البحرين والصين.. علاقات عريقة ممتدة منذ فجر التاريخ
محمد نصرالدين
زيارة الملك في 2013 رسخت الشراكة الإستراتيجية
وقف الحرب على غزة وحماية الأبرياء محور مباحثات الملك في بكين
البحرين والصين يرتبطان بعلاقات صداقة وتعاون منذ القرن السابع
الزيارة تتزامن مع تسيير طيران الخليج رحلات مباشرة لشانغهاي وغوانجو
ترتبط مملكة البحرين مع جمهورية الصين بعلاقات صداقة وتعاون تاريخية منذ القرن السابع الميلادي، وتعود إلى تواصل الشعبين عبر طريق الحرير البحري، والذي من خلاله ازدهرت التجارة بين البلدين والشعبين الصديقين.
فقد اشتهرت البحرين قديما بكونها مركزا مزدهرا للتجارة عبر البحار، وكانت المراكب الصينية تبحر إلى البحرين عبر طريق الحرير القديم، الذي برزت من خلاله أهمية وريادة البحرين التجارية في المنطقة وتفوق المهارات الملاحية لأهلها في المحيط الهندي منذ العصور القديمة والوسطى، وهو ما رسخ مكانة البحرين في طريق الحرير البحري وازدهارها تجارياً، حيث مثلت تجارة اللؤلؤ والنحاس والتوابل وغيرها أهمية كبرى للاقتصاد العالمي والتي كان يتم بيعها عبر أسواق حضارة «دلمون» البحرينية القديمة.
وتواصلت هذه العلاقات التاريخية المتميزة واستمرت إلى العصر الحديث، حيث انطلقت العلاقات الدبلوماسية بين مملكة البحرين وجمهورية الصين في 15 أبريل 1989، وعلي مدار 35 عاما شهدت مسيرة العلاقات الثنائية تعاونا وتنسيقا سياسيا كبيرا وعلاقات مزدهرة بين قادة وشعبي البلدين، فضلا عن العلاقات الدبلوماسية المميزة القائمة على التفاهم والاحترام المتبادل وتنسيق المواقف المشتركة.
زيارة الملك
التاريخية 2013
في 14 سبتمبر 2013 شهدت مسيرة العلاقات الثنائية نقطة تحول فارقة حين قام حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم بزيارة تاريخية إلى جمهورية الصين وهي الزيارة التي دشنت حقبة جديدة من العلاقات المتميزة ورسخت الشراكة الإستراتيجية بين البلدين الصديقين في كافة المجالات.
وخلال هذه الزيارة التاريخية حضر حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم مراسم الافتتاح للدورة الأولى من معرض «إكسبو» الصيني العربي كضيف شرف بدعوة من الرئيس الصيني، وتكللت الزيارة بنجاح باهر على كافة الأصعدة حيث أجرى جلالة الملك المعظم مباحثات مثمرة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ وأثمرت الزيارة عن توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والمالية أبرزها منع الازدواج الضريبي والتهرب الضريبي وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والثقافة والصحة والتعليم والقطاع المالي والمصرفي وغيرها، وشكلت مجمل هذه الاتفاقيات جسورا جديدة من الشراكات التجارية والاستثمارات المشتركة بين البلدين الصديقين.
وأعطت زيارة جلالة الملك المعظم إلى الصين عام 2013 زخما قويا لعلاقات البلدين، ونقلتها إلى مراحل أوسع وأشمل بما يتناسب مع عمق روابط الصداقة التاريخية بين البلدين، حيث عكست رغبة حقيقية لتطوير آفاق التعاون المشترك، بما يلبي طموحات وتطلعات الشعبين.
أبعاد سياسية
هامة للزيارة الحالية
تكتسب الزيارة الحالية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم إلى بكين اليوم والتي تعد ثاني زيارة رسمية لجلالته إلي الصين، أهمية سياسية كبيرة من حيث التوقيت والنتائج المنشودة منها وذلك في ضوء الاعتبارات المهمة التالية:
تأتي الزيارة الملكية السامية امتدادا لتحركات دبلوماسية وسياسية مكثفة يقودها جلالة الملك المعظم رئيس القمة العربية على الساحة الدولية وإلى دول العالم العظمي في هذه الآونة، وهي ثاني زيارة خارجية لجلالته بعد القمة العربية وبعد الزيارة الناجحة التي قام بها جلالته إلى روسيا الأسبوع الماضي.
