'البيوت الآيلة' تخنق المحرق.. جدران تتهاوى بين إهمال الورثة وتعقيدات الهدم! – الوطن

سيد حسين القصاب
خطر متربص فوق رؤوس السكان، ودوامة إجراءات لا تنتهي، وبين حدي النصلين تقف البيوت الآيلة للسقوط في محافظة المحرق شاهدة على أزمة تتفاقم يوماً بعد يوم، فلا الصرخات التحذيرية من الأهالي وممثليهم في المجلس البلدي تجدي نفعاً، ولا الحلول تجد طريقها بعد توافق يجب أن يحدث بين جهات عدة، ما زالت كل منها ترمي بالمسؤولية على الآخر، بينما تتساقط الجدران وتتهاوى الأسقف، مهددة الأرواح ومشوّهة وجه المدينة.
ويوماً بعد يوم، وربما ساعة بعد ساعة، تتصاعد التحذيرات في محافظة المحرق بشأن البيوت الآيلة للسقوط، والتي باتت تشكّل تهديداً مباشراً لسلامة المواطنين والمقيمين، في ظل غياب حلول فعلية، واستمرار التعقيدات الإدارية وتضارب الصلاحيات.ورغم وضوح خطورة هذه المشكلة، إلا أن إهمال الورثة من جهة، وتعقيد الإجراءات، لا يزالان يشكّلان عائقاً كبيراً أمام الوصول إلى حلول جذرية وفعالة، تُنهي معاناة السكان وتعيد الاستقرار إلى المناطق المتضررة.
«الثالثة»: خطر داهمفي الدائرة الثالثة من المحافظة، يؤكد عضو مجلس المحرق البلدي عبدالقادر محمود أن عدد البيوت الآيلة للسقوط يتجاوز العشرين بيتاً، بعضها تراثي وأخرى لا تندرج تحت هذا التصنيف، إلا أنها جميعاً تواجه نفس المصير، نتيجة الإجراءات المعقدة التي تستنزف الوقت دون نتائج ملموسة.
ويلفت محمود إلى وجود بيتين متهالكين يقعان على شارع ضيق، ما يرفع درجة الخطورة إلى مستويات قصوى، حيث إن أي انهيار جزئي قد يتسبب في كارثة.
ويشدد على أن الأمر يتطلب قراراً مباشراً وسريعاً من مدير بلدية المحرق، دون انتظار المسارات التقليدية الطويلة، مؤكداً أن القضية تجاوزت الجوانب التنظيمية، وأصبحت تمسّ سلامة الأرواح.
ويطالب عبدالقادر محمود بتدخل حاسم من بلدية المحرق، حيث قال: «لابد أن يكون هناك قرار شجاع من قِبل مدير بلدية المحرق، وأن يأخذ قراراً سريعاً دون انتظار الإجراءات المطولة في مثل هذه الأمور العاجلة، إضافة إلى أن المجلس رفع الكثير من التوصيات بهذه المشكلة».
ويشير إلى أن الأضرار لا تتوقف عند الجانب الإنشائي فقط، فهذه البيوت المهجورة أصبحت مأوى للحشرات والفئران، ما ينعكس سلباً على السكان المجاورين، خاصة في ظل انتقال هذه الآفات إلى منازلهم وسياراتهم، مسببةً أضراراً صحية ومادية متزايدة، مثل دخول الفئران إلى السيارات وقضم الأسلاك.
وطالب عبدالقادر محمود هيئة البحرين للثقافة والآثار بالتحرك الفوري تجاه البيوت الواقعة تحت إشرافها، خصوصاً تلك التي لا يملك أحد حق التصرف فيها، مشيراً إلى أن بعض هذه العقارات يرغب ورثتها في هدمها، وهو ما يستدعي تدخلاً جاداً وسريعاً، سواء من الهيئة أو من بلدية المحرق.
«الثانية»: خطر بيئي واجتماعيوفي الدائرة الثانية، تنقل عضو مجلس المحرق البلدي دلال المقهوي صورة مشابهة من المعاناة، حيث تؤكد أن عدداً من البيوت في دائرتها بات يشكّل خطراً حقيقياً نتيجة تصدعها وإهمالها، في ظل منع تام لهدمها.
وتضيف أن هذه البيوت تهدد سلامة المارة والسكان، فضلاً عن تحولها إلى بؤر للممارسات المشبوهة، والقوارض والحشرات.وتوضح المقهوي أن الأهالي يتجهون إلى المجالس البلدية طلباً للحل، لكنهم يصطدمون برفض هيئة الثقافة والآثار للهدم حفاظاً على القيمة التراثية، فيما تطالب البلدية بتصحيح الوضع، ما جعل المواطنين يعيشون حالة من الضياع بين الجهتين، بلا مخرج واضح.وتلفت إلى أن المشكلة تزداد تعقيداً لغياب الدعم للترميم، وعدم وجود خيار الاستملاك، في وقت يتعذر فيه على الورثة الذين يمتلكون العقارات بشكل مشترك تحمّل تكاليف الترميم الباهظة، أو الاستفادة منها اقتصادياً.
وتشير المقهوي إلى أن المجلس البلدي استخدم كل ما يملك من أدوات، بينها المخاطبات الرسمية والتوصيات والاجتماعات، سعياً لإيجاد حل جذري، دون نتيجة حتى الآن.
المواقف.. تباين وتعقيد
وتتوزع مواقف الجهات الرسمية المعنية على النحو الآتي:البلديات: مستعدة للهدم، لكنها تشترط الحصول على الموافقات اللازمة من باقي الجهات، وقد زودت المجلس بقائمة البيوت الآيلة للسقوط.
هيئة البحرين للثقافة والآثار: ترفض هدم البيوت ذات القيمة التراثية، وتؤكد الاكتفاء بالترميم فقط.
الجهات الأمنية: ترى أن هذه البيوت أصبحت مصدر إزعاج حقيقي للأهالي والجهات الأمنية، في ظل كثرة الشكاوى، وقد زودت المجلس بقائمة البيوت المهجورة والخطرة، وتتعامل مع البلاغات بشكل مباشر.
استجابات محدودةومن جانبه، حاول مجلس المحرق البلدي الدفع بهذا الملف إلى مقدمة الأولويات. ففي أكتوبر 2022، تم تشكيل لجنة تضم الجهات الرسمية المعنية لمتابعة الموضوع.
وفي أكتوبر 2024، أوصى المجلس بتحميل هيئة الثقافة والآثار مسؤولية البيوت الآيلة للسقوط، إلا أن الهيئة ردت بالرفض، مطالبة بميزانية منفصلة للترميم أو الاستملاك من وزارة شؤون البلديات والزراعة.
وعندما كرر المجلس مطالبته في نوفمبر 2024، أيدت اللجنة الوزارية موقف الهيئة، وكلفت وزارة البلديات بالتنسيق معها لإيجاد حلول مناسبة. وحتى عام 2025، لايزال المجلس يواصل المتابعة دون حلول جذرية.
التدخل العاجل ضرورة
وفي ظل ما تم رصده من معاناة للأهالي، وما تم توثيقه من مواقف وتصريحات لأعضاء المجلس البلدي، فإن ملف البيوت الآيلة للسقوط في محافظة المحرق لم يعد مجرد قضية خدمية أو تنظيمية، بل أصبح أولوية ملحّة تتطلب تدخلاً عاجلاً وحاسماً من جميع الجهات المعنية، لتفادي ما قد ينتج عنها من كوارث إنسانية، لاسيما في المواقع الحيوية التي تشهد حركة يومية للسكان والزوار.