العريض: كرّست حياتي لتشجيع ثقافة التبرّع بالأعضاء
حسن الستري
كوّنت حصيلة فقهية وقانونيّة كبيرة من والدي
أبي وُلد ودرس بالهند.. وأمي شاعرة وهي لا تقرأ
كنت الثاني على الثانوية عام 1963
والدي كان حازماً وحنوناً في ذات الوقت
آخر مؤلفاتي كتاب «زراعة الأعضاء بين الشريعة والقانون»
أكثر مقترحاتي القانونية بمجلس الشورى طبية
أتمنى إنشاء المركز الوطني لزراعة الأعضاء
على الرغم من كون عضو مجلس الشورى د.أحمد العريض طبيباً استشارياً، إلا أنه استطاع تكوين حصيلة فقهية وقانونية، كان لوالده الأثر البارز في تنميتهما في صباه، عبر تقديم المراجع القانونية له، وتهيئة الأجواء له للالتقاء بقضاة المحاكم الشرعية.
العريض سرد سيرته ومسيرته في حوار مع «الوطن» مشيرا إلى أنه بدأ حياته في فريج «الحطب»، وفيها عاش لأبٍ يعد من وجهاء المنامة البارزين، ولأمٍّ انفجرت قريحتها الشعرية رغم أنها لا تقرأ ولا تكتب، وقد شجعه والداه على الدراسة ليتخرج من الثانوية بتفوق ويكون الثاني على البحرين، ويتجه إلى دراسة الطب، ثم يتخصص في الأمراض الباطنية، ويتبنى بعدها ملف زراعة الأعضاء. وفي ما يلي نص الحوار:
حدِّثنا عن بدايتك، أين كانت نشأتك؟
البدايات كانت في فريج الحطب، بالمنامة، المتداخل مع فريج الفاضل، وكانت سنة الولادة عام 1947. وترتيبي الرابع بين إخوتي، قبلي أختي مريم، والأستاذ جواد، وأختي فاطمة.
وقد عشنا بالقرب من البحر. ومن المدارس، ومن فرجان المنامة الأخرى، ومن السوق.
حدِّثْنا عن والدك سالم العريض؟
ألفت كتابا عن الوالد، ونشرته، الوالد من مواليد الهند 1902، لأب يدعى عبدعلي محمد علي العريض. وأم تدعى مريم إبراهيم محمد العريض.
عاش طفولته كلها في الهند ودرس الابتدائية والثانوية والجامعية في الهند، إلى أن عاد إلى البحرين عام 1929.
ولماذا وُلد وعاش بالهند؟
لأن جدي كان تاجراً من كبار تجار اللؤلؤ ويومها كانت التجارة الرئيسية مع الهند، وتقريباً كل العائلة عملت في تجارة اللؤلؤ، ولم يكن والدي الوحيد الذي ولد وعاش طفولته بالهند، فالشاعر المعروف إبراهيم العريض هو الآخر ولد وعاش طفولته وأكمل دراسته في الهند، وذلك نظراً لصعوبة المواصلات يومها، إذ كانوا يسافرون بالبواخر، الأمر الذي اضطرهم للبقاء في الهند إلى أن عادوا وساهموا في بناء الدولة الحديثة.
فوالدي حين عاد من الهند كان عمره 29 سنة، وعمل بالجمارك وكان أول بحريني يستلم الجمارك، وبقي بها 6 أشهر، وبعدها عمل مدرساً ومديراً في المدرسة الغربية، «مدرسة أبو بكر الصديق حالياً».
ومع إنشاء المحاكم في البحرين، ساهم في إنشاء محاكم البحرين بفروعها، إذ أن المحاكم بالسابق كانت شرعية فقط، وبقي في هذه المهنة 40 سنة، كما كان له دور في إنشاء إدارة أموال القاصرين.
جرى تنظيم للمحاكم، بداية العصر الذهبي للبحرين كانت المسؤولية القضائية كلها عند رجال الدين.
وبعد تقاعده عن العمل، ألف كتاباً عن تاريخ الهند الإسلامي، ولأن والدي كانت دراسته باللغة الإنجليزية، ألّفه باللغة الإنجليزية، وبعد وفاته عام 1982 قمنا بترجمته للغة العربية في الجامعة الأمريكية.
