السفير السويسري لـ«الوطن»: 352 مليون دولار التبادل التجاري والعلاقات المشتركة تزيد عن 50 عاماً
محمد الرشيدات
التراث البحريني عريق وأطمح إلى اكتشافه أكثر في المستقبل
سويسرا تصدر 19 بياناً رسمياً حول ضرورة حماية المدنيين في غزّة
برنامج التشجير الذي تمضي به المملكة بثبات أثار إعجابي
أسعى لإنتاج فيلم سويسري ستصوّر أحداثه في البحرين وبعض الدول القريبة
الطالب البحريني في الجامعات السويسرية يمتاز بالسمعة الطيبة
المملكة قدّمت مبادرات قيّمة في «كوب 28» لتقليل انبعاثات الكربون
أكّد سفير الاتحاد السويسري لدى البحرين المقيم في أبوظبي آرثر ماتلي، على عظم الدور المحوري الذي تقوم به المملكة إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية، بما يعكس حنكة السياسة التي تتحلّى بها، وأضاف خلال لقاء مع «الوطن» في مقر الصحيفة، بحضور رئيس التحرير عبدالله إلهامي، على هامش أول زيارة له يقوم بها إلى البحرين، أن البحرين أنموذج يُحتذى في المنطقة والعالم في بث روح التعايش السلمي بين أبناء البشرية قاطبة، مشدّداً على مستوى العلاقات المتميزة التي تجمع بين المنامة وبرن.
وحول الأوضاع في غزّة، أشار ماتلي، إلى أن سويسرا تعتبر جزءاً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مبيّناً في هذا الصدد أن الحكومة السويسرية أصدرت حتى شهر أبريل الجاري، 19 بياناً رسمياً حول أحداث غزة بضرورة تجنيب المدنيين الصراع الدائر حالياً، معوّلاً على الأمم المتحدة بأن تكون هناك مساعٍ دولية للتوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.
السفير السويسري، تطرّق إلى مؤتمر الأطراف الموقِّعة على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيُّر المناخي «كوب 28»، الذي أُقيم مؤخّراً في دبي، مؤكداً في هذا الصدد على دور البحرين المباشر والفعلي في المؤتمر، الذي أعلنت من خلاله عن إطلاق العديد من المبادرات والبرامج الوطنية المعنية بالمناخ، مشيراً إلى أن المؤتمر جاء مستجيباً لكل الأصوات الدولية التي نادت ومازالت تُنادي بالتقليل من الانبعاثات الكربونية الضارّة.
وعرج على حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث أشار إلى أن حجم الصادرات وصل في العام 2023 إلى ما يزيد على 308 ملايين دولار، وما يقدّر بـ44 مليون دولار للواردات من البحرين.
وخلال اللقاء، رحّب إلهامي بالسفير متمنياً له طيب الإقامة وحسن العائد من زيارته للمملكة. في ما أبدى ماتلي إعجابه بالمستوى المتقدّم الذي تشهده المملكة وعلى الأصعدة كافّة.. وفيما يأتي اللقاء:
عندما يأتي ذكر اسم مملكة البحرين، مالذي يخطر في بالك؟
عند الوهلة الأولى، يرد إلى مخيلتي شعب لطيف جداً تتناغم فيه مختلف الفئات الصغار والكبار، الرجال والنساء، ولطالما زرت معارض عديدة ضمّت رواقاً لعرض التراث البحريني، وعند قيامي بالتجول فيها رأيت صوراً تعود للقرن الثامن عشر لأُناس بحرينيين يقومون بالعديد المهن التراثية الأصيلة، إلى جانب عرض صور للعادات والتقاليد وحتى اللباس البحريني المتوارث من الآباء والأجداد.
ما مدى الأفق الذي وصلت إليه العلاقات البحرينية السويسرية؟
لسويسرا علاقات سياسية واقتصادية ودبلوماسية وطيدة، وها نحن نحتفل بمرور 50 عاماً على إقامة تلك العلاقات المتينة التي تربط دولتين الأولى من آسيا والأخرى من أوروبا، صغيرتين بمساحتيهما وبعدد سكانيهما، ولكنهما كبيرتان بإرادتهما وعمق إصرارهما في النهوض بشعبيهما ووطنهما.
