شوي تشينغ قوه

باحث أكاديمي من جامعة الدراسات الأجنبية ببكين

تعود جذور الروابط الصينية البحرينية إلى أكثر من ألفي عام، حين كانت البحرين محطة هامة على طريق الحرير القديم، وتعارف الشعبين من خلال تجارة السلع. وتشير الوثائق التاريخية إلى أن التجار العرب كانوا يقايضون لآلئ الخليج بالخزف والحرير من الصين، وبذلك تشكل ما يُعرف بـ”طريق اللؤلؤ”. وقد ورد الذكر لآلئ الخليج في كتاب صيني عن العادات والنوادر في بلاد العرب والفرس من عهد أسرة تانغ “في منتصف القرن التاسع الميلادي”، ويعدّ ذلك أقدم إشارة غير مباشرة إلى البحرين في السجلات الصينية القديمة.

أما في العصر الحديث، ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية الصينية البحرينية قبل 36 عاماً، وبفضل الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين، تطورت العلاقات الثنائية بشكل سلس، وتعززت الثقة المتبادلة، وتكثف التواصل الرفيع المستوى بين البلدين، الذي تتوّج بلقاء القمة بين فخامة الرئيس الصيني شي جينبينغ، وصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في نهاية عام 2022، على هامش القمة الصينية العربية، والقمة الصينية الخليجية في الرياض، والزيارة التاريخية التي قام بها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى للصين في العام الماضي، حيث توصلت قيادتا البلدين إلى توافق واسع النطاق حول إقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، مما يشير إلى بلوغ علاقاتهما إلى مرحلة جديدة تتعمق فيها الثقة السياسية، على أساس المساواة والمنفعة المشتركة والاحترام المتبادل. لذا، يمكن اعتبار هذه العلاقات نموذجاً للعلاقات بين الدول التي تختلف من حيث حجمها وأنظمتها وثقافاتها.

إن الجانب الصيني يقدر حكمة السياسة البحرينية في سعيها إلى تعزيز علاقاتها بالصين، في ظل التعقيدات الجيوسياسية الإقليمية والدولية الراهنة، الأمر الذي يدل على الاستقلال السيادي للبحرين ورؤيتها الثاقبة، إذ تدرك أن من مصالحها البعيدة المدى تطوير علاقاتها مع الصين، الدولة الصاعدة ذات المستقبل الواعد. فالصين تشهد تحولات تنموية غير مسبوقة تجسدها المؤشرات التالية: بعد أن أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2010، تحتل اليوم المرتبة الأولى في التجارة الخارجية، وتعدّ أكبر شريك تجاري لـ 120 دولة تقريباً، وأكبر شريك تجاري للدول العربية كمجموعة، كما تحتل المرتبة الأولى في قيمة الإنتاج الصناعي، وتشكل نحو 30% من الإنتاج الصناعي العالمي متجاوزة أمريكا واليابان وألمانيا مجتمعة حسب آخر الإحصاء الصادر عن شعبة الإحصاءات في الأمم المتحدة. ذلك إضافة إلى أنها أقوى دولة في بناء مرافق البنية التحتية مثل الطرق والجسور والموانئ والمطارات وشبكات السكة الحديدية والمشاريع السكنية وغيرها، بل هي إحدى الدول الرائدة في العديد من مجالات التكنولوجيا العالية مثل الطاقات المتجددة، وإنتاج المعادن الاستراتيجية، والقطارات الفائقة السرعة، والسيارات الكهربائية وبطاريات الليثيوم، والطائرات بدون طيار، وصناعة السفن، واتصالات الجيلين الخامس والسادس، والحوسبة الكمية، والحواسيب الفائقة والذكاء الاصطناعي وغيرها. والجدير بالذكر أنه في العام الماضي، احتلت السيارات الصينية الصدارة في السوق البحريني للسيارات، وليس ذلك إلا مثالاً جديداً على تقدم الصين السريع صناعياً وتكنولوجياً.

ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً أحب اقتباس ما أورده البروفسور غراهام أليسون، الكاتب السياسي المشهور صاحب نظرية “فخ ثوسيديديس”، في مقالة نشرت في مجلة “المصلحة الوطنية The National Interest” الأمريكية العام الماضي، حيث ذكر أنه كان يترأس فريقاً من الخبراء من جامعة هارفرد، لإعداد تقرير حول الوضع الحقيقي للتنافس الأمريكي الصيني قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020. وفي النهاية، توصل التقرير الذي تناول المنافسة بين الدولتين في خمسة مجالات أساسية: الاقتصاد والتكنولوجيا والقوة العسكرية والدبلوماسية والأيديولوجيا، توصل إلى أن النتيجة في كل من المجالات الخمسة متطابقة: “فالصين التي لم يكن من الممكن رؤيتها في بداية القرن في مرآة الرؤية الخلفية، أصبحت الآن تسير إلى جانبنا، أو في بعض الحالات، تتقدم علينا”.