وكيف كانت تربيته لك؟
الوالد كان حازما، فهو كان مدرساً، ومدرسو تلك الفترة كانوا يتسمون بالشدة، ولكنه كان حنوناً في ذات الوقت. وكان من الذين يشجعون العلم والعلماء.
كان يشجعنا على القراءة، سواء الكتب أو المجلات، وكان يوفر لنا كل هذه الأشياء في البيت، سواء الكتب العربية أو الإنجليزية، كما كان جدي عبدعلي العريض من رجال الفقه بالهند، وكانت توجد له كتب دينية قرأناها في طفولتنا.
وماذا عن والدتك؟
والدتي هي نصراء بنت الحاج محمد العريض وهو خال والدي أيضاً الذي استلم إدارة مأتم العريض، وهي أخت حميد العريض الذي استلم المأتم بعد وفاة والده.
جدي لوالدتي أيضاً كان طواشا. تزوج والدي من والدتي عام 1933، وتوفيت عام 2003.
الوالدة تزوجها الوالد وكان عمرها 17 سنة أما والدي فكان عمره 30 سنة. الوالدة متمسكة بالدين، ودائمة التردد على المأتم، وكانت ذات قريحة شعرية، ونظمت كثيراً من الأشعار في المدح والرثاء، رغم أنها لم تكن تعرف القراءة والكتابة، ولكنها كانت تملي أشعارها على أختي مريم، وما زالت بعض أشعارها تقرأ في مأتم شروف.
كانت والدتي تستيقظ منذ الصباح، وكان لدينا بقر في البيت. فكانت تحلب البقر وتعمل منه الزبدة وغيرها من مشتقات الألبان، وتعد لنا الفطور.
الوالدة كانت العمود الرئيسي في إدارة البيت بحكم انشغال الوالد بالعمل، أدارته إدارة جيدة، وكانت كريمة، تطبخ ما يزيد عن حاجة أبنائها وتوزعه على الجيران، خصوصاً في شهر محرم وشهر رمضان، وكانت المنامة تشهد تلاحماً وطنياً بين مختلف الأطياف، ولم نكن نشعر بالتفرقة في العائلات.
حدثنا عن دراستك؟
كانت دراستي الابتدائية في المدرسة الغربية، وكان مديرها آنذاك الوجيه حسن الجشي، ومدرسوها من الأردن والعراق والبحرين، كان المدرس له هيبة وقتها، نشعر أنه مدرس وأب وأم في نفس الوقت، كنا نهاب المدرسين.
تصور أننا لم نكن نستطيع السير بالشارع الذي يمشي به المدير حسن الجشي، نبتعد عنه كي لا يرانا نلعب في الشوارع، وذلك خوفاً من خيزرانته باليوم التالي.
أما دراستي الثانوية فقد كانت بمدرسة المنامة، كنا نذهب للمدرسة سواء بالابتدائي أو الثانوي مشياً على الأقدام، ونمر على سكان المنامة من مواطنين وجاليات ولا يتعرض لنا أحد، لم نتعرض لأي مشاكل عند الذهاب من البيت إلى المدرسة.
كيف كانت دراستك الجامعية؟
تخرجت من المرحلة الثانوية بتفوق عام 1963، ويومها كنت الثاني على البحرين، وحصلت على بعثة لدراسة الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت.
بقيت سنتين في بيروت، واستفدت منها، فقد كانت نقلة حضارية مفاجئة لي، فقد انتقلت إلى مجتمع الفكر، ورأيت الصراعات المسيحية الإسلامية، وكنت أتمنى أن أكمل دراستي في بيروت ولكني وجدت أن الأمور تتعقد نحو دخول الجامعة الأمريكية.
لماذا الأمور تتعقد؟
لأن مقاعد كلية الطب كانت محدودة، وكانت تتجه إلى أبناء العائلات، وكان أكثر الطلبة يتجهون بعد دراسة التمهيدي إلى كلية العلوم.