على ماذا ترتكز طبيعة التفاهمات الاقتصادية بين المنامة وبرن، وتحديداً فيما يتعلّق بنوعية الصادرات والواردات؟
تستند على حقيقة الإحصائيات والأرقام التي تؤكّد على عمق العلاقة التشاركية في جميع المجالات، وبالأخص هنا الجانب الاقتصادي، وضمن إحصائيات خاصّة، فإن حجم الصادرات بين البحرين وسويسرا قد وصل في العام 2023 إلى ما يزيد على 308 ملايين دولار، وما يقدّر بـ44 مليون دولار في الواردات من البحرين.
ما أبرز أوجه التعاون العسكري والدفاعي القائمة بين البلدين؟
سويسرا ورغم امتلاكها جيشاً نظامياً، ولكنّها واحدة من دول العالم التي تحافظ على سياسة عدم الانخراط في الصراعات الخارجية، فالجيش مسؤول فقط بالدفاع عن البلاد وحمايتها في حالة الضرورة، ومع ذلك، فإن سويسرا تعتبر جزءاً هاماً من سياسة دولية، كما البحرين ركن أساس فيها، يذودان عن حدودهما، ويقفان على خط مستقيم واحد للسير قدماً نحو رؤية من السلام العالمي الشامل الذي لا يحمل البغضاء والكراهية.
حكومتا البلدين، تهتمان بتفعيل أطر التعاون العسكري، عبر زيادة تبادل الخبرات والإمكانات الدفاعية والحربية، وتوحيد الأفكار المختصة بتوسيع نطاق السياسة الأمنية الدولية المشتركة لنشر مبادئها وإيضاح خطوطها العريضة أكثر فأكثر، لتكون قادرة على مواجهة مختلف التحديات وتسوية القضايا الشائكة التي بات العالم يشهدها بين الحين والآخر.
ما هي قراءتك لمكنون الارتباط السياحي بين البلدين، وهل لدى سويسرا رغبة في جعل البحرين وجهة سياحية دائمة لمواطنيها ؟
في سويسرا، لدينا نهج ثابت لقناعة دائمة تنتقل من القاعدة إلى القمة خصوصاً فيما يتعلق بالشأن السياحي والترويج له، وفي هذا الصدد بدأت الجمهورية بتنشيط لبِنة السياحة الفضائية، ولدينا وكالة واحدة تختص بهذا الجانب، إضافة إلى أننا نملك مكتباً معتمداً من الدولة للتسويق السياحي موجود في دبي، يقوم بدور فاعل في تقديم سويسرا للمنطقة وما تزخر به من مواقع سياحية ونشاطات ترفيهية تُحاكي رغبة جميع أفراد العائلة.
وعلى الجانب الآخر، تسعى سويسرا إلى الانفتاح على دول الخليج العربي على سبيل الحصر، وإبراز حضارات تلك الدول أمام السويسريين، إما من خلال المنشورات، أو عبر تنظيم رحلات سياحية دورية من سويسرا إلى مختلف دول المجلس.
البحرين، سيكون لها حيز وفير في المستقبل في جدول السياحة الذي ينوي القيام به المواطن السويسري، لما تزخر به من معالم وتراث عريق، وتاريخ تليد يستحق أن يتم اكتشافه عن قُرب.
وأنا شخصياً، أطمح في المرّات القادمة أن آتي لزيارة البحرين على متن سفينة في رحلة بحرية وليس عن طريق الطائرة، سأفعل ذلك في المستقبل العاجل، ومن المؤكّد أنها ستكون تجربة رائعة.