لا شك في أن الهدف الأكبر من زيارة جلالة الملك المعظم الحالية إلى العاصمة الصينية بكين، وفي صدارة أولوياتها، سيكون استكمال الحشد الدولي لدعم مبادرة مملكة البحرين للسلام التي أعلن عنها جلالة الملك المعظم في القمة العربية «قمة البحرين»، وذلك بعد الحصول علي دعم روسيا خلال زيارة جلالته إلى موسكو الأسبوع الماضي ومباحثاته المثمرة مع الرئيس فلاديمير بوتين، وهي زيارة ذات مغزى سياسي هام في ضوء ما يجمع بين الصين والدول العربية من روابط تاريخية، كما أن بكين تعتبر من الداعمين للمواقف والقضايا العربية.
تأتي الزيارة في وقت تشهد فيه الأوضاع في غزة منعطفا خطيرا مع بلوغ جرائم إسرائيل العدوانية مستوى غير مسبوق وصل إلى حد استهداف مخيمات النازحين في رفح «محرقة الخيام»، ولا شك في أن هذه القضية ستكون في محور مباحثات جلالة الملك المعظم مع الرئيس الصيني شي جينبينغ والقادة العرب المشاركين في المنتدى العربي الصيني، خاصة وأن هذه القضية المأساوية هي من أكبر الهموم التي تشغل فكر واهتمام جلالة الملك المعظم رئيس القمة العربية حاليا، وقد برز ذلك جليا من خلال الموقف العروبي والإنساني القوي الذي عبر عنه جلالته خلال مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدى زيارته إلى موسكو حينما قال جلالته: «إن غزة هي أحدى النقاط المؤلمة وإن الجميع يأمل أن تتوقف هذه الحرب في أقرب وقت، حفاظاً على الأبرياء الذين تأثروا كثيراً، ونزوح مئات الألوف من بيوتهم ومن مناطقهم وهم يبحثون في بلادهم التي يبلغ طولها 40 كيلومتراً تقريباً وعرضها 12 كيلومتراً، بينما القصف مستمر، ويجب أن يبقى التركيز على الأبرياء وعلى كيفية مساعدتهم إنسانياً».. كلمات حاسمة وموقف قومي وإنساني أصيل من قائد ورئيس القمة العربية، وجاءت في سياق المساعي الحثيثة المتواصلة التي يبذلها جلالته في هذه الآونة لوقف الحرب العدوانية الدامية على غزة وأهلها.
تتوفر للزيارة كل مقومات النجاح لتحقيق أهدافها المنشودة في ظل توافق مواقف البلدين والتنسيق السياسي والدبلوماسي الكبير بينهما، ومساعيهما الثابتة للحفاظ على السلم والاستقرارين الإقليمي والدولي، ومنها بطبيعة الحال السلام في الشرق الأوسط.
على الصعيد الثنائي تأتي زيارة جلالة الملك المعظم إلى الصين في إطار رؤية حكيمة لجلالة الملك المعظم بأهمية تنويع شبكة علاقات البحرين بين الشرق والغرب وتمتين تحالفاتها مع كل دول العالم وبالأخص الدول العظمي والدول الاقتصادية الكبري، وتعتبر الصين علي رأس هذه الدول في ظل ما يربط بين البلدين من علاقات تاريخية واقتصادية قديمة.
تسيير رحلات جوية
مباشرة تزامناً مع الزيارة
على الصعيد الاقتصادي، تتزامن زيارة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم الحالية إلى جمهورية الصين مع بدء تسيير «طيران الخليج»، الناقلة الوطنية لمملكة البحرين، رحلات جوية مباشرة بين مملكة البحرين ومدينتي شانغهاي وغوانجو في الصين، حيث ستسهم هذه الخطوة الهامة بتعزيز الروابط الثنائية وتطوير التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي بين البلدين.
ولا شك في أن العلاقات الاقتصادية تعتبر أبرز مظاهر التعاون بين مملكة البحرين وجمهورية الصين، وأبرز دلالات ذلك هو حجم التجارة والاستثمارات المتبادلة، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البحرين والصين في عام 2023، 2.186 مليار دولار، وتعتبر الصين أكبر مصدر لواردات البحرين، وتشير إحصاءات العام 2023 إلى أن واردات البحرين من الصين بلغت 2.15 مليار دولار.
