سماهر سيف اليزل
أكد المفكر والأكاديمي الكويتي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت د. محمد الرميحي، أهمية أن تواكب دول مجلس التعاون الخليجي المتغيرات الإقليمية والعالمية عبر التركيز على جودة التعليم، وتطوير الاقتصاد الخليجي، وبناء سوق مشترك قادر على احتضان الابتكارات الجديدة، مشيراً إلى أن المنطقة بين سرديتين توسعيتين والتنوير هو المخرج.
ولفت إلى أن رافعات التنمية لم تعد كما كانت في السابق، وأن التقنية أصبحت العنصر الأهم في استدامة النمو والتقدم، موضحاً أن الحفاظ على استقرار دول الخليج، يتطلب مزيداً من التوحد وتنسيق السياسات بين دوله لمواجهة هذه التحديات.
من جهته، شدّد النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالنبي سلمان، على أن الأمن السياسي لا يُبنى إلا على أساس الأمن الاقتصادي والاجتماعي، داعياً إلى إصدار تشريعات وطنية تعزّز الوحدة الداخلية، وتدعم التماسك الاجتماعي، إلى جانب توسيع آفاق التعاون والتكامل التنموي بين دول الخليج باعتباره الركيزة الأساسية لتعزيز أمنها واستقرارها.
وقال سلمان: إن «وحدة مجتمعات الخليج هي الأساس للحفاظ على كينونة المنطقة، ولا يمكن لأي منظومة أمنية أن تنجح بمعزل عن مجتمع متماسك واقتصاد قوي قادر على استيعاب التطورات».
جاء ذلك على هامش الندوة الفكرية التي نظمها نادي الخريجين مساء أمس في قاعة عيسى بن سلمان الثقافية بمقر النادي في العدلية، تحت عنوان «أمن الخليج في عالم متغيّر»، وذلك ضمن البرنامج الثقافي للنادي للعامين 2025 2026، بحضور نبيل الحمر مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام، وجمع من المفكرين والإعلاميين والأكاديميين والمهتمين بالشأن الخليجي.
وتناولت الندوة العوامل الاجتماعية والسياسية المؤثرة في استقرار دول الخليج، إلى جانب التحديات الإقليمية المتمثلة في التوسع الإسرائيلي والإيراني، وما تفرزه التحولات الدولية من فرص ومخاطر تستدعي صياغة رؤية خليجية موحدة للأمن والتنمية.
واستعرض الرميحي جذور السرديتين، موضحاً أن إسرائيل تستند إلى خرافة «شعب الله المختار» التي تبرر العدوان والتوسع على حساب الفلسطينيين والعرب، فيما تعتمد إيران على «الأسطورة الفارسية» القائمة على نزعة التباهي القومي.
كما تناول تطور «المسألة اليهودية» في أوروبا، موضحاً أن اليهود انتقلوا من حالة الاضطهاد والعزلة إلى التمكين عبر مرحلة التنوير الأوروبي، التي سمحت لهم بالاندماج في الفكر الحديث والمجتمع المدني.
وأوضح أن الثقافة اليهوديةالمسيحية التي ترسخت في الغرب من خلال البروتستانتية الإنجيلية، أعادت قراءة النصوص الدينية لتبرير قيام دولة إسرائيل كضرورة دينية وتاريخية، حتى باتت الدفاعات الغربية عن إسرائيل جزءاً من الهوية السياسية والثقافية في أوروبا والولايات المتحدة.
وأشار إلى أن إسرائيل استثمرت هذا التراكم الفكري والعلمي لتتحول إلى قوة تكنولوجية واقتصادية كبرى، حيث بلغ إنفاقها على البحث العلمي عام 2023 نحو 24 مليار دولار، وصادراتها التقنية تجاوزت 70 مليار دولار، معتبراً ذلك «تحدياً حضارياً وعلمياً» لا بد أن يواجهه العرب بالمعرفة والتنوير لا بالعاطفة.
أما في الشق الإيراني، فأكد د. الرميحي أن إيران اليوم تعاني انقساماً بين تيارات تعيش في الماضي وأخرى تحاول التحديث، بينما تستمر في توظيف الأذرع العسكرية والسياسية في المنطقة تحت ذريعة «مقاومة إسرائيل».
ولفت إلى أن الفساد الاقتصادي وتراجع الحريات وارتفاع البطالة تؤجج الأزمة الداخلية الإيرانية، وأن النظام ما زال أسير أيديولوجية «الحرب خارج الحدود» لتبرير التوسع.
وتطرق د. الرميحي إلى مذكرات وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبداللهيان «صبح الشام»، معتبراً إياها وثيقة سياسية مهمة تكشف طريقة تفكير النظام الإيراني.
وشدّد الرميحي على أن الوعي والتنوير هما السبيل الوحيد لتأمين مستقبل الخليج، داعياً إلى تجاوز «الجمود الديني والخرافة القاتلة»، والاعتماد على دراسة عقلانية للمسائل اليهودية والإيرانية، بعيداً عن الانفعال العاطفي أو التفسيرات الأسطورية.
