حسن الستري

تنسيق مشترك بين المنامة والقاهرة في مواجهة الأزمات الإقليمية والدولية

الزيارات واللقاءات الرفيعة تؤكد رسوخ التعاون السياسي والاستراتيجي

تنسيق بحريني مصري داخل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في القضايا الدولية

البلدان يتبنيان لغة دبلوماسية معتدلة تسهم في تعزيز الاستقرار العربي

البحرين ضمن أكبر 20 مستثمراً في مصر والتعاون الثقافي يربط الشعبين وجدانياً

تشهد العلاقات السياسية بين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية الشقيقة رسوخاً وعمقاً تاريخياً يميزها عن الكثير من العلاقات الثنائية العربية الأخرى. فهي ليست مجرد روابط دبلوماسية تقليدية، وإنما علاقة أخوة متينة ممتدة عبر عقود، صاغتها أحداث كبرى ومواقف مفصلية، ورعتها قيادات رشيدة في كلا البلدين.

وقد أثبتت التجارب أن هذه العلاقة تمثل نموذجاً يحتذى في التنسيق السياسي العربي، حيث تتلاقى الرؤى وتتوحد المواقف في مواجهة مختلف التحديات التي تعصف بالمنطقة.

ارتكزت العلاقات السياسية بين البحرين ومصر على دعائم تاريخية متينة، حيث شكّل الدعم المتبادل في القضايا المصيرية أساساً لتطورها المستمر. فمنذ عقود طويلة ومصر تمثل بالنسبة للبحرين العمق الاستراتيجي العربي الذي لا غنى عنه، فيما تحتفظ البحرين بمكانة خاصة لدى مصر باعتبارها شريكاً موثوقاً في دعم الاستقرار الإقليمي وتعزيز التضامن العربي.

وتصف القيادتان في المنامة والقاهرة العلاقة بأنها أخوية صادقة، تقوم على التقدير المتبادل والثقة السياسية الراسخة، وتُترجم على أرض الواقع بتنسيق مشترك في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.

على الصعيد السياسي، تُجمع البحرين ومصر على ضرورة حماية الأمن القومي العربي، والتصدي لأي محاولات لزعزعة الاستقرار في المنطقة. فقد كانت المواقف المصرية الداعمة لمملكة البحرين محل تقدير بالغ، خصوصاً فيما يتعلق بالتأكيد الدائم على احترام سيادة البحرين وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

وفي المقابل، وقفت البحرين، قيادةً وشعباً، إلى جانب مصر في مختلف المحطات المفصلية، وخاصة خلال الأحداث التي أعقبت الثلاثين من يونيو 2013، حيث كان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، أول زعيم خليجي يزور القاهرة آنذاك، في موقف سجله التاريخ كرسالة وفاء ودعم للشعب المصري.

لم يكن تطور العلاقات البحرينية المصرية وليد الصدفة، بل جاء نتيجة إرادة سياسية واضحة لدى قيادتي البلدين. فقد أكد جلالة الملك مراراً أن مصر تمثل الامتداد القومي الطبيعي للبحرين، وركيزة أساسية للأمن والاستقرار في المنطقة.

وفي المقابل، شدد الرئيس عبدالفتاح السيسي على أن البحرين ستظل دائماً في قلب مصر قيادةً وشعباً، معتبراً أن العلاقة بين البلدين ذات طابع خاص يتجاوز الدبلوماسية التقليدية.

هذا التلاقي في الرؤى أسّس لمرحلة جديدة من العلاقات السياسية، تُرجمت في زيارات متبادلة على أرفع المستويات، ولقاءات دورية بين قادة البلدين، كان آخرها سلسلة لقاءات خلال عامي 2022 و2025 التي أكدت التزام الجانبين بمواصلة البناء على ما تحقق من تعاون سياسي واستراتيجي.

يشكل التنسيق البحريني المصري عنصراً أساسياً في التعاطي مع الملفات الإقليمية الحساسة. فقد تبنى البلدان مواقف مشتركة تجاه الأزمات في المنطقة، سواء في ليبيا أو اليمن أو القضية الفلسطينية، مؤكدين دوماً على أهمية الحلول السلمية القائمة على الحوار، ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية.

كما يجمع البلدان موقفاً واضحاً في مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث لعبت مصر دوراً محورياً في تعزيز منظومة الأمن القومي العربي، فيما ساهمت البحرين من جانبها في دعم المبادرات الدولية والإقليمية الهادفة إلى تعزيز الاستقرار ومواجهة التحديات الأمنية. سجلت العلاقات بين البحرين ومصر مواقف متبادلة ذات دلالات عميقة.

