الدكتورة جميلة السلمان تكشف تفاصيل مسيرة حياتها لـ”الوطن” كنت الثانية على مستوى البحرين في الإعدادية والثانوية وتوجهت إلى الطب
لم أخرج من المنامة سواء في الدراسة أو حتى العمل في السلمانية
والدي وجدي من الطواويش وكنا نسمع قصصهم عن اللؤلؤ
والدي تميز بأنه موسوعة علمية يعرف إجابات كل أسئلتنا ونحن صغار
والدتي تميزت بالذكاء الاجتماعي وتهيئة أجواء التفوق لأبنائها
وجدت نفسي في القراءة والبحث والتحليل وإعطاء النتائج والتصورات
آلاف مؤلفة من العاملين لاتخاذ قرارات الفريق الوطني لـ”كورونا”
وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من الملك منحني دفعة أقوى لمزيد من العمل
لا خوف من أي جائحة قادمة طالما يتم التعامل معها بطريقة علمية
كل سؤال بسيط قد ينقذ حياة أو يغير مسار إنسان
أيمن شكل تصوير نايف صالح
كانت محبة للعلم وباحثة عنه وكانت الثانية على مستوى البحرين في الإعدادية والثانوية، إنها الدكتورة جميلة السلمان عضو الفريق الوطني الطبي للتصدي لفيروس كورونا وعضو مجلس الشورى حالياً، حيث أشارت في مسيرتها لـ”الوطن”، إلى أنها تتذكر الفرحة الكبيرة في البيت عندما ظهرت نتيجة الثانوية وعرفت أنها الثانية، وحينها كان القرار الأول والأوحد هو دراسة الطب.
الطبيبة التي كانت حديث الناس ومحط أنظارهم عند كل مؤتمر صحفي خاص بـ”كوفيد 19″، تحدثت عن مسيرة حياتها المتمركزة في المنامة منذ الصغر وفي جميع أنواع مراحل الدراسة، ثم العمل في السلمانية، مبينة أن اتخاذ القرار لم يكن بسيطاً لأن ألوفاً مؤلفة من العاملين في هذا الفريق مسخرين لإنتاج القرار الذي ينتظره الناس.
وأكدت السلمان أن أكبر وسام هو وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من جلالة الملك المعظم والذي مثل تحولاً في حياتها ومنحها دفعة أقوى لمزيد من العمل، ثم تشرفت بالثقة الملكية السامية بتعيينها عضوا في مجلس الشورى، وقالت إن متابعة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء، لكافة التفاصيل خلال الجائحة، أثمر بأن تعتبر منظمة الصحة العالمية البحرين نموذجاً يحتذى به في التعامل مع كوفيد 19. وفيما يأتي اللقاء:
في أي منطقة عاشت جميلة السلمان طفولتها
حياتي كانت في المنامة وارتبطت كل ذكرياتي بها وبشوارعها وبيوتها وحتى مدارسها وأستطيع أن أصف طفولتي بالسعيدة فقد كانت عائلتي أكبر سند لي للدراسة والتفوق، وورثت من والدي حبه للقراءة والعلم، وبقيت ة بالمنامة من البداية وحتى وصولي للسلمانية للتدريب ثم العمل.
وجميع مراحل دراستي الثلاثة ارتبطت بالمنامة، فكنت في مدرسة فاطمة الزهراء ثم عائشة الإعدادية والمنامة الثانوية وكان والدي يوصلنا إلى المدرسة بالسيارة، لكن في العودة نمشي حتى بيت جدي في وسط المنامة لتجتمع الأطفال إلى أن يعود الآباء لهم في وقت لاحق، فكانت المنامة الحاضنة لمراحلي التعليمية والعملية وتفاصيل حياتي.
تتميز المنامة بكونها مدينة ثرية بخلطتها الثقافية المتنوعة، فكيف كانت الحياة؟
بالفعل هي محطة لتبادل الثقافات، خاصة مع تلاصق البيوت ببعضها فلا حدود أو أسوار ولا أبواب تمنعنا من دخول أي بيت، فكلها كانت بيوت أهالينا ونشعر أننا جميعاً عائلة واحدة في الفريج.
