا حضاريًا لا تنفصل عنه، في ظل ما تمتلكه البحرين عبر تاريخها العريق الممتد لآلاف السنين، منذ سطوع نور الإسلام على أرضها.
لقد عرفت البحرين منذ القدم، وبحكم موقعها الذي يتوسط العالم، ولكونها في قلب الخليج العربي، كمركز تجاري مهم ومؤثر في حركة التجارة والملاحة البحرية. وارتبطت الحضارات التي عاشت فيها، ومنها حضارة “دلمون”، بعلاقات وثيقة مع الحضارات والشعوب المعاصرة لها، وشكلت البحرين عبر العصور همزة وصل حيوية بين الحضارات المعروفة آنذاك، ومنها حضارات الفينيقيين في بلاد الشام، وبلاد الرافدين في العراق، ووادي النيل في مصر، وحضارات اليمن والسند وغيرها، وهو ما جعل أهل البحرين ينفتحون على العديد من الثقافات ويتفاعلون معها إيجابيًا، مما رسّخ لديهم قيم التعايش الحضاري.
ومع بداية بعثة النبي الأكرم محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، وظهور الدعوة الإسلامية، كانت البحرين من أوائل الدول التي اعتنقت الإسلام، حيث خصها الرسول، عليه الصلاة والسلام، برسالة من الرسائل التسع التي أرسلها في العام الثامن من الهجرة إلى ملوك وحكام شبه الجزيرة العربية وخارجها لنشر الدعوة الإسلامية، وهي الرسالة التي حملها الصحابي الجليل العلاء بن عبدالله الحضرمي إلى البحرين.
ولقد استقبل أهل البحرين رسالة الإسلام منذ اللحظات الأولى بالإيمان والنصرة والدعم، واستجابوا لدعوة الرسول، صلى الله عليه وسلم. وتواصل ارتباط أهلها بالإسلام في العهود التالية، وهناك شواهد كثيرة على هذا الارتباط الوثيق، منها مسجد الخميس، الذي يُعتبر من أقدم المساجد التي بُنيت في البحرين في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.
وعبر القرون المتتالية، منذ دخول الإسلام إلى البحرين، كانت ولا تزال مركزًا مهمًا، وأسهم أهلها بدور مؤثر في تاريخ الإسلام عبر عطاء علمائها الأجلاء، وأصبحت مركزًا بارزًا في نشر تعاليم الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية الغراء، في إطار من الوسطية والاعتدال، كما حملت على عاتقها نشر القيم المشتركة للمذاهب الفقهية، وتفاعلت مع كل المدارس الدينية في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وتأثرت بها وأثرت فيها، لتكون البحرين شعاعًا مضيئًا ينير دروب الفقه والفكر والثقافة الإسلامية، ويمتد عطاؤها إلى مختلف أرجاء العالم.
ومع قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح عام 1783، تعززت هوية البحرين باعتبارها دولة عربية مسلمة، وانطلقت مسيرة مشرفة ومضيئة من رعاية واهتمام حكام البحرين وأهلها بالإسلام ورسالته السمحاء. فقد حرص حكامها من آل خليفة الكرام، الذين تعاقبوا على حكمها، على الاهتمام بهذه الهوية الإسلامية وترسيخها كأساس لكل أوجه الحياة في البلاد، واهتموا ببناء المساجد والجوامع وإعمارها، وقاموا بإنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية الدينية، مما جعل البحرين نموذجًا فريدًا في التعددية الدينية والمذهبية، والتعايش والتناغم بين جميع أبنائها على اختلاف أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم.
وفي ظل هذه الرؤية الملكية السامية، أصبحت مملكة البحرين نموذجًا في ترسيخ قيم ومبادئ التسامح الديني والتعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف، وتبنت داخليًا وخارجيًا العديد من المبادرات والبرامج التعليمية والتوعوية لتعزيز قيم التعددية وتقارب الثقافات والحضارات، والتصدي لكل الأفكار التي تحض على الكراهية والطائفية والعنف والإرهاب. كما تمتلك البحرين سجلًا مشرفًا في احترام وصون حرية ممارسة الشعائر لمختلف الأديان والمذاهب دون أي قيود، علاوة على أنها تمتلك أعلى نسبة للمساجد والجوامع في العالم قياسًا إلى عدد سكانها ومساحتها، حيث يتجاوز عددها 1456 مسجدًا وجامعًا (حسب إحصائية العام 2021م)، إلى جانب ما يزيد على 19 كنيسة، وكنيس يهودي (بُني عام 1930م)، والعديد من دور العبادة للطوائف الأخرى، ويمارس الجميع شعائره الدينية في إطار من التعايش.
إن تاريخ البحرين في خدمة الإسلام والمسلمين ورعايتها لجهود تحقيق التقارب بين أبناء الأمة الإسلامية، يعبر عن مدى ارتباط البحرين بهويتها الإسلامية الجامعة، وحرصها على الإسهام في نشر القيم السامية للدعوة الإسلامية وقوة تأثيرها وعمق رسالتها. وإن احتضان مملكة البحرين لمؤتمر (الحوار الإسلامي الإسلامي: أمةٌ واحدةٌ ومصيرٌ مشتركٌ)، ليؤكد من جديد أن البحرين وأهلها ماضون في تقديم كل جهد غايته نشر القيم الإسلامية ودعم المسلمين في كل أنحاء العالم.