وأين كانت وجهتك لإكمال دراستك الجامعية؟
القاهرة، لأنه كان لدي أصدقاء كثر يومها بالقاهرة، وكان ذلك سنة 1965. وهناك التقيت بزملائي في كلية الطب، في جامعة القاهرة، منهم الدكتور محمد خليل حداد والدكتور عيسى أمين، إضافة إلى الكثير من الأشقاء العرب، كنا ندرس كمجموعة في دراسة الطب، إلى أن تخرجت عام 1971.
وماذا فعلت بعد التخرج؟
ذهبت إلى بريطانيا، لدراسة الطب وممارسته، واستفدت كثيراً من هذه التجربة، هناك تخصصت في الأمراض الباطنية، وأمراض الكلى، وزراعة الأعضاء. إلى أن عدت للبحرين وعملت طبيباً استشارياً في المستشفيات الحكومية بتخصص الباطنية.
وأسست مع أحد الزملاء الأجانب مركزاً لزراعة الأعضاء في البحرين، وفي البداية قدمنا خدمات لمرضى الكلى، وكان لديهم 20 جهازاً وقتها للغسيل، إلى أن تبرع المرحوم يوسف خليل المؤيد وأنشأ وحدة الكلى.
وكانت هذه بذرة غسيل الكلى بالبحرين، إلى أن أنشأنا جمعية أصدقاء مرضى الكلى، ومن خلال هذه الجمعية، استطعنا أن نشجع ثقافة التبرع بالأعضاء، ومؤخرا ألفت كتابا عنوانه «زراعة الأعضاء بين الشريعة والقانون».
ما قصة هذا الكتاب؟
هذا الكتاب كان هدفه التوعية، نقلت فيه تجارب بعض الدول العربية في زراعة القانون، وناقشتها من الزاويتين القانونية والشرعية.
دراستك كانت طبية، فكيف استطعت أن تؤلف كتابا يتناول النظريات الفقهية والقانونية؟
أيام المدرسة، كنت أذهب مع الوالد للمحاكم، وكان دائما يجعلني بالمحكمة الشرعية، وهناك استفدت كثيراً من المرحومين الشيخ منصور الستري والشيخ أحمد آل عصفور، ومنهما تكونت لدي الثقافة الفقهية وحب الاطلاع على كتب الفقه، كما أن الوالد بحكم عمله بالمحاكم، كان بمكتبته الكثير من المراجع القانونية، وكنت اطلع عليها أيضاًَ، لذلك صار لدي وعي في هذين الجانبين الشريعة والقانون.
ومتى تقاعدت من وزارة الصحة؟
سنة 2013.
على الرغم من كونك طبيبا، إلا أنك لازمت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الشورى منذ 2014، لماذا لم تختر لجنة الخدمات؟
الخلفية القانونية والشرعية لها دورها، كما أن لجنة الشؤون التشريعية والقانونية تمر عليها جميع القوانين لأخذ الرأي، وبالتالي كنت أطلع على جميع القوانين التي تناقشها اللجان، بما في ذلك القوانين الطبية بلجنة الخدمات.
ولكن أكثر مقترحاتي القانونية كانت طبية، قدمت قانوناً يجيز إجهاض الجنين قبل ولوج الروح إذا كان سيخرج مشوهاً ذهنياً أو جسدياً، وأن لا يكون إسقاط الجنين مقتصراً على ما إذا كان يهدد حياة الأم، وهو قانون موجود بالعديد من الدول الإسلامية، وقدمت قانون التأمين على الأخطاء الطبية، فإذا لا سمح الله حصل خطأ طبي، فإن شركة التأمين هي التي تعوض المتضرر كما هو الحال بالنسبة لتأمين السيارات.
كم عدد ابنائك؟
أنا عندي من الأولاد 5، بنتان و3 ذكور. وتوفقت فيهم جميعاً والحمد لله.
هل لديك ما تود إضافته؟
أتمنى أن تتوجه الجهود الرسمية لإنشاء المركز الوطني لزراعة الأعضاء، كما أتمنى أن يتم تطوير العمل بطوارئ السلمانية، فلا يصح أن يبقى المريض لساعات بل لأيام في الطوارئ، يجب تشخيصه وتحويله على الطبيب المختص مباشرة، فهذا قسم طوارئ وليس جناحاً لعلاج المرضى.