تحدثت بشيء من التفاصيل عن كل ذلك لا للتباهي بالإنجازات الصينية، بل لأؤكد أن هناك فرصاً واعدة للتعاون الصيني البحريني في الحاضر والمستقبل، وأن الصين ستظل شريكاً مهماً للبحرين في جهودها الساعية إلى تحقيق “رؤية 2030” الإستراتيجية.

ولا شك أن هناك بعض المشاكل تحول دون تطوير العلاقات الصينية البحرينية والصينية العربية عامة، وقد تكون أبرز هذه المشاكل متمثلة في السؤال التالي: كيف ينظر العرب والصينيون إلى بعضهما البعض، بعين الذات، أم بعين الغير؟ أطرح هذا السؤال؛ لأن المعرفة المتبادلة بين الجانبين لا تزال يلفّها قدر من الغموض وسوء التفاهم. وتتأثر بالصور المشوّهة أو العلامات النمطية عن العرب والصينيين في الوسائل الإعلامية والخطابات السياسية الغربية وبأفلام هوليود إلى حد ما. هكذا، تكونت معرفتنا عن الآخر من خلال عدسة الغير، وبالتحديد الغرب، الذي تعوّد أن “يمثل الشرق نيابة عنه” كما قال إدوارد سعيد.

لذا، أصبح لزاماً على الصينيين والعرب اكتساب المعرفة عن بعضهما البعض عبر منظار الذات، بدلاً من عدسة الغير. فنحن في أمسّ الحاجة إلى معرفة الاستكشاف الفكري في كافة المجالات للصين والدول العربية، قيادة ونخباً وشعباً، وجهودهم الدؤوبة لتحقيق السعادة والرفاهية، وأحلامهم الجماعية أو الفردية، وخبرات نجاحهم أو دروس إخفاقهم، والحكايات الكثيرة الجذابة عن الإنسان الصيني أو العربي في هذا العصر. بالإضافة إلى فرص ومجالات التعاون على أساس المنفعة المتبادلة بين الشعبين.

أخيراً، أرى أنه من المهم أن تكون العلاقات الصينية البحرينية شاملة، بحيث تتماشى مع طبيعة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين، فلا تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية والتجارية، بل ينبغي تجاوزها لتشمل مجالات أخرى. إذ تتمتع الصين والبحرين بإمكانيات تعاون واسعة في العديد من المجالات الناشئة التي تتوافق مع استراتيجيات التنمية لكلا البلدين. ومن بينها أذكر المجالات التالية على سبيل المثال:

1. الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المالية والمعلوماتية. فتسعى البحرين حالياً لتكون مركزاً للتكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط، حيث أطلقت سياسة “الأولوية للسحابة” لجذب المؤسسات المالية الدولية، كما تسعى لإنشاء مركز بيانات إقليمي. ويمكن للشركات الصينية المشاركة في مجالات مثل أنظمة الدفع والحوسبة السحابية وتخزين البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وهي المجالات التي تمتلك الصين خبرات وافرة وتكنولوجيا حديثة فيها.

2. الطاقة المتجددة والاقتصاد الأخضر. من المعروف أن البحرين تعمل على تنويع اقتصادها والحد من الاعتماد على النفط، فيمكن للصين، وهي الرائدة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، دعم تحول البحرين نحو استخدام الطاقة النظيفة. كما تحظى السيارات الكهربائية الصينية بشعبية جيدة في السوق البحرينية، مما يفتح الباب لمزيد من التعاون في تصنيع البطاريات وبنية الشحن.

3. الخدمات اللوجستية والتواصل في مجال النقل. تتمتع البحرين بموقع استراتيجي يربط الخليج وشمال إفريقيا والعالم العربي، ويمكن للصين المشاركة في مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ والخدمات اللوجستية الذكية.

4. السياحة والتبادل الثقافي والتعليمي: تتيح البحرين الآن تأشيرة عند الوصول للمواطنين الصينيين، بينما أعلنت الصين مؤخراً إعفاء مواطني جميع الدول الخليجية من تأشيرة الدخول إلى الصين، ذلك إضافة إلى افتتاح خطَيْن للطيران المباشر بين الصين والبحرين في السنة الماضية، ولا شك أن ذلك فتح الآفاق للتعاون الثنائي في مجال السياحة. كما يمكن جعل معهد كونفوشيوس في جامعة البحرين منصة هامة للتبادل الثقافي، ويمكن توسيع نطاق تعليم اللغة الصينية في البحرين، وتعليم اللغة العربية في الجامعات الصينية، وإقامة فعاليات ثقافية متبادلة بغية تعزيز التعارف والتفاهم بين الشعبين الصديقين.

شاركها.