وتعتبر مملكة البحرين شريكا مهما لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية التي جرى تدشينها في عام 2013، والتي وفرت العديد من الفرص الاستثمارية والتجارية بين البلدين، وتتخذ العديد من الشركات الصينية العملاقة من البحرين مقراً إقليميا لها ومن أبرز هذه الشركات الصينية في البحرين شركة «HUAWEI» العالمية المرموقة للاتصالات و»CPIC» للألياف الزجاجية التي تنتج 1.2 مليار طن وتبيع منتجاتها إلى 60 دولة و «KKC» التي تستثمر في 4 خطوط إنتاج لتجهيزات أنابيب المكيفات و»CMIC»، China Harbour Engineering Co. Ltd, China Communications Services, BANK OF CHINA, Chinamex، و»بكين جانغو كورتين وال لمتد»، و»دايلي ويلث لمتد»، و»ووهان لينجيون بلدنغ ديكورايشن إنجينيرينغ كو»، وغيرها من الشركات الصينية الكبرى.
وتعتبر »مدينة التنين» من أضخم الاستثمارات الصينية في المملكة التي تم افتتاحها في ديسمبر 2015 حيث تعد من أكبر مراكز التسوق المميزة في مملكة البحرين، وتسهم مدينة التنين بشكل كبير في زيادة التجارة الثنائية بين البحرين والصين حيث تضم نحو 800 متجر ووحدة تجارية يديرها أكثر من 500 تاجر، وتضم أكثر من 100 ألف منتج، وتشهد رواجا كبيرا وإقبالاً من المستهلكين ويبلغ متوسط عدد زوارها 20 ألف شخص يومياً، فيما يقيم في مملكة البحرين 2000 صيني يعملون في العديد من المجالات الحيوية والمهمة.
تعاون صحي كبير خلال جائحة «كوفيد19»
في المجال الصحي، تشهد العلاقات بين مملكة البحرين وجمهورية الصين تعاوناً مثمراً كبيراً في ما يتعلق بتبادل الخبرات والتقنيات الطبية والتنسيق والتعامل المشترك في مكافحة الأوبئة، وكانت أبرز صور هذا التعاون خلال جائحة «كوفيد19»، والتي شهدت تعاوناً كبيراً وتنسيقاً عاليا لمواجهة تحديات الجائحة وتبادل المعلومات الحيوية والتحديثات الوبائية ومكافحة انتشار الفيروس من خلال إجراءات الحجر الصحي وتطبيق الإجراءات الوقائية، فضلا عن التعاون الهام في مجال اللقاحات والذي شكل نموذجاً يحتذى في التعاون الدولي لخدمة الإنسانية، عبر المساهمة في تسريع وتيرة الوصول إلى اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا» واعتمادها لتوفير الحماية والتحصين لكافة المجتمعات.
التعاون التعليمي والأكاديمي
يولي البلَدان اهتماما كبيرا للتعاون في المجال التعليمي والأكاديمي، وفي هذا الإطار جرى في مارس 2001 توقيع اتفاقية تعاون بين جامعة البحرين وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين، كما تم توقيع اتفاقية بين جامعة البحرين ومعهد كونفوشيوس الصيني لإنشاء معهد كونفوشيوس لتدريس اللغة الصينية في جامعة البحرين، وتم تدشين المعهد في أبريل 2014، وبات منصة لتعليم اللغة والثقافة الصينية، وأبرز مظاهر التعاون التعليمي بين البلدين، حيث خرّج آلاف الدارسين وقدم عشرات المنح والدورات التعليمية منذ تأسيسه وهو يعد إحدى النوافذ المهمة لطلاب جامعة البحرين للتعرف على تاريخ الصين وحضارتها وإنجازاتها.
التعاون الثقافي
تحرص مملكة البحرين وجمهورية الصين على تعزيز التبادل الثقافي، وفي هذا الإطار يجرى تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية وبرامج التبادل الثقافي المشتركة بين البلدين.
وفي ضوء ما تقدم، من المنتظر أن تسهم الزيارة الحالية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم إلى جمهورية الصين، وما سيتم خلالها من مباحثات هامة مع الرئيس الصيني في فتح أفاق جديدة من التعاون البناء والمثمر في جميع المجالات، فضلا عن التوصل إلى تفاهمات ورؤى موحدة إزاء الوضع في غزة ومجمل التحديات الإقليمية والدولية.