ومما أذكره في طفولتي أننا كنا نسمع الكبار الذين ساهموا في بناء الوطن يتناقشون في الأمور وكنا نتعلم منهم، وكان والدي وجدي من الطواويش الذين تسمع قصصهم عن اللؤلؤ والصيد والبحث عن اللآلئ، وكنت أتابع مع والدي عمليات فتح المحار والبحث عن اللؤلؤ، ثم افتتح والدي بعد ذلك متجراً للذهب مع أعمامي، لكن لم أفكر يوماً أن أرث منه التجارة.
كيف كان تأثير الوالدين في حياتك؟
كنت الثالثة في مصفوفة خمسة أطفال في عائلة السلمان، والوالد كان شخصية فريدة بالنسبة لنا فهو موسوعة علمية واسعة يقرأ باستمرار ويعرف إجابات كل الأسئلة التي تطرح عليه ويرد بإجابات تشمل التواريخ والتفاصيل الكاملة التي ربما لا يتطرق إليها السؤال، وكنا كأطفال نتنافس في طرح الأسئلة عليه لنعرف مدى موسوعيته العلمية فيبهرنا، وهو الذي رسخ لدي أهمية العلم والقراءة.
وكانت الوالدة داعماً كبيراً لأبنائها وتميزت بما أستطيع وصفه بالذكاء الاجتماعي، حيث كانت توفر جميع الأجواء والدعم النفسي واللوجستي لما يحتاجه أبناؤها بما يلبي طموحهم أو تفوقهم في الدراسة.
هل كنتِ ترغبين أن تكوني طبيبة في طفولتك؟
لم يكن هناك طموح آخر في الطفولة إلا أن أكون طبيبة، خاصة وأن هذه الحقبة من الزمن لم تكن أمام العائلة خيارات سوى الطب والهندسة والتعليم وكانت العائلة دائماً ما تتحدث مع أطفالها عن الخيارات الثلاثة للمستقبل “طبيب مهندس مدرس”، ولكن الفارق البسيط في طموحي للطب هو أنني كنت أريد أن أكون طبيبة ناجحة.
وكنت محبة للعلم وباحثة عنه ومن أوائل البحرين في المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث كنت الثانية على مستوى البحرين في الإعدادية والثانوية، وأتذكر الفرحة الكبيرة في البيت عندما ظهرت نتيجة الثانوية وعرفت أنني الثانية على البحرين، وحينها كان القرار الأول والأوحد هو دراسة الطب، حتى إن والدي سألني.. متأكدة طبيبة؟ هذا تعب.
لماذا فضلت جامعة الخليج العربي ولم تختاري بعثة للدراسة في الخارج؟
بعد حصولي على الثانوية العامة بتفوق كانت الخيارات للبعثات متاحة كلها، إلا أنني فضلت دراسة الطب في جامعة الخليج العربي دون تردد ليس تخوفاً من الخروج من البحرين، ولكن وجدت في الجامعة ما كنت أريد دراسته بل إنها غيرت في أسلوب تفكيري، فقد كانت الجامعة لا تدرس الطب التقليدي، ولكن تعتمد في دراستها على المشكلة الطبية والتفكير والبحث فيها، وهذه الدراسة هي التي رسخت عندي أسلوب البحث والتحليل وخاصة أنني كنت أدرس في بلدي وأتابع الأمراض السارية في نفس البيئة وهو ما أعطاني تصور لمراحل العمل والتدريب في مجمع السلمانية أو ما يقال عنه “ابن المكان” ومع وجود شبكة مرحلية للعمل سواء مع الطلبة الذين أدرس لهم والزملاء المعاصرين لدراستي والأساتذة الذين درسوا لي في جامعة الخليج.
وفي فترة كنت أفكر بأن أتخصص في قسم الجراحة، لكن بعد دخولي جامعة الخليج العربي، اكتشفت أنني أحب التفكير والتحليل بينما الطبيب الجراح تكون مهاراته في العمل اليدوي على جسم المريض، ولذلك وجدت نفسي في القراءة والبحث والتحليل وإعطاء النتائج والتصورات وهو ما قادني إلى تخصص الأمراض الباطنية والمعدية والتي أجد فيها شغفاً معبراً عن شخصيتي وتفكيري.