فقد منحت مصر في عام 2016 جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة “قلادة النيل”، أرفع وساماً مصرياً، تقديراً لمواقفه النبيلة تجاه مصر، فيما منح جلالة الملك المعظم الرئيس عبدالفتاح السيسي «وسام الشيخ عيسى

بن سلمان آل خليفة» عام 2017، وهو أرفع وسام بحريني، اعترافاً بدور مصر في دعم البحرين على مر السنوات. هذه التكريمات لم تكن مجرد بروتوكولات دبلوماسية، بل رسائل رمزية تعكس عمق الاحترام المتبادل بين القيادتين.

وشهدت السنوات الأخيرة سلسلة من اللقاءات والزيارات رفيعة المستوى التي كرست البعد السياسي للعلاقات الثنائية. ففي يونيو 2022 استقبلت المنامة الرئيس السيسي في زيارة رسمية شهدت توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم عززت المسار السياسي والاقتصادي.

وفي نوفمبر من العام ذاته، شارك سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في قمة المناخ بشرم الشيخ، مؤكداً عمق التنسيق البحريني المصري في القضايا الدولية.

أما في 2023 و2025، فقد شهدت العلاقات زخماً متزايداً، حيث استقبلت البحرين عدة وفود مصرية رفيعة المستوى، كما عُينت السفيرة فوزية زينل كسفيرة فوق العادة مفوضاً لدى مصر، في إشارة إلى اهتمام البحرين بتوطيد العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة.

كما التقى ولي العهد البحريني بالسفيرة المصرية الجديدة في المنامة ريهام عبدالحميد، مؤكداً حرص البحرين على توسيع آفاق التعاون السياسي المشترك.

من أبرز ما يميز العلاقات السياسية بين البحرين ومصر هو التزام الطرفين بلغة دبلوماسية رصينة تقوم على الاحترام المتبادل والحرص على تعزيز التضامن العربي.

فكلا البلدين يتمتعان بسياسات خارجية معتدلة، ويعملان معاً على مواجهة التحديات الإقليمية بروح من الحكمة والاتزان.

وهذا النهج جعل من العلاقة بينهما عامل استقرار في محيط عربي يعج بالتحديات. على الصعيد الدولي، تتسم العلاقات البحرينية المصرية بتنسيق دائم داخل المنظمات الدولية والإقليمية، سواء في جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة.

ويتبنى البلدان مواقف متقاربة تجاه قضايا إرساء السلام العالمي، ودعم الحوار بين الحضارات، ومكافحة التطرف والإرهاب.

كما يحرص البلدان على تبادل الدعم في الترشيحات للمناصب الدولية، وهو ما يعكس روح التعاون الوثيق بينهما.

ساهمت الجوانب الاقتصادية والثقافية في تعزيز مسار العلاقات البحرينية المصرية. فقد شهد التبادل التجاري نمواً متزايداً، مع احتلال البحرين المرتبة الـ16 في قائمة المستثمرين في السوق المصري.

كما أسهم التعاون الثقافي والإعلامي في بناء صرح وجداني يربط الشعبين الشقيقين، من خلال الفعاليات الثقافية والأنشطة الإعلامية المشتركة. لكن تبقى هذه الجوانب في إطار داعم للبعد السياسي الذي يشكل الركيزة الأهم.

مع استمرار اللقاءات المتبادلة، تؤكد البحرين ومصر التزامهما بمواصلة تطوير العلاقات السياسية، بما يحقق الأهداف المشتركة للبلدين والشعبين.

فالتاريخ يشهد أن العلاقة بينهما لم تتراجع يوماً، بل ازدادت قوة وصلابة مع مرور الزمن. ومع ما يواجهه العالم العربي من تحديات أمنية واقتصادية وسياسية، يظل التحالف البحريني المصري بمثابة مرساة أمان للمنطقة، ونموذجًا للعلاقات العربية الناجحة التي تبنى على الثقة المتبادلة والإرادة السياسية القوية.

مما تقدم يتبين أن العلاقات السياسية بين مملكة البحرين وجمهورية مصر العربية ليست مجرد علاقة ثنائية عابرة، بل هي شراكة استراتيجية متجذرة في التاريخ، ومتطلعة إلى المستقبل بثقة وعزم.

فقد شكلت هذه العلاقة على مدى العقود الماضية نموذجاً فريداً من التضامن العربي، وأسهمت في تعزيز منظومة الأمن القومي العربي، ودعم الاستقرار الإقليمي والدولي.

وبالنظر إلى قوة الأسس التي تقوم عليها، وما تحظى به من رعاية واهتمام من قيادتي البلدين، يمكن القول إن العلاقات البحرينية المصرية مرشحة لمزيد من التطور والازدهار، لتظل مثالاً على أن الأخوة العربية الحقيقية قادرة على الصمود أمام كل التحديات.

شاركها.