من أي زاوية تعاينون حالة التعايش السلمي والتسامح بين مختلف الطوائف والمعتقدات الدينية المقيمة في البحرين؟
عبر زيارتي القصيرة هذه، ومن خلال مشاهداتي البسيطة، والانطباع الذي استقر في مخيلتي، وجدت أن البحرين لديها لوحة فنية تتناغم فيها جميع أشكال التسامح والمحبة بين الجنسيات والأعراق وأتباع الديانات والمعتقدات المقيمة فيها، لتلتزم المملكة بعطائها واحترامها لكل نفس بشرية تطأ أرضها وتعيش تحت سمائها، الأمر الذي من المؤكّد أن يشكّل أنموذجاً يُحتذى في المنطقة والعالم ككل ويكون مصدر إلهام لها في كيفية بث روح التعايش السلمي بين أبناء البشرية قاطبة.
على صعيد التعاون الأكاديمي بين البلدين، كيف تجده؟
هناك العديد من الطلاب البحرينيين الذين يدرسون في الجامعات السويسرية الموزعة في جميع مناطق الجمهورية الاتحادية، ممن يُشهد لهم بتفوقهم وحرصهم الدائم على الانخراط في المجتمع، وتكوين صداقات طيبة، فسُمعة الطالب البحريني في سويسرا طيّبة.
لذلك، ومن أحد أهم الأسباب التي دعتني لزيارة البحرين هي زيادة التعاون مع الجهات التعليمية الرسمية هنا، وتبيان الميزات التي تتصف بها الجامعات السويسرية وحقيقة ما تطرحه من منح في جميع المراحل الأكاديمية، بدءاً من شهادة البكالوريوس إلى نيل درجة الدكتوراه.
وماذا عن التبادل الثقافي بين المنامة وبرن، أين وصل برأيك؟
في الدستور السويسري، هناك بنود هامّة تأتي على ذكر ضرورة الانفتاح الثقافي على مختلف دول العالم، والبحرين تستحق التجول في حضاراتها المتعاقبة وتاريخها الذي يمتد لآلاف السنين، ونحن على استعداد بتوسيع نطاق هذا النوع من التبادلات التي تختص بلغة وثقافة الشعوب أينما وُجِدتْ.
في سياق ذلك، أعمد شخصياً إلى إنتاج فيلم سويسري ستصوّر أحداثه هنا في البحرين، إلى جانب بعض الدول القريبة منها، وهذا ما يجب أن تقوم به السينما في تقديم الحضارات العريقة للآخر والعكس صحيح ونقل تفاصيلها الجميلة بكل ما فيها.
تستضيف البحرين في مايو المقبل القمّة العربية الـ33، كيف ستسهم القمّة في الخروج بقرارات لتسوية الأوضاع في المنطقة؟
بداية، ستكون البحرين على قدر كبير في إنجاح القمّة، والتوافق من خلالها على جملة من القرارات والتوصيات التي تهم الشؤون السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، فضلاً عن تقريب وجهات النظر حيال القضايا التي ما زالت المنطقة تبحث عن وصفة لإنهائها، وذلك لن يتم إلا من خلال الحوار من أجل التوافق على صيغة جماعية.
إلى ذلك، والأمر مشابه، إذ ستستضيف سويسرا في يونيو المقبل أعمال مؤتمر السلام الدولي رفيع المستوى لرسم طريق للسلام في أوكرانيا بعد أكثر من عامين على الحرب، وإيجاد حلول مستعجلة لإنهاء الصراع الدائر بينها وبين روسيا.
كيف تنظرون إلى أحداث غزّة التي خلّفت حتى الآن عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين؟
انتُخبت سويسرا عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة للفترة الممتدة لعامي 20232024، وحينما قدّمنا طلب العضوية كان لدينا برنامج نتطلع لتحقيقه ويرتكز على 4 محاور: بناء سلام مستدام، وحماية المدنيين في الصراعات المسلحة، ومعالجة تأثير تغير المناخ على الأمن الإنساني، وتحسين فعالية المجلس.
وفي السياق المتعلق بما يدور في غزة حالياً، فإننا أصدرنا 19 بياناً رسمياً حتى شهر أبريل الجاري، للحثّ على احترام القانون الدولي والحفاظ عليه، والتأكيد على اثنين من مرتكزاتنا، وهما: بناء سلام مستدام، وحماية المدنيين في الصراعات المسلحة، ونعوّل على الأمم المتحدة بأن تكون هناك مساعٍ دولية للتوصل إلى حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية وتجنيب المدنيين الصراع الدائر حالياً.