هل كانت هناك رهبة في دراسة الطب وبداية التشريح؟
لم يكن هناك رهبة، ولكن تشريح الجثث لا يعتبر المنظر المفضل عند أي أحد في العالم، والأطباء ينظرون للأشياء من منظور العلم، ولا تعنيهم الأمور الأخرى وعادة ما ينساها الطبيب ويركز فقط على مصلحة المريض.
من الزملاء ورفقاء الدرب في الدراسة؟
هناك كثيرون ساروا مع مشوار العمر من الصديقات اللاتي لا أستطيع حصرهن، وقد رافقوني في رحلتي التعليمية بداية من الابتدائي وحتى جامعة الخليج العربي وصولا إلى الزمالة في مستشفى السلمانية، ولنا علاقات قوية معهن، ومن رفيقات الدرب الطويل الطبيبات فرزانة السيد وفايزة حيدر فاطمة جعفر وأميرة آل نوح.
ماذا حدث بعد التخرج من كلية الطب؟
بعد التخرج انضممت للتدريب في السلمانية، وكان هدفي هو الحصول على الشهادة للعودة والخدمة بأسرع وقت، فقدمت على الدراسة في أمريكا قبل أن أتخرج من جامعة الخليج العربي، وذهبت أنا وزوجي وهو أيضاً طبيب للولايات المتحدة وقد كانت تلك المرحلة مفصلية في حياتي، فدرست خلال 7 سنوات، الطب الباطني وحصلت على البورد الأمريكي في تخصص كبار السن ورعاية المسنين وبعدها تدريب في مجال الأمراض المعدية والبورد الأمريكي في الأمراض المعدية، وعلاج نقص المناعة المكتسبة، والبورد الأمريكي في مكافحة العدوى والبورد في جودة الخدمات الطبية، وحصلت على عدد من الجوائز في البحوث العلمية وكأفضل طبيب، وكل ذلك من حبي للعلم.
هل حصلت جميلة السلمان على فرص عمل في أمريكا؟
حصلت على عروض للعمل، ولكن كان خياري الأوحد هو بلدي وخدمة أهلي، فعدت إلى البحرين ومستشفى السلمانية وبدأت مرحلة الترقي بداية من رئاسة أقسام ولجان على مستوى المستشفيات مثل لجان الجودة والاعتماد ولجان وطنية وترأست لجنة علاج السكلر لثلاث سنوات وجميعها لها علاقة بالتخصصات التي درستها في الولايات المتحدة الأمريكية والأبحاث التي أجريتها.
كما عملت مع شخصيات بارزة في تأسيس برنامج مكافحة العدوى وحصلت على جائزة المشاريع الحكومية لمشروع المضاد الحيوي، بالإضافة لعضوية العديد من اللجان على مستوى المنطقة، ومنظمة الصحة العالمية لما له علاقة بالمضادات الحيوية ومكافحة العدوى، وكان أكبر وسام هو وسام الكفاءة من الدرجة الأولى من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، وهذا يمثل تحولاً في حياتي ومنحني دفعة أقوى لمزيد من العمل، وكل ذلك قبل مرحلة الكوفيد.
وجدت الدكتورة جميلة سلمان نفسها في بقعة الضوء عندما ظهرت جائحة كورونا، صفي لنا ذلك؟
بالفعل، فالناس عرفوني كمتحدث رسمي للجنة الوطنية لـ”كوفيد 19″، ولكن ذلك كله يعتمد على ما تم تخطيطه سابقاً وكل هذه الخبرات التي تراكمت على مدى سنوات، فكانت الأرضية التي أوصلتني لهذا المنصب.
وفي فبراير 2020 تم تشكيل اللجنة وكان اسمي ضمن هذا التشكيل وكنت مسؤولة عن مراكز العلاج ودخول وخروج المرضى ووضع البروتوكولات العلاجية ومكافحة العدوى باستمرار خاصة مع التغيرات والمستجدات اليومية للمرض بين ساعة وأخرى.
وهنا أود التنويه، بأن القيادة الحكيمة في الدولة هي التي نقلت البحرين إلى بر الأمان، فقد كان صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء لديه نظرة مستقبلية، بدأت من قبل ظهور أول حالة في البحرين وصولاً لأدق التفاصيل، وحتى عدد الأسرة التي تحتاجها البحرين لفترة ما بعد سنة ونصف، ولذلك نفتخر بوجود قيادة حكيمة تتعامل مع جائحة بهذا الحجم وتصنفها منظمة الصحة العالمية نموذجاً يحتذى به في التعامل مع الجائحة.
القرارات التي كانت تؤخذ أثناء الجائحة تعتبر مصيرية ومؤثرة، فما هي كواليس ما قبل الإعلان عن تدابير جديدة لمكافحة كورونا؟
لم يكن القرار بسيطاً في مجمله، وهناك آلاف مؤلفة من العاملين لإنتاج هذا القرار، فكل القرارات كانت تؤخذ على أساس معايير معينة، والأرقام يتم تحليلها بأساس علمي، ومن خلال قياس تحرك الفيروس، والتحليل الجيني والمعطيات الة به اقتصاديا واجتماعيا، وهل عدد الأسرة يكفي للمتوقع من أعداد المرضى، وأمور كثيرة، فكنا نجتمع يوميا بالساعات ونضع الأرقام والإحصائيات وصولا للقرار المدروس على أساس علمي بالظروف المجتمعية وتفاصيل الحياة للناس.
وأعتقد أن الناس استطاعت أن تتعلم آليات اتخاذ القرار في الجائحة من نظام الإشارات الضوئية، والمعتمد على عدد الحالات والوفيات وبعض الأمور الأخرى، ولعل أكثر تأثير رأيته على حياة الناس من الجائحة هو أن المجتمع فقد حاسة الكلام مع بعضهم البعض.
لماذا تظهر كل فترة أخبار تتحدث عن جوائح قادمة أخرى؟
هناك نوعان من الأمراض المعدية: الأول هو مرض موجود يختفي ويعود بشكل آخر، والثاني المرض الجديد مثل “كوفيد 19″، وفي الأمراض المعدية يكون التدريب الأساس هو الإعداد لما يسمى بالجائحة القادمة، ونحن لم نكن نعرف ما هي تلك الجائحة والمعطيات التي تترافق معها، خاصة وأن آخر جائحة قبل الكوفيد 19 هي الإنفلونزا التي اجتاحت العالم في عام 1918، ثم ظهرت بعدها أمراض مستجدة، ولكن جائحة “كوفيد 19” جاءت بأكبر مما يتخيله المتخصصون وهذا الحجم من التأثر.. فالعالم توقف تماماً.
لا نريد أن نخوف الناس فليس هناك خوف من أي جائحة طالما يتم دراستها والتعامل معها بطريقة علمية.
حدثينا عن الزواج وملابساته؟
زوجي هو الدكتور شاكر الصددي وهو أخصائي أمراض باطنية ودم وأورام وعرفنا بعضاً في جامعة الخليج العربي، حيث كنا ندرس بنفس الكلية وهذه كانت من الأشياء الجميلة في الجامعة، ثم سافرنا معاً إلى أمريكا. وخلال السنوات السبع التي قضيناها هناك أنجبت الابنتين الكبيرتين في أمريكا.
هل كان للأبناء ميول طبية مثل والديهما؟
الابن الكبير تخصص في التجارة والثاني يدرس الاقتصاد ولم يكن هناك أي ميول للطب، وقد وجدوا شغفهم الأكثر في التجارة والرياضيات والحساب والاقتصاد، ولم أمانع أو أفرض على أحد منهم مستقبلاً يغاير رغبته.
كيف يمكن أن يلاحظ المتابع للدكتورة جميلة قدر التعب والمجهود المبذول في العمل؟
عمل الطبيب لا يمكن حصره في وقت معين، فكلمة “on call” تعني أنك على استعداد للعمل في أي وقت بغض النظر عن ظروفك لأن كل سؤال بسيط قد ينقذ حياة أو يغير مسار إنسان.