يشهد قطاع الصناعات الدفاعية في تركيا تحولًا ملحوظًا خلال العقد الأخير، وينعكس هذا التحوّل في التسارع الذي يسجّله حجم القطاع والمنتجات الدفاعية وزيادة الصادرات والكفاءة التكنولوجية العالية التي يحققها. فقد بلغ حجم القطاع وفق أحدث الأرقام الرسمية ما يزيد عن 20 مليار دولار، يتم تخصيص حوالي 3.5 مليار منها في عمليات البحث والتطوير. كما ضم القطاع حوالي 1300مشروع دفاعي فاعل ومشاريع قد التطوير بإجمالي يبلغ حوالي 100 مليار دولار.
على مدار العقد الماضي، أدت إعادة هيكلة القطاع، بالإضافة إلى الدعم الحكومي القوي، إلى دفع تركيا إلى موقع بارز على الساحة الدفاعية العالمية. وبينما أدت الإنجازات المثيرة للإعجاب في الابتكار والتكنولوجيا إلى إنتاج أنظمة دفاعية محلية فعالة، فإن الركيزة الحقيقية لهذا النجاح تكمن في الموارد البشرية للبلاد—وبشكل خاص في شبابها الموهوبين والمتحمسين.
تشير الإحصائيات الرسميّة إلى أنّ القطاع الذي يشمل حوالي 3500 شركة يوظف حوالي 100 ألف مواطن وذلك بمعدّل أعمار يبلغ حوالي 34 سنة؛ مما يجعله واحداً من أهم وأكثر القطاعات الحيوية الشبابية مساهمة في الاقتصاد الوطني.
لقد أدركت الحكومة التركية أهمية الاستثمار في رأس المال البشري كعامل محوري في دفع صناعة الدفاع قُدماً إلى الأمام. وقد أدى هذا التركيز الاستراتيجي على التعليم وتطوير المهارات إلى ظهور جيل جديد من المهندسين والعلماء والفنيين الذين يتمتعون ليس فقط بالمعرفة بأحدث التقنيات، ولكن أيضاً بالتزام عميق بأهداف الدفاع الوطنية. وقد أنشأت الجامعات والمؤسسات التقنية في جميع أنحاء تركيا برامج متخصصة تهدف إلى تعزيز الخبرة في مجالات مثل هندسة الطيران، والروبوتات، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي. تضمن هذه المبادرات أن تكون القوى العاملة مجهزة بالمهارات اللازمة للابتكار والتكيف في مشهد عالمي دائم التطور.
علاوة على ذلك، أدت الجهود التعاونية بين الأكاديميا والصناعة إلى مشاريع بحث وتطوير رائدة وضعت تركيا كزعيم في تقنيات الدفاع المختلفة ليس على المستوى الإقليمي فحسب، بل الدولي أيضاً. وقد سهلت هذه الشراكة نقل المعرفة والمهارات من المؤسسات التعليمية إلى القطاع الخاص، مما أدى إلى إنشاء نظام بيئي متكامل يحفّز على الابتكار، ويُشجع المحترفين الشباب على الانخراط في مشاريع متطورة، مما يساهم في تصميم وإنتاج أنظمة عسكرية محليّة الصنع متقدمة تنافس نظيراتها العالمية في كثير من القطاعات الدفاعية والتكنولوجية.
تظهر حماسة وتفاني شباب تركيا في التزامهم بدفع حدود ما هو ممكن في تكنولوجيا الدفاع. لقد أدت المهارات والابتكارات الشبابية إلى إنشاء حلول فريدة مصممة لتلبية التحديات الأمنية الوطنية والعالمية. وبينما تحقق صناعة الدفاع التركية خطوات كبيرة في التكنولوجيا والابتكار، لا يمكن التقليل من دور الموارد البشرية. إن الاستثمار في المواهب الشابة والمتحمسة هو السر وراء الإنجازات المثيرة للإعجاب في هذا القطاع.
قطاع الصناعات الدفاعية في تركيا ليس مسألة مال وأعمال وتصدير وبيع فقط، وإنما هو مشروع لتعزيز ثقة المواطنين بأنفسهم ووطنهم رفع معنوياتهم وتشجيعهم على الحلم والطموح وعلى تحقيق المنجزات وعلى المنافسة على المستوى العالمي.
* أستاذ مساعد في الشؤون الدولية
والأمن والدفاع، جامعة قطر، وزميل أول غير مقيم في المجلس الأطلسي
علي باكير