إلى أي مدى أثّرت هجمات الحوثي على عملية الشحن البحري في البحر الأحمر، وما تقييمكم لدور البحرين في حفظ أمن الملاحة وحماية السفن التجارية المارّة فيه؟
إن الملاحة في البحر الأحمر، قد تعرّضت لاستهداف مباشر ومستمر من قبل الحوثيين، الذين ما فتئوا يزعزعون أمن أهم ممر بحري لسفن الشحن التجارية المحمّلة بسلاسل الإمداد من البضائع والسلع والطاقة، ولذلك أبدت سويسرا قلقها من استمرار الحال المؤسف في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهي على تواصل دائم مع المجموعة الأوروبية لبحث المسائل المتعلقة بهذه القضية لإيقافها وتحجيم خطورتها على الغذاء والنفط وجميع الخدمات التي تحتاجها البشرية المتواجدة في شتى بقاع الأرض.
نعم سويسرا ليست دولة ساحلية، ولكن لديها أكبر شركة بحرية في العالم التي تتخذ من جنيف مقرّاً لها، لذا تحرص على المشاركة في أي خطوة دولية من شأنها ضمان حرية الملاحة في المياه الدولية، وعدم التأخّر في تقديم المساعدة مهما كان نوعها من أجل أن تستمر الحركة التجارية في العالم.
كيف هي طبيعة العلاقات التي تربط سويسرا مع دول المنطقة، وبالأخص ضمن نطاق دول مجلس التعاون الخليجي؟
هي علاقات تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، فيها من التكامل والتفاهم والاحترام المتبادل ما يكفي لأن يُطلق عليها بأنها متميّزة، وسويسرا حريصة كل الحرص على تدعيم أواصر الشراكة مع جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمنطقة ككل.
ما رأيك بمخرجات، مؤتمر التغيُّر المناخي «كوب 28»، الذي أُقيم مؤخّراً في دبي؟ وماذا تقول عن مبادرات البحرين على صعيد المناخ؟
لقد جاء مؤتمر المناخ الأخير ملبياً لجميع الطموحات، ومستجيباً لكل الأصوات الدولية التي نادت ومازالت تُنادي بحتمية الحفاظ على الأجواء والتقليل من الانبعاثات الكربونية الضارّة للنفس البشرية، وهو ما تمّ عن طريق إجماع واضح من قِبل الأطراف كافّة للتداعي إلى نجدة المناخ والحفاظ على أرواح البشر، وضمان الإبقاء على نقاء الهواء، بما يكفل صحّة التربة والماء والشجر على هذه الأرض الممتدة.
البحرين كان لها دور مباشر وفعلي في ذلك المؤتمر، الذي أعلنت من خلاله عن إطلاق العديد من المبادرات والبرامج الوطنية المعنية بالمناخ، وإعلان التزامها بالاستراتيجية الوطنية للحياد الكربوني، والوصول إلى «زيرو كربون» بحلول 2060، ومع كل ذلك، ما أثار إعجابي هو برنامج التشجير الذي تمضي به المملكة بثبات لتحقيق أهدافه وقطف ثماره لمواجهة تغير المناخ وحمايته.
وعلى الصعيد ذاته، تنتهج سويسرا نهجاً رصيناً في كيفية احتواء ملف الطاقة لتقليل الانبعاثات، إذ تقوم حالياً بصياغة استراتيجية الهيدروجين الوطنية، والتوجه نحو التنويع في مصادر الطاقة، وصناعة جزيئات خالية من الكربون، بالشكل الذي يحفظ المناخ من أيّة ملوّثات قد تُعكّرُ صفوَه.
لذلك، يجب أن تُسارع الدول للتكاتف معاً في سبيل الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وبناء مستقبل جيد يقي الأرض من أي شيء قد يهدّد صحّتها وسلامة أجوائها.