أ.د. جهان العمران

في عالم السياسة والعلاقات الدولية، تُعد التحالفات بين الدول أداة استراتيجية تسعى من خلالها الدول لتحقيق مصالح مشتركة، سواء كانت اقتصادية، أو عسكرية، أو سياسية.

وتقوم هذه التحالفات على مبدأ التعاون والتكامل لتحقيق أهداف يصعب تحقيقها بشكل فردي، ولكنها في الوقت ذاته قد تنطوي على نزاعات خفية أو تنافس بين الأطراف المتحالفة.

وهذه الديناميكيات لا تختلف كثيراً عن العلاقات داخل الأسرة، حيث يمكن أن تتشكل تحالفات بين أفرادها تؤدي إلى تحقيق أهداف مؤقتة، لكنها قد تتسبب في تفكك النسيج الأسري على المدى البعيد، حيث تظهر هذه التحالفات عندما يتكتل بعض أفراد الأسرة ضد فرد معين، سواء كان ذلك بسبب انحياز الوالدين لأحد الأبناء أو التحالف بين أحد الوالدين وأحد أبنائه ضد الشريك.

ويسمى هذا في علم نفس الإرشاد الأسري بالتثليث Triangulation. وهو من المؤشرات المرضية في العلاقات الأسرية.

وعلى غرار تحالفات الدول، قد تحقق هذه التحالفات مكاسب قصيرة الأمد، لكنها غالباً ما تؤدي إلى تفاقم المشكلات العائلية وتدهور العلاقات الأسرية على المدى البعيد، فالأسرة تعتمد في استقرارها على المحبة والتفاهم والحوار الصريح، لذا فإن أي خلل في هذه القيم الأساسية يمكن أن يهدد كيانها بالكامل.، لذا سميت بالتحالفات المرضية أي اللاسوية.

ومن أبرز الأمثلة على هذه التحالفات، تحالف الأب مع أحد الأبناء ضد الأم، مما يؤدي إلى تقويض دورها كمسؤولة عن الأسرة وإضعاف مكانتها داخل البيت. في المقابل، قد تتحالف الأم مع أحد الأبناء ضد الأب عند حدوث خلاف بين الزوجين؛ مما يدفع هذا الابن أو الابنة إلى تحمل دوراً أكبر من عمرهما؛ مما يؤدي إلى الشعور بالضغط النفسي والفشل في علاقاتهما الزوجية مستقبلاً؛ لأنهما تعلما درساً خاطئاً عنها في أسرتهما الأصلية. وفي بعض الحالات، قد يتحالف بعض الأبناء معاً ضد أحد الإخوة نتيجة الغيرة؛ بسبب تفوق هذا الأخ أو الأخت في صفة ما، أو بسبب التنافس على أمر ما، أو من أجل الفوز برضا أحد الوالدين الذي عزز هذا الصراع للحفاظ على موقع السيطرة في الأسرة؛ مما يخلق بيئة مليئة بالتفكك والصراعات بين الأبناء.

إن لهذه التحالفات الأسرية المرضية آثاراً مدمرة على الأفراد والعائلة، مما يؤدي إلى ضعف الثقة بين الفريقين المتحالفين، والعيش في دوامة من الصراعات الأسرية التي يكون كل طرف فيها خاسراً لامحالة.

وهكذا تتزايد النزاعات الأسرية، وتنخفض مستويات التواصل الصحي بين أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى ضعف التماسك الأسري، وفقدان الشعور بالأمان داخل المنزل، والتباعد الشديد بين أفراد الأسرة.

للتغلب على هذه المشكلة، يجب على الوالدين اتباع أساليب تنشئة أسرية سوية تقوم على المحبة والقبول وعدم التمييز في المعاملة بين الأبناء، وتجنب إظهار التحيز لأي منهم ضد بقية الأبناء، ونبذ التحالفات بينهم ضد بعضهم بعضاً، وكذلك احترام مكانة كل من الوالدين في الأسرة. كما أن تشجيع الحوار المفتوح وحل المشكلات الأسرية بأسلوب ديمقراطي سليم يمكن أن يسهم في تقوية الروابط الأسرية.

أما إذا استمرت هذه المشكلة، فقد يكون من الضروري الاستعانة بمختص نفسي أو مرشد أسري لتقديم الدعم والمساعدة من أجل استعادة توازن العلاقات داخل الأسرة، وإعادة البهجة إلى المناخ الأسري قبل فوات الأوان.

أستاذة جامعية في علم النفس التربوي